الرقمـنة… السـراب

إدارات عمومية فصلت صفقات على مقاس التحول الرقمي و10 % فقط من المعاملات الإدارية إلكترونية تحولت مشاريع وبرامج الرقمنة إلى بقرة حلوب بالنسبة إلى إدارات عمومية، وجدت في الخدمات الإلكترونية وسيلة لتجميل صورتها، وإبراز تحولها إلى أحدث نظم التسيير والحكامة، إلا أنه خلف هذا التحول ظهر مجال جديد مدر للدخل، يتعلق بالصفقات العمومية الخاصة بتثبيت الأنظمة المعلوماتية والتطبيقات، وكذا الطلبات الفرعية الخاصة بالصيانة وتوظيف الأطر. وسجلت هذه الصفقات تطورا مهما خلال السنوات الماضية، موازاة مع تجاوز عدد المشتركين في الأنترنت سقف 17 مليون مشترك، إلا أن هذا النمو لم ينعكس على أرض الواقع، في شكل توسع قاعدة الخدمات الإلكترونية العمومية، التي لم تتعد 10 % من إجمالي هذه الخدمات المقدمة من قبل الإدارة، مقارنة مع نسبة 25 % في بلد مثل تركيا، الأمر الذي يؤكد ما ورد في تقارير المجلس الأعلى للحسابات والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، حول أعطاب المخططات والإستراتيجيات الوطنية الخاصة بالرقمنة. والتف مدبرو الصفقات العمومية الخاصة بالتحول الرقمي، على فلسفة "الديجيتال"، التي تستهدف إنهاء المعاملات اليدوية وبلوغ مرحلة "صفر ورق"، باختزال الخدمات الإلكترونية في ملء الاستمارات والمطبوعات وإيداع الطلب عبر "الويب"، في الوقت الذي يفترض التحول المذكور، إعفاء المرتفق من التنقل من أمام الحاسوب، حتى الانتهاء من إنجاز معاملته الإدارية بالكامل. ب. ع موضة "الديجيتال" المكلفة صفقات الأنظمة المعلوماتية في تزايد بالإدارات واهم من يختزل الرقمنة في حواسيب وشاشات عرض إلكترونية مثبتة في الإدارات والمرافق العمومية، فمفهوم التحول الرقمي أكبر من حصره في هذا التصور المجحف، ذلك أن الطريق ما زالت طويلة أمام الإدارة لبلوغ مرحلة «الرقمنة الكاملة»، طالما أن الإحصائيات الأخيرة، تشير إلى أن الخدمات الإلكترونية تهم 10 % فقط من الإجراءات الإدارية، مقابل 25 % في بلد مثل تركيا. هذه المقارنة، تعكس حجم الهوة بين البلدين، والتي تتفاقم باختلاف منظور كل منهما للرقمنة، فهي بالنسبة إلى بعض الإدارات العمومية الوطنية لا تتجاوز مرحلة الحصول على موعد أو ملء استمارة أو تقديم طلب، في الوقت الذي تصل مرحلة النضج الكامل في الإدارات التركية، التي تعفي المرتفق من مشقة النهوض من خلف الحاسوب من أجل استخلاص وثيقة معينة، فهو يملأ المطبوعات بالبيانات المناسبة، ويقدم الطلب إلى الإدارة المعنية، ثم يستخلص الوثيقة المرغوبة، موقعة إلكترونيا خلال فترة زمنية قياسية. الأمر ليس بهذه البساطة في الإدارات العمومية الوطنية، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالوثائق الإدارية الأكثر طلبا، التي ما زالت تكلف المرتفقين الجهد والوقت، مثل شهادات السكنى وجواز السفر وكناش الحالة المدنية وغيرها، إذ لا تتجاوز الرقمنة بها عتبة ملء استمارة أو أخذ موعد، فيما تحولت الوسائط الرقمية والخدمات الإلكترونية على عللها، إلى «موضة» بين الإدارات والمرافق العمومية المختلفة، فيكفي تصفح بوابة الصفقات العمومية «مارشي بيبليك. ما»، حتى يتبين العدد الضخم لصفقات تثبيت الأنظمة المعلوماتية، وطلبات خدمات الصيانة الإلكترونية، وتوظيف المهندسين المتخصصين. هذه الصورة يمكن تلخيصها في «بقرة حلوب»، إذ تحولت الرقمنة من ضرورة إلى موضة لدى بعض الإدارات، يؤكد عبد الرزاق الكوني، مستشار مالي في بورصة البيضاء، منبها إلى أن صفقات النظم الإلكترونية الحديثة، أصبحت مجالا مدرا للدخل، ما شجع عددا كبيرا من الشركات الأجنبية المتخصصة على الولوج إلى السوق الوطنية، مؤكدا أن أغلب الإدارات العمومية استحدثت خلال السنوات الأخيرة، مصالح خاصة بـ»المعلوميات»، وسرعان ما اقتطعت من ميزانيات التسيير مخصصات مالية مهمة، لتمويل صفقات تثبيت أنظمة معلوماتية وإطلاق خدمات إلكترونية، أرفقتها بصفقات فرعية للصيانة والتطوير. ورغم هذا الرواج الكبير للصفقات العمومية الخاصة بالرقمنة، إلا أن البرامج والاستراتيجيات لم تحقق أهدافها، لأن الموظف العمومي ما زال يقاوم التغيير، ويرفضه تماما في بعض الأحيان، ما صعب إدماجه في التجارب الرقمية، إذ يعتبر تدخله الشخصي في المعاملات، سلطة وقيمة مضافة لا محيد عنهما. وعطلت العقلية الكلاسيكية المبنية على السلطة التقديرية للمسؤول العمومي أو الموظف بصفة عامة، الرقمنة في أغلب الحالات، وظلت محفزا أساسيا على الفساد الإداري، الذي تسعى الإدارة إلى محاربته عبر الرقمنة والولوج الإلكتروني للخدمات، فالطابع اللامادي للتجربة الرقمية هو العامل الجديد، الذي راهنت عليه الإدارة لفرض قواعد معاملات نزيهة، تضطلع بدور المرفق العام، في أفق تحسين وتجويد القطاع الخدماتي، الموضوع رهن إشارة المواطنين. ضد التغيير يلزم الولوج إلى التجربة الرقمية الموظف، المتمركز ضد التغيير، بالاستفادة من دورات تكوينية متخصصة، إذ تندر التكوينات المنظمة من قبل الإدارات لفائدة الموظفين، مقابل ارتفاع عدد صفقات تثبيت الأنظمة المعلوماتية. كما يتعين على الإدارة إنجاز وثيقة لتبسيط الاستعمال لفائدة المرتفق، الذي يفترض فيه التوفر على حاسوب واشتراك في شبكة الأنترنت، ذلك أن المعلومات المتوفرة، تشير إلى أن نسبة الربط بالشبكة العنكبوتية تظل في حدود 46 %، أي أزيد من 17 مليون مشترك في الويب. بدر الدين عتيقي

الرقمـنة… السـراب

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تحقيق ... مختبرات صناعة "الوهم"

1950 مليارا في مهب الريح

مقالات ذات صلة