هيآت الحكامة و”سلطة” الاستشارة

شكلت الوثيقة الدستورية التي صادق عليها المغاربة في الفاتح من يوليوز الماضي قفزة نوعية و مدخلا أساسيا، في اتجاه تكريس الحكامة الجيدة و الديمقراطية التشاركية. في هذا الصدد، نص الدستور الجديد في فصله الثالث عشر على "... إحداث هيآت للتشاور، قصد إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين، في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها «.المشرع الدستوري، وحرصا منه على قيام تلك المؤسسات بالأدوار المنوطة بها على أكمل وجه، أكد في الفصل 159 على أن "الهيآت المكلفة بالحكامة الجيدة مستقلة؛ وتستفيد من دعم أجهزة الدولة؛ ويمكن للقانون أن يُحدث عند الضرورة، هيآت أخرى للضبط والحكامة". في الاتجاه نفسه، ركز الفصل نفسه على ضرورة تقديم تلك"المؤسسات والهيآت المشار إليها في الفصل 161 إلى الفصل 170 من الدستور ... تقريرا عن أعمالها، مرة واحدة في السنة على الأقل، الذي يكون موضوع مناقشة من قبل البرلمان. «كانت المؤسسات والهيآت البالغ عددها 13 مؤسسة، التي سيحدث عدد مهم منها لأول مرة، وسيطور دور وإمكانيات أخرى تؤثث الفضاء المؤسساتي قبل دستور 2011، تتوزع مجالات اشتغالها بين حماية الحقوق والحريات، والحكامة الجيدة والتنمية البشرية والمستدامة والديمقراطية التشاركية، وهيآت حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، وتختلف أدوارها بين السلطة الضبطية وسلطة الاستشارة. وإذا كانت الهيآت الضبطية تهم تنظيم المنافسة والعلاقات بين المتدخلين في بعض القطاعات ذات الطبيعة الاقتصادية بشكل عام، فإن الهيآت والمجالس الاستشارية ستضطلع بأدوار جد هامة في القادم من السنوات، في اتجاه تكريس الديمقراطية التشاركية و تعزيز "سلطة الاستشارة". إحداث تلك المؤسسات والهيآت ينم عن توجه أكثر جرأة في سبيل تعزيز مشاركة مختلف الفعاليات والحساسيات المجتمعية في تدبير المشترك الوطني في مختلف المجالات التي ترهن مستقبل السياسات العمومية ببلادنا. فبالموازاة مع التوجه نحو تكريس دولة الحق والقانون، وشفافية المسلسل الانتخابي، وربط المسؤولية بنتائج صناديق الاقتراع، أصبح الواقع يفرض فتح المجال لبعض المكونات المجتمعية للتعبير عن انشغالاتها ومطالبها واقتراحاتها، من خلال فضاءات مؤسساتية دستورية تعطي لرأيها السلطة الاستشارية المعنوية المؤثرة في الآلة الديمقراطية التمثيلية، التي قد لا تكفل دائما للجميع إمكانية التمثيل المؤسساتي البرلماني، أو حتى القدرة على إسماع صوتها في ظل مؤسسات تبقى تمثيليتها محصورة في محترفي الانتخابات والسياسة.من جهة أخرى، وبالنظر للتمثيلية الموسعة التي تتميز بها تلك المؤسسات، فهي تساهم في تأدية أدوار أخرى منها الاستراتيجي، كتقييم السياسات العمومية واستشراف التحديات المستقبلية القطاعية أو الاجتماعية، ومنها السياسي الظرفي كاستيعاب بعض القوى والحساسيات، وليس بالضرورة احتوائها، في بنية مؤسساتية شبه رسمية، تمكنها من التعبير عن مواقفها خارج منطق الزمن الانتخابي الضيق، الذي يجعل السلطتين التشريعية والتنفيذية حبيسة الدورات الانتخابية، مع كل ما يعنيه ذلك من افتقار تلك المؤسسات للنفس الطويل و الرؤية البعيدة المدى. تعميق الوعي الجماعي وإنضاج شروط التغيير المجتمعي، يمران حتما عبر تعزيز ومأسسة الحوار العمومي حول القضايا المصيرية للوطن و المواطنين. وما دمنا بصدد الحديث عن "سلطة" الاستشارة، فلابد من التذكير في هذا الإطار، أن كل حصر تسطيحي للديمقراطية في منطق و رغبات الأغلبية قد ينحو في اتجاه فرض "ديكتاتورية" تلك الأغلبية، وليس تكريس إرادتها عبر أدواة الحكم الديمقراطي. الديمقراطية تنبني بالأساس على منطق التوازن؛ التوازن بين السلطات، وبين القرارات والتوجهات، وبين الحقوق والواجبات. انطلاقا مما سبق، فإن سلطة الاستشارة المتمثلة في هيآت الحكامة، قد تحد من "تسلط" الأغلبية عبر فرض سلطة الأقلية المعنوية.الدولة الديمقراطية في الختام، هي أولا وأخيرا، دولة مؤسسات تستوعب الاختلاف وتكفل للجميع الإدلاء برأيه، والتأثير بشكل مباشر أو غير مباشر في اتخاذ القرار، ولو من باب التنبيه والتوجيه وحتى النصيحة "الربيع الديمقراطي"، الذي تعيشه المنطقة العربية، وما رافقه من انتعاش كبير للفعل الاحتجاجي، يفتح المجال اليوم وبشكل واسع هذه المرة، لتعزيز بنيات الاستشارة المؤسساتية من أجل تحقيق مجموعة من المطالب التمثيلية لفئات واسعة، ظلت إلى حدود وقت قريب مهمشة أو مقصية من المؤسسات التمثيلية التقليدية. عثمان كاير: أستاذ بجامعة الحسن الثاني – المحمدية

هيآت الحكامة و”سلطة” الاستشارة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

شيوخ السلفية خارج السجون بعد عقد من الزمن

الربيع العربي في سوريا لن يزهر قريبا

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات