بقلم: د. خالد الشرقاوي السموني(*) اكتسبت قضية الفساد في السنوات الأخيرة أهمية كبيرة، وتشتغل منظمات عديدة حكومية وغير حكومية بشأن مكافحته في مختلف بلدان العالم. وفي هذا الإطار، أعدت هيأة الأمم المتحدة اتفاقية دولية لمكافحة الفساد، صادقت عليها الحكومة المغربية سنة 2005. ومن جانب آخر، انخرطت العديد من الدول – ومن بينها المغرب - في ورش مكافحة الفساد على كافة المستويات عن طريق تحديث التشريعات المتعلقة بالجرائم الاقتصادية، وتطوير سياسات الإصلاح الاقتصادي والتقويم الهيكلي، إذ أصبح موضوع مكافحة الفساد من مواضيع الساعة، نظراً لتأثيره على السياسات العمومية الاقتصادية والاجتماعية، وبالخصوص قطاعات التعليم والصحة وغيرها. ونشير في هذا الصدد إلى أن ممارسة الفساد في المجتمعات النامية المعاصرة تعد أكثر استشراء وتغلغلاً عنه في المجتمعات المتقدمة، حتى إنه قد يؤدي إلى تمزيق الحياة الاقتصادية في هذه المجتمعات. كما يمكن حصر مجموعة من العوامل التي تساهم في انتشار الفساد - خاصة في العالم العربي- كضعف الرقابة المالية، والعلاقات الاجتماعية المتسمة بالزبونية والمحاباة، وعدم الولوج إلى المعلومة، وخرق القوانين بسبب عدم دقتها وانتشار ظاهرة الرشوة. ولا ننسى أن للفساد أثرا سلبيا يظهر جليا على الميزانية العامة للدولة ويرجع ذلك بالأساس إلى تراجع مداخيل الضرائب والرسوم، الناتج عن السماح بالتهرب الضريبي أو الحصول على إعفاءات ضريبية لفائدة بعض المؤسسات أو الأفراد، بالإضافة إلى ذلك، فإن الفساد يؤدى إلى زعزعة ثقة المواطن في السلطات العامة، عندما تنجز مشاريع عديمة الجدوى، قد تستنزف ميزانيات ضخمة من المال العام. ويدخل الفساد ضمن الجرائم الاقتصادية التي لها صور مختلفة مثل الاختلاس والرشوة وتهريب الأموال وتبييضها وغيرها من الجرائم المالية. كما أن هذه الجرائم تؤثر على التنمية الاقتصادية من خلال التأثير على الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للفرد بسبب اقتصاد الريع. وقد تعود، بصفة أساسية، إلى تدهور الأحوال الاقتصادية وتدهور القيم الاجتماعية، إذ أنه من الصعب تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية مع وجود نظام إداري فعال بدون توفر نوع من المساءلة والمحاسبة وقياس وتقييم أداء مختلف الإدارات والمؤسسات العمومية. إن الرقابة المالية الخارجية أو التدقيق الداخلي الفعال يمكن أن يجنبا الإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات المحلية تبديد الأموال العمومية أو اختلاسها أو استخدامها في مشروعات غير مجدية لا تتوفر فيها المقاييس والمعايير المناسبة لتحقيق الأهداف التي من أجلها رصدت هذه الموارد في الميزانية العامة للدولة. كما أن الرقابة يمكن أن تساهم في بناء إدارة قوية وفعالة ومواطنة. فضلا عن ذلك، فإن الدستور المغربي لسنة 2011 نص في فصله الأول على مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، كما أكد جلالة الملك في كثير من خطبه على تفعيل هذا المبدأ حتى لا يبقى حبرا على ورق، مما يفيد أن لا مجال هناك للتسامح مع المسؤولين كيفما كانت مراتبهم والذين قد ارتكبوا أفعالا تدخل في دائرة الفساد أو أخلوا بالتزاماتهم الحكومية أو الإدارية تجاه الدولة والمواطن، وما قد يترتب عن ذلك من إخلالات واضطرابات داخل المجتمع. إن نجاح الحكومة في مكافحة الفساد رهين بتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، الذي يقتضي محاسبة كل من تجاوز القانون وقصر في أداء مسؤوليته. (*) مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والإستراتيجية