20 فبراير والسلطات الأمنية…لحظات انفلات

مرت علاقة 20 فبراير والسلطات الأمنية، بعدد من المدن المغربية، بمراحل من التوتر والتشنج ومظاهر انفلات من الطرفين أرخت بظلالها على الألوان المميزة لربيع محلي، ظل يصفه البعض بالاستثناء المغربي، في ما يشبه المقارنة مع قاعدة الانفلاتات القصوى بعدد من الأقطار العربية، آخرها سوريا التي يتهاوى فيها الأطفال والشيوخ والنساء والمواطنون العزل مثل حبات الزيتون في شجرة ناضجة.في البدء، ظلت حركة 20 فبراير والدولة تقدمان نموذجا، إيجابيا إلى حد بعيد، عن استمرار ثنائية السلطة والسلطة المضادة التي لا تستقيم دونها أي ديمقراطية حقيقية. ولم يصدر عن الدولة، خارج بعض الاحتكاكات المحدودة، ما يفيد نيتها قمع التظاهر السلمي وحرية الاحتجاج والتعبير في الشارع العام، قبل أن يظهر، في المسار العام للأحداث، ما يشبه الردة على ما يمكن أن نسميه اتفاقا ضمنيا للتعايش بين الطرفين، ظلت تعززه إشارات متبادلة من جهة الشارع (تحديد أرضية واضحة للمطالب والشعارات، التماهي مع شعار «سلمية سلمية لا موس لا جنوية»، عدم المساس بالثوابت الأساسية، الدفاع عن حرمة المؤسسات والممتلكات العمومية والخاصة)، ومن جانب الدولة عبر الاستجابة الفورية لبعض المطالب في خطاب ملكي أقر مراجعة دستورية شاملة وتعهدا بمواصلة مسلسل الإصلاحات.وشكل يوم الأحد 13 مارس الماضي، أي أياما فقط من الخطاب الملكي لـ9 مارس، حالة اسثتناء في هذا المسار، بسبب انفلاتات لم يتم التحقيق في أسبابها الحقيقية، قابلتها القوات الأمنية بتدخل عنيف ضد نشطاء الحركة بساحة الأمم المتحدة، قبل أن يتفرق المتظاهرون ويجتمعوا من جديد أمام مقر الحزب الاشتراكي الموحد، حيث كانت تعقد دورة للمجلس الوطني للحزب، وهنا التحقت بهم قوات الأمن يقودها والي الأمن السابق، ونكلت بالجميع، ضمنهم أعضاء قياديون من الحزب، ولم تشفع تدخلات محمد بنسعيد أيت إيدر لوقف الاعتداءات التي بررها والي الأمن بمحاولة استباقية لصد نوايا شباب الحركة بضرب رجال الأمن ولحماية جيران زنقة أكادير.في مرحلة لاحقة، بدا أن تقويض أسس هذا الاتفاق الضمني كان ضمن جدول أعمال مسبق لأطراف من داخل الحركة أو خارجها أو من الملتحقين بها، كان هدفها إرغام الحركة والدولة معا على إنهاء مرحلة التعايش السلمي والدخول إلى مرحلة المواجهة التي لن تخدم في الأخير سوى عناصر تريد تنظيف الشوارع بدماء المغاربة (إحالة إلى أستاذ التربية الإسلامية الذي أغاضه توجه الشباب إلى تنظيم حملة نظافة فهددهم بحرب دماء)، أو تحقيقا لنبوءة مؤجلة في قومة خلافية قادمة، ما انتبه إليه نشطاء من الحركة أنفسهم فدقوا ناقوس الخطر أكثر من مرة، ومنهم من أعلن مراجعة شاملة في علاقته بهذه الأطراف، أو قدم استقالته من الدينامية برمتها إلى حين تأسيس إطارات أخرى أكثر وضوحا على مستوى المرجعية، كما على مستوى المطالب والأهداف والأفق.وحسب عدد من المتتبعين، يمكن حصر بعض أخطاء 20 فبراير التي وقعت فيها الحركة قصدا، أو دون قصد في التماهي، في بعض اللحظات، مع مطالب السفلية الجهادية وأجندتها التي أغوت الحركة بنزهة غير مضمونة العواقب قرب مقر ديستي بتمارة، ما قابلته الأجهزة الأمنية بحملة تعنيف، وإن كانت الدولة اقتنعت، في ما بعد، بفتح أبواب هذا المركز للتفتيش في وجه البرلمانيين والمجلس الوطني لحقوق الإنسان.إضافة، إلى المبادرات غير الناضجة، ساهم «هروب» القيادات الشبيبية اليسارية والحقوقية وتواريها خلف المشهد في فسح المجال أمام رموز الجماعات الأصولية ومتشدديها لاحتلال الصفوف الأمامية، ما أحرج الدولة والحركة معا، زد على ذلك لحظات الفلتان المتكررة في الخطاب الاحتجاجي والانزياح عن الأرضية التأسيسية، والتغيير الذي طرأ على لغة الشعارات والمطالب التي بدأت تنحو رويدا إلى ما يمكن أن يُستشف منه مطلب بتغيير شكل الدولة وليس إصلاحها فــــحسب.من الأخطاء القاتلة أيضا، إحداث تغيير إستراتيجي في مواقع الاحتجاج والتظاهر، انتقلت من الساحات والفضاءات العمومية إلى عمق الأحياء الشعبية المكتظة بالسكان، دون تقدير الكلفة الأمنية لهذا الاختيار، ودون قراءة جيدة لردود فعل المواطنين الذين تحولوا إلى «أعداء» للحركة بدل قواعدها الخلفية، وقد تطور الأمر إلى مواجهات بين «شباب» و»شباب» تحولت فيه أجهزة الأمن/الدولة إلى حكم.بموازاة ذلك، نحت الحركة، تدريجيا، من خطاب ديمقراطي وحداثي يقبل الاختلاف والحوار والجدل والانتقاد، إلى خطاب متصلب وديماغوجي واستئصالي وتكفيري في بعض الأحيان، إما أن تكون معنا، أو الطوفان، ما ظهر في عدد من المحطات فقد فيها «الشباب» أعصابهم سواء في اجتماعات داخلية (الاعتداء على منتمين إلى الحركة أمام مقر حزب اليسار الاشتراكي الموحد بعد منعهم من الدخول)، أو في لحظات نقاش مع مواطنين لا يحملون، بالضرورة، الأفكار نفسها. يوسف الساكت

20 فبراير والسلطات الأمنية…لحظات انفلات

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

استغلال الحركة للبناء العشوائي والمطالب الشخصية

أمين: الحركة فرصة تاريخية للمغرب نحو الديمقراطية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات