مافيا الأسعار تهزم الحكومة

شبكات الشناقة تحكم قبضتها على مسار ترويج السلع وتقفز على كمائن المراقبة رفعت الحكومة الراية البيضاء أمام ارتفاع الأسعار في رمضان، فكل تصريحات لحسن الداودي (الذي طلب إعفاءه من مهامه في قضية حملات المقاطعة) بشأن مراقبة الأسعار وتنبئه بانخفاض الأثمنة أبانت عن "زيفها" أمام واقع يتحكم فيه الوسطاء و"الشناقة" ... الحكومة في مفارقة غريبة، تراقب أسعار مواد خاضعة للتحرير وتتجاهل أثمنة مواد غير محررة، والنتيجة فوضى في الأسواق وأسعار ترتفع بشكل صاروخي. إنجاز: خالد العطاوي الساعة تشير إلى السادسة مساء... شوارع البيضاء، مثل حلبة سباق السيارات يتنافس فيها السائقون للوصول إلى خط النهاية، قبل موعد الإفطار، وأسواقها تشبه خلية نحل لكثرة الإقبال عليها لاقتناء المواد الغذائية، لكن بعض المحلات أ خالية لا يقترب منها الزبائن إلا للاستفسار عن الأثمنة، ثم يهرولون بعيدا. تجولت "الصباح" في سوق السلام بالحي المحمدي، والسوق الرئيسي بالمعاريف، و"مارشي" حي الألفة، وسوق الجملة للخضر والفواكه، وعاينت ارتفاع أسعار الفواكه والسمك والقطاني، وقرار المتسوقين بالعزوف عن اقتنائها إلى حين استعادة الأثمنة "رشدها". ولا تختلف الحركة التجارية في هذا الأسواق، إلا في استثناءات قليلة. والإقبال الكبير للمتسوقين عليها، لا يعني إطلاقا، انتعاشا في حركة البيع والشراء، فهناك منتجات أصبح الاقتراب منها يهدد ميزانية الأسرة، فيكتفي الزبائن بإلقاء نظرة خاطفة عليها. يُجمع متسوقون، التقتهم "الصباح"، على عجزهم عن اقتناء وجبة إفطار متكاملة، خلال رمضان، فالراتب الشهري استنزف عن آخره، والسبب ارتفاع مهول في الأسعار، رغم وعود الحكومة بأن الأسعار ستعود إلى رشدها، إلا أنها لم تزدد إلا ارتفاعا... لكن لم ترتفع الأسعار في رمضان؟ وهل للأمر علاقة بالاستهلاك؟ أم قوة ونفوذ المضاربين؟ أم غياب المراقبة؟ الداودي يتحدى طلب لحسن الداودي، الوزير المنتدب المكلف بالشؤون العامة والحكامة، إعفاءه من مسؤوليته الحكومية، في أول سقوط لوزير في قضية حملات مقاطعة المنتجات، لكن الوزير نفسه ظل يحارب في كل الواجهات، دفاعا عن سياسة الحكومة الاقتصادية. لم يتوقف الداودي عن إطلاق الوعود، قبيل رمضان، بمراقبة صارمة للأسعار، وادعى أن السوق الوطنية سيتم تموينها بشكل عاد بالمواد الغذائية، ووصف، خلال ترؤسه اجتماعا للجنة البين وزارية المكلفة بمراقبة وضعية الأسواق وعمليات المراقبة، الأسعار ب"المعقولة"، خلال رمضان، بفضل وفرة التساقطات المطرية، خلال العام الجاري، في وقت كانت احتجاجات المغاربة ترتفع، وأصوات "الطبقة المتوسطة" تندد "بالإجهاز عليها"... فهل أوفى الوزير المعفى بوعوده باستقرار الأسعار خلال رمضان؟ يُجمع المستهلكون وبعض التجار أن السنة الجارية شكلت ضربة موجعة للقدرة الشرائية، فرغم وفرة العرض وقلة الطلب، إلا أن الأسعار لم تتراجع، في غياب مراقبة صارمة لوقف المتلاعبين، واحترام القانون 31-08، الذي ينص على تدابير لحماية المستهلك. في الحياة السياسية المغربية قاعدة أساسية أن الحكومة لا تعترف إطلاقا بفشلها في كل القضايا، وأحيانا تختلق تبريرات جديدة تفاديا لإحراجها، وفي قضية الأسعار ظل الداودي، حتى مع اقتراب رمضان من نهايته، يردد أن الأسعار في المتناول، وأن هناك "سويقات" تبيع السردين ب10 دراهم. لكن هل تتحمل الحكومة وحدها ارتفاع أسعار المواد الغذائية في رمضان؟ في الوقت الذي أنهى الداودي تصريحه بأن ثمن السردين لا يتجاوز 10 دراهم، كانت "الصباح" تتجول في "سويقة" بالبيضاء والبائعون لا يرضون ببيع السردين بأقل من 20 درهما للكيلوغرام، أما في "مارشي" المعاريف بقلب العاصمة الاقتصادية، فارتفع ثمنه إلى 25 درهما. ليست الأسماك وحدها ما أصابها سعار الارتفاع، فجل أنواع الفواكه (يُقبل عليها المغاربة كثيرا في رمضان) ارتفع سعرها بدرجة كبيرة، إلا أن المفارقة الكبيرة تتمثل في انخفاض ثمنها بشكل غريب في سوق الجملة، فالبرتقال، مثلا، الذي يباع في سوق الجملة بدرهمين يباع في أسواق المعاريف ب6 دراهم، وفي الحي المحمدي ب4 دراهم، وبين 5 و4 دراهم في حي الألفة، وهي وضعية باقي أنواع الفواكه التي شهدت ارتفاعا كبيرا، مثل الموز... لكن لم هذه الفوارق الشاسعة في الأثمنة؟ السماسرة والوسطاء ... الأباطرة عاينت "الصباح" في جولتها بسوق الجملة للخضر والفواكه بالبيضاء التهاب أسعار الفواكه، مقارنة مع الخضر، وهي وضعية بدأت، قبيل حلول رمضان، كما يحكي أحد التجار وسجلت زيادات في الأسعار تراوحت بين درهم و10 دراهم، حسب نوع المنتوج. وهمت الزيادات بشكل عام المواد التي يكثر عليها الطلب خلال شهر الصيام، خاصة الفواكه. ولجأت العديد من الأسر إلى سوق الجملة بحثا عن أسعار في المتناول، بعد أن عرفت في أسواق التقسيط ارتفاعا ملحوظا، ما أدى إلى زيادات في أسعار الجملة أيضا، لكنها سرعان ما تراجعت، وظلت مرتفعة بشكل كبير في أسواق الأحياء. وأفاد حسن فريد الإدريسي، رئيس الجمعية المغربية للتجارة والخدمات بسوق الجملة بالبيضاء، أن العديد من الأسر تُقبل على سوق الجملة بحثا عن أسعار أقل، مضيفا أن ارتفاع الطلب على بعض أصناف الفواكه، جعل أسعارها ترتفع بشكل ملحوظ، مقارنة بالأيام السابقة، موضحا أن طريقة التبضع تجعل العديد من الوسطاء والسماسرة يغتنمون هذه الفرصة من أجل المضاربة بالأسعار. وأرجع الإدريسي هذه الزيادات، إضافة إلى تدخل السماسرة و"الشناقة"، إلى طريقة تبضع الأسر التي تتسم بالمبالغة، إذ هناك البعض الذي يقتني، على سبيل المثال، 20 كيلوغراما من الطماطم والكميات نفسها من البصل، ما يرفع الطلب بشكل ملحوظ ويجعل العرض المتوفر لا يسايره، ويتسبب هذا لاختلال بين العرض والطلب في ارتفاع غير طبيعي للأسعار، وطالب الأسر بضرورة ترشيد اقتناءاتها، مؤكدا أن عرض الفواكه سيتواصل طيلة شهر رمضان، وعليه يتعين برمجة أوقات التبضع طيلة الشهر. يكشف الإدريسي عن أحد أهم أسباب ارتفاع الأسعار، فالوسطاء يتحملون المسؤولية في رفع أسعار المواد الغذائية، ويتحملون، حسب مهنيين بقطاع الصيد، المسؤولية في رفعها بنسب تصل إلى 70 في المائة عن ثمن الجملة، خصوصا أن سوق التقسيط يدخل في إطار نظام تحرير الأسعار، و أصبح هامش الربح لدى الوسيط يتعدى أحيانا 100 في المائة من السعر الأصلي. والربح الخيالي لتجار التقسيط يفوق أحيانا الربح الصافي لأصحاب البواخر. "لماذا ننفق كثيرا لجلب السمك من أعالي البحار لنجد في الأخير أن ربحنا الصافي يساوي أو يقل عن ربح تجار سوق التقسيط"؟ يقول المتحدث نفسه. يتحمل الوسطاء المسؤولية في ارتفاع الأسعار، لكن عوامل أخرى تتداخل لرفع الأسعار، خاصة مع طبيعة استهلاك المغاربة في رمضان، فهناك أيصا ما يسمى "الهدر" الرمضاني، ودراسات رسمية حول استهلاك ونفقات الأسر تكشف عن تخلص نصف الأسر من أغذية بقيمة تتجاوز 500 درهم شهريا، فيما ترمي 84.8 في المائة من الأسر جزءا مهما من أغذيتها دون أن تستهلكها، علما أن الأغذية المهدورة تهم أساسا، الحبوب والخبز ومشتقاته، وكذا بقايا الحلويات، إضافة إلى اللحوم والأسماك، والفواكه والخضر. ويجمــــــــــــــــع كل الباحثين أن هناك سلوكا استهلاكيا خاطئا، يطبــــع تصرفــــــــــــــات الأسر خلال المناسبات التي تشهد ذروة الاستهلاك، خاصة رمضان، إذ تعمد إلى الإفراط في التبضع والإعداد لمناسبة ستدوم فترة قصيرة فقط، ما يتسبب في هدر المواد الغذائية، خصوصا سريعة التلف، وبالتالي يرتفع الطلب على بعض المواد وترتفع أسعارها، لكن هل الإقبال على التبضع والاستهلاك يفسر وحده ارتفاع الأسعار؟ شكلت وزارة الشؤون العامة والحكامة لجنة مشتركة مع الوزارات المعنية من أجل تتبع تطور أسعار المواد الغذائية، خاصة تلك التي يكثر عليها الطلب خلال رمضان، مهمتها التحري بشأن الارتفاع غير العادي لأسعار بعض المواد الغذائية، لكن عكس كل التوقعات، عرفت أسعار بعض المنتجات أرقاما قياسية، خاصة القطاني والسمك والفواكه، إذ لم يمنع الالتزام الحكومي بالمحافظة على القدرة الشرائية من ارتفاع مهول لأسعار المواد التي يكثر عليها الطلب خلال شهر رمضان، فالقطاني مثلا ارتفع ثمنها ووصل ثمن الحمص إلى 25 درهما. ويحمل المسؤولون والفاعلون في الاقتصاد مسؤولية ارتفاع أسعار بعض المواد في رمضان إلى ارتفاع الطلب، لكن هل يستهلك المغاربة أكثر في رمضان؟ آخر التقارير الرسمية تشير إلى أن النفقات الغذائية للأسر ترتفع بـ 28 في المائة في شهر الصيام، مقارنة بباقي شهور السنة، وزيادة الاستهلاك في رمضان تساهم في رفع كلفة المعيشة، إذ ترتفع نفقات الأسر على المواد الغذائية بشكل ملحوظ، خلال الشهر نفسه، لتسجل أعلى مستوياتها على حساب النفقات الأخرى، وترتفع قيمتها من 1651 درهما في الشهور العادية إلى 2113 درهما في رمضان. وتختلف نسبة التطور حسب وسط الإقامة، كما ترتفع في العالم الحضري بنسبة 28.5 في المائة، مقابل 24.3 في المائة بالعالم القروي. أرقام ودراسات تتجاهلها الحكومة، وتحاول إخماد لهيب الغضب والاحتجاج على ارتفاع الأسعار في رمضان، لكن دون جدوى، لكن لم تفشل الحكومة في ضبط الأسعار؟ هل يتعلق الأمر بغياب القوانين أم عجز عن التحكم في مسارات إنتاج السلع وبيعها؟ يجيب بوعزة خراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، ل"الصباح"، إن تحرير الأسعار يمنع على الحكومة مراقبتها، والخطورة أن سلعا أخرى غير محررة ولا تخضع للمراقبة، وهي مفارقة كبيرة، ناهيك أن مفهوم مراقبة الأسعار تختزله الحكومات، فقط، في "الجهاز الهضمي"، علما أنها تشمل جميع المواد والخدمات. فشل حكومي في المراقبة رغم كل تعهدات الحكومة بمراقبة الأسعار في رمضان، إلا أنها فشلت في ذلك، فارتفعت أثمنة بعض المواد الغذائية، مثل الحمص (نتيجة الرسوم الجمركية بنسب تصل إلى 40 في المائة)، والسمك والفواكه (لتعدد الوسطاء و"الشناقة")، في الوقت الذي سقطت الحكومة في فخ "البلاغات" الموسمية حول دعم القدرة الشرائية، دون أن يلمس المغاربة ذلك ؟ المفارقة أن الحكومة تدعي أنها تراقب أسعار مواد تخضع للتحرير، في حين تعجز عن مراقبة سلع ومنتجات غير محررة، وتفشل في قطع الطريق على آفة الوسطاء في غياب قوانين تردع وتهيكل بعض القطاعات... فالأسعار لا ترتفع إلا في ظل الفوضى. الإدريسي: 85% من المتعاملين "شناقة" قال حسن فريد الإدريسي، رئيس الجمعية المغربية للتجارة والخدمات بسوق الجملة للخضر والفواكه :"إن ما يناهز 85 في المائة من مالكي المتاجر وأصحاب "المربعات" بالسوق أصبحوا "شناقة"، مما يساهم في ارتفاع الأسعار، ويمنع وصول الخضر والفواكه بأسعار في متناول جميع المغاربة، مهما اختلفت شرائحهم"، مشيرا إلى أن كبار التجار يفضلون التوجه إلى أسواق أخرى في محيط البيضاء عوض سوق الجملة، وهو ما يفرض تدخلا عاجلا وليس "ترك الجمل بما حمل". خراطي: هذه أسباب الغلاء كشف بوعزة خراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، إن الجامعة تراقب الأسعار طيلة السنة، إلا أن رمضان يشكل استثناء، لأسباب عديدة منها تغيير طقوس العلاقات الاجتماعية والتغذية، مشيرا إلى أن الجامعة لاحظت أن هناك ارتفاعا كبيرا للأثمنة من سنة إلى أخرى، إلا في حالات نادرة لبعض المواد أو المنتجات التي "لا تقبلها" السوق الأوربية. وقال خراطي إن الجامعة، التي تضم 65 جمعية على المستوى الوطني، وضعت مؤشرا لقياس القدرة الشرائية، ويتمثل في مقياس سعر السردين، بعدما كانت، في وقت سابق تعتمد على معيار سعر الطماطم، فكلما ارتفع السردين أثر على القدرة الشرائية، مشيرا إلى أن هذا المعيار يكشف، خلال هذا الشهر، ارتفاعا في أسعار المواد والخدمات والمواد الصناعية، التي لا ينتبه إليها المغاربة كثيرا. وحدد خراطي ارتفاع الأسعار في ثلاثة عناصر أساسية: الأولى تتعلق بتركيبة الأسعار غير المعروفة، إذ ظلت الجامعة تطالب بها منذ 2013، قبل أن تفرج الحكومة أخيرا عن تركيبة أسعار المحروقات فقط، والثانية تتمثل في غموض في مسار المنتجات بين المنتج والمستهلك، فالمنتوج يمر بمسارات غير معروفة، مما يؤدي إلى ارتفاع ثمنه في السوق، مشيرا إلى أن هذه المسارات غير مراقبة، ولا توجد مؤسسات تتكلف بتتبعها، وثالثا، التخزين غير القانوني والاحتكار، فالقانون لا يجرم إلا تخزين المواد المستوردة، مما يعتبر خللا قانونيا يجب مواجهته، وأخيرا التخلي عن بعض المؤسسات، مثل مديرية التجارة الداخلية منذ 2010، والتخلي عن مصالح زجر الغش، مما أدى إلى ارتفاع مهول في الأسعار.

مافيا الأسعار تهزم الحكومة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"موروكو 2026" ... حرب الأصوات

"بيجيدي" يهدد بإرجاع بنكيران

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات