الداخلية والانتخابات… جدل بين الدولة والساسة

دعاة إبعاد الداخلية عن الاستحقاقات ينتقدون النفوذ المتزايد لرجالات الماضي داخل الوزارة لا يزال إشراف الداخلية على الانتخابات الجماعية والتشريعية بالمغرب محط جدال سياسي بين الدولة وبعض الأحزاب التي تبنت هذا الخطاب. غير أن هذه الدعوات تسارعت وتعالت خلال فترة التحضير للانتخابات التشريعية الأخيرة، في حين راهنت الداخلية على الإجماع الحزبي للحفاظ على إشرافها ووصايتها على ملف الانتخابات، وبذلك فهي سعت إلى إشراك الأحزاب السياسية، ودعوتها إلى المشاركة في النقاشات القانونية والتقنية الخاصة بالتهييء لهذه الانتخابات، واستدعت لأجل ذلك مختلف الأحزاب والهيآت الحقوقية حتى المقاطعة منها لهذه الانتخابات أو تلك التي كانت مترددة في حسم موقفها من المشاركة.الجدل بشأن إشراف الداخلية على الانتخابات ظل حبيس أحزاب محدودة القواعد والتمثيلية، غير أن تفسيراتها لمبرر سحب الانتخابات من يد وزارة الداخلية، جعل منها ظاهرة صوتية قوية تفرض نفسها داخل الحقل السياسي، وحتى على الأحزاب التي اعتبرت نفسها غير معنية بهذا النقاش بين الداخلية والساسة حول حياد الوزارة في إشرافها على الانتخابات، وربما هو الجواب الذي حملته رسالة الدولة إلى أصحاب هذا المطلب بتعيين شخصية تنتمي إلى حزب سياسي وزيرا للداخلية.ماضي الداخلية واتهامها المتكرر بتزوير نتائج الانتخابات، كان وراء دعوات "ضرورة إحالة ملف الإشراف على الانتخابات إلى هيأة مستقلة، وسحب الملف من وزارة معروفة بسوابقها البعيدة والقريبة في عدم احترام ضوابط الاقتراع الحر والنزيه، وخاضعة للنفوذ المتزايد لرجالات الماضي من مساعدي إدريس البصري، وعاجزة عن تقديم الدليل على تحررها من الآليات والأجهزة والعقليات المناهضة لروح التطور الديمقراطي". ما يفيد أن الجدار النفسي بين الدولة وبعض الأحزاب ما يزال قائما وصامدا في وجه أي تحول يروم إعادة النظر في وظيفة الداخلية بصفتها جهازا إداريا وليس وسيلة للتحكم كما كان يجري في السابق.هذا المعطى هو ما يصفه اليوم بعض الساسة بـ"استمرارية التحكم في الحقل السياسي من أعلى، الشيء الذي لا ينسجم مع التوجهات التي قيل إن الدستور الجديد جاء لإرسائها"، وهذا يفضي إلى قيام حاجة ماسة، يقول دعاة تحييد الداخلية عن الانتخابات، إلى "حل المشكل الرئيسي للانتخابات المغربية، والمتمثل في عزوف الأغلبية الساحقة من الناخبين عن صناديق الاقتراع، إما بعدم تسجيل أسمائهم في اللوائح أو بعدم تصويتهم، وعدم ثقتهم في المسلسل الانتخابي برمته"، وهو أمر يتطلب الانتقال من معالجة الإشكالات التقنية إلى معالجة سياسية شاملة بواسطة نقاش سياسي وإجراءات الانفتاح واستعادة الثقة في السياسة.آخر المحطات التي برزت فيها ضرورة العودة إلى إثارة قضية استمرار إشراف الداخلية على الانتخابات، هي لحظة الاستفتاء الأخير حول المراجعة الدستورية، فقد اعتبرت الأحزاب التي تجادل في شرعية إشراف وزارة الداخلية على الانتخابات بمختلف أشكالها، أن الدولة "تسلطت" على إرادة المصوتين بتوجيه الاستفتاء الشعبي إلى وجهة واحدة، وهو ما تفنده الدولة باعتبار أنها سمحت للمقاطعين بالإعلان عن مواقفهم، وفي وسائل الإعلام العمومي، وحتى في الشوارع التي نزل إليها هؤلاء للدعوة إلى مقاطعة التصويت رغم أن الأمر فيه ما يخالف القوانين، إلا أن الدولة ظلت تتساهل لرهانها المسبق على "الثقة الزائدة في المخزن".بالمقابل، اعتبر تيار المعارضة، الذي يقوده الحزب الاشتراكي الموحد، أن لحظة الاستفتاء الأخير كانت تكريسا لسلطة الدولة، ومن خلالها وزارة الداخلية، لأن "جهة واحدة هي التي حددت تاريخ إعلان فكرة المراجعة الدستورية، وتولت تعيين كافة أعضاء اللجنة الاستشارية للمراجعة، التي حددت تاريخ بدء عمل اللجنة وتاريخ انتهائه، وتاريخ نشر المشروع وتاريخ حملة الاستفتاء على المشروع الدستوري، وتاريخ الاقتراع، وهي الجهة نفسها التي يقدم باسمها تاريخ الانتخابات التشريعية". بينما منطق الانتقال الديمقراطي يفرض بالضرورة السعي للوصول إلى توافقات بين مختلف الفرقاء على الأجندة السياسية حتى تكون مطابقة لمصالح أكبر عدد من الأطراف". إ . ح

الداخلية والانتخابات… جدل بين الدولة والساسة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الداخلية مازالت وزارة "سيادة"

أم الوزارات تلبس رداء الحزبي ويتحكم فيها التقنقراطي

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات