مسرحية الاستقالة

حسنا فعل لحسن الداودي، حين طلب من قيادة حزب العدالة والتنمية إعفاءه من مهمته الوزارية، مباشرة بعد مشاركته في الوقفة الاحتجاجية لعمال شركة الحليب أمام البرلمان. لكن خطوة الوزير تخفي فشلا حكوميا في تدبير الأزمات، وغابة من الحروب السياسية، يستعمل فيها حزب العدالة والتنمية كل أنواع الأسلحة، ولو قدم الداودي قربانا. شريط أحداث حملات المقاطعة، وتصريحات بوانو، القيادي في "بيجيدي"، تحت قبة البرلمان، وتصريحات الوزير الخلفي، وخرجات الداودي التي أنهاها بالوقفة الاحتجاجية المعلومة، يجمعها خيط ناظم واحد يتمثل في سياسة "الأرض المحروقة" لتأجيج نار المقاطعة، كلما خفتت نيرانها، والهدف تحقيق "انتصار" سياسي في المدى المتوسط والبعيد، بعد إنهاك الخصوم السياسيين في معارك هامشية. تتلخص "خطة" العدالة والتنمية، في الوقت الراهن، في خلط الأوراق السياسية، فالحزب يُظهر نفسه، من جهة، معارضا لمقاطعة المنتجات، لكنه في العمق يزيدها وهجا والأمثلة كثيرة نلخصها في: أولا، شخصية الوزير الداودي، تستبعد فرضية مشاركته عفويا في الوقفة الاحتجاجية، دون استشارة العثماني، حتى أن رئيس الحكومة استبق أي تكهن في الموضوع، وسارع، منذ البداية، إلى إبراء ذمته، وقال إنه "فوجئ بالتحاق وزير الشؤون العامة والحكامة بمجموعة من المتظاهرين أمام مقر البرلمان، دون علمه واتصل به فور علمه بالموضوع، ونبهه إلى أن العمل غير لائق". العارفون بمسار القرارات الحزبية داخل العدالة والتنمية يدركون جيدا أن وراء جرأة الداودي اتصالات هاتفية، ربما لن تكون من العثماني نفسه، لكن دون شك، فقد استشار مع محيط رئيس الحكومة أو قياديين في الحزب الذين منحوه الضوء الأخضر، ثم تباكوا في اليوم الموالي دفاعا عنه، وحرصوا على تضمين ذلك في بلاغ الأمانة العامة للحزب التي أعلنت "رفضها لبعض التصريحات والتدوينات غير المنضبطة لقواعد وأخلاقيات حرية التعبير الصادرة عن بعض مناضلي الحزب والمسيئة للأخ لحسن الداودي". ثانيا، كلما أوشكت حملات المقاطعة على تراجع عدد المشاركين فيها، هب أعضاء في العدالة والتنمية لإشعالها، سواء بتصريحات في البرلمان أو سلوكات يومية أو تدوينات في مواقع التواصل الاجتماعي، أو صدور قرارات غريبة. والمتتبع المحايد يرصد مراهنة الحزب على استمرار المقاطعة، ولو خسر كل رصيده الانتخابي، لسبب في نفس يعقوب، فهو لا يقبل الهزيمة السياسية، كما هو شأن باقي الأحزاب والتيارات "الإسلامية" في العالم العربي. سيطوي الحزب حكاية الداودي، ثم يعيد إنتاج قصص أخرى أكثر إثارة، كلما أحس أن وهج حملات المقاطعة خفت. ثالثا، ضحى الحزب بأحد مؤسسيه، فأنهى مسارا طويلا للداودي حين أدرك أنه استنفد كل أسلحته، لكن الاستقالة ليست "عملية فدائية لتجنيب الحزب تبعات الهزة العنيفة التي يتعرض لها المشهد السياسي برمته"، كما قال أحد قيادييه ، بل تعكس أن الحزب يتشبث بإستراتيجية "علي وعلى أعدائي"، فينهك نفسه داخليا، ويقلص حجم المتعاطفين معه انتخابيا، ويؤمن أن مواجهة الأحزاب المنافسة رسالة مقدسة، تماما كما فعل مع الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في عهد حكومة التناوب، ومع العماري في أوج حزب "البام" وحاليا مع التجمع الوطني للأحرار. إن معارك العدالة والتنمية السياسية أشد خطورة من حملات المقاطعة، نفسها طويل هدفه الاستفراد بالسلطة، وإزاحة المنافسين له، فلا فرق، إطلاقا، كما بينت كل الأحداث منذ تأسيس الحزب، بين الخصوم والحلفاء، فالأهم بسط نفوذه وهيمنته على المجتمع في سلوك سياسي ينتعش في كل الأحزاب "الإسلامية" أو "الإخوانية"، ولكم في تجارب باقي الدول دروس وعبر.

مسرحية الاستقالة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

كواليس إفطار انتهى بإعفاء الداودي

مختصرات

مقالات ذات صلة