حديث الصباح: الكرامة… بين النار والمال

شباب أحرقوا جلودهم من أجل كرامتهم وقاض أحرق كرامته من أجل حفنة مال يوم الأربعاء الماضي، جاءت الصفحة الأولى من جريدة «الصباح» بخبرين أشعلا في القراء نار الألم، وفاحت منهما رائحة قبضت أنفاسهم، الأول خبر يتعلق بشباب يحرقون جلودهم من أجل كرامتهم، والثاني يتعلق بخبر قاض أحرق كرامته وصورته وسمعته من أجل حفنة مال، وتبين أن النيابة العامة بطنجة تحملت مسؤولية قراراتها ونشرت بلاغا في الموضوع، ومنذ نشر النبأ طرح سؤال المواطنة والنزاهة من جديد.وإن كان المتهمون والمستفزون معروفين قبل اليوم في ملف الشباب الجامعي العاطل، وهم الدولة والحكومة وسياساتهما العمومية الفاسدة في التعليم والتشغيل والتكوين والموارد البشرية، وهم كل من عربد بالوطن وبخيراته وبماليته بنشر الرشوة والفساد والمحسوبية ومن على شاكلتهما، ليضمن استمراره ومنصبه ومصالحه، فإنه في ملف طنجة لو ثبت الجرم قضائيا، فإن الانفجار لن يمنعه أحد، والغضب سيكون في عنفه وحجمه سابقة تاريخية لأن الرافضين من صفوف مكونات العدالة، ومن وسط القضاة والمحامين على الخصوص، للانحراف والرشوة والارتزاق، حاملو الوطن وسمعته وأمنه القضائي في قلوبهم يفدونه بحرياتهم، فهؤلاء، وقد ارتبطت حياتهم بالمرافعة من أجل قيم النزاهة والسلوك والأخلاق، لن يقبلوا بديلا عن المساءلة والمحاسبة والعدالة للوقوف عند الحقيقة تحت رقابة قضائية شفافة ومستقلة. وبين رائحة النار والرماد للشباب بالرباط ورائحة المال والرشوة بطنجة، تبقى الأيادي النظيفة سندا للأبرياء والأوفياء والشرفاء، قادرة على حمايتهم من الأشرار ومن المتربصين بالقضاء ونسائه ورجاله، وبشبابنا الذين وقفوا منذ عشرين فبراير من السنة الماضية إلى اليوم في سيرورة الانتفاضة العربية ضد الاستبداد، أمام عدو عنيد وهو الفساد.علينا أن نقولها جهرا، إن قضاءنا أصبح غير قادر على أن يتحمل المزيد من حماقات البعض من عناصره، وغير قادر على أن يعيش بجسم مريض معتل، وإن الصف القضائي بكل مكوناته يريد اليوم قبل الغد أن يكون قويا مؤسساتيا ومعنويا وبشريا ليقدر على ضمان الأمن الحقيقي للمغرب وللمغاربة، وليقدر على الجواب برأس عال على مؤاخذات حلفاء المغرب وشركائه أصدقائه وأعدائه. اليوم، إن الوضع القضائي وسمعته لا يعنيان القضاة وحدهم، ولا القانونيين والممارسين وحدهم، إن القضاء، شئنا أم كرهنا، يعنى المواطن بالأساس، بل إن القضاء والمواطن اليوم، كل مواطن دون استثناء، قد نسجت بينهما قرابة وألفة وعلاقة صلبة، كلاهما يتطلع أن تصبح المصداقية والثقة والاحترام عمودها الأساسي، وهذا العقد الأخلاقي والمعنوي بينهما يفرض علينا كلنا تحصينه ومساندته بكل قوة ومنع كل تصرف يقلق راحته.إذن، إن الرأي العام القضائي والقانوني، ينتظر نهاية البداية في القضية القضائية المالية بطنجة، والتي لا بد أن تعالج بعيدا عن كل تأثير وفي جو من الثقة في من يتولى البحث، مع الالتزام بما يحمي قرينة البراءة، وما يحقق اليوم سلامة المسطرة العادلة وغدا المحاكمة العادلة، وإن يشعر الجميع أن الملفات ذات الأهمية كباقي كل الملفات تخضع للمقاييس والقواعد نفسها بما في ذلك حماية الحرية بعيدا عن الاعتقال إن انعدمت موجباته، ولقد قرأت باحترام في بعض الصحف رأي مسؤولين بالودادية الحسنية للقضاة ونادي القضاة وهم يؤكدون مبدأ التشبث بالأخلاق والقيم، وهم في ذلك يلتقون بالرأي العام كله.لقد سبق للمفكر الفرنسي ألبير كامي أن وضع مقولة، وهي في اعتقادي نهج لكل من يؤمن برسالة في الحياة، حين قال «إن من يحبون العدالة لا حق لهم في الحب».إن هذه المقولة تضع كل ممارسي القضاء أمام خيار إستراتيجي ثقافي ووظيفي، فإما أن يختاروا حب رسالتهم القضائية حبا مطلقا بكل ما تلزمهم به من تعفف ومن ابتعاد عن الشهوات الحرام بكل ألوانها، وإما حب الهوى وما لذ من فتن الدنيا من غنى ومن مال مع كل مخاطره، ولكن ليس لهم أن يعشقوا الفواتن والملذات كلها، لأن من يعشق مهمته في القضاء لا يمكنه أن يجمع في صدره حبين لا يتعايشان: حب القضاء وحب الفساد. بقلم النقيب: عبد الرحيم الجامعي

حديث الصباح: الكرامة… بين النار والمال

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

المجلس الدستوري يلغي الطعن في رئيس مجلس النواب

معارك بالسيوف في ديربي السلة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات