قانون الحقوق العينية على محك المشروعية

صياغة الفقرة 2 من المادة 2 تمس أول الحقوق الدستورية الفردية وهو حق الملكية يعد صدور قانون الحقوق العينية، تطورا نوعيا في التشريع المغربي، إذ استطاعت الأطر المغربية القانونية أن تقنن في فصول بعض القواعد الشرعية التي كانت متناثرة هنا وهناك، بدون ضابط في صياغتها، ولا في نقلها من كتاب لآخر، ما خلق، أحيانا، ارتباكا في فهمها. غير أن مدونة الحقوق العينية حملت معها إشكالا كبيرا لم يفهم الغرض منه، ولا المصالح التي من الفروض الدفاع عنها. وهو الإشكال المتعلق بالمادة 2 من تلك المدونة. تنص المادة 2 من قانون 08.39، المتعلق بمدونة الحقوق العينية على ما يلي: "إن الرسوم العقارية وما تتضمنه من تقييدات تابعة لإنشائها تحفظ الحق الذي تنص عليه وتكون حجة في مواجهة الغير على أن الشخص المعين بها هو فعلا صاحب الحقوق المبينة فيها". "إن ما يقع على التقييدات من إبطال أو تغيير أو تشطيب من الرسم العقاري لا يمكن التمسك به في مواجهة الغير المقيد عن حسن نية، كما لا يمكن أن يلحق به أي ضرر، إلا إذا كان صاحب الحق قد تضرر بسبب تدليس أو زور أو استعماله شريطة أن يرفع الدعوى للمطالبة بحقه داخل أجل أربع سنوات من تاريخ التقييد المطلوب إبطاله أو تغييره أو التشطيب عليه". لقد أثارت هذه المادة نقاشا كبيرا ومازالت تثيره إثر إحداثها للقاعدة القانونية المتمثلة في أن: "مالك العقار، عندما يتم التزوير عليه ببيعه لعقاره بدون علمه، فإنه يجب عليه التخلي عن عقاره لمن اشتراه بعد عملية التزوير بدعوى أن هذا الأخير له حسن النية". ملاحظات لا بد منها إن هذه القاعدة الجديدة تستدعي الملاحظات التالية: 1 - أن صياغة المادة 2 في المشروع كانت في أصلها تتكون من فقرتين: - الأولى: لا تعنينا هنا. - الثانية: هي التي ينصب عليها هذا المقال، إذ تضمنت، في نص مشروع القانون ما يلي: "إن ما يقع على التقييدات من إبطال أو تغيير أو تشطيب من الرسم العقاري لا يمكن التمسك به في مواجهة الغير المقيد عن حسن نية ولا يمكن أن يلحق به أي ضرر". فصياغة هذه الفقرة هي من الغموض ما يدفع إلى التساؤل: هل هي تحمي المالك الأصلي أم تحمي مشتري العقار بعد عملية التزوير الذي لحق هوية وإرادة المالك الأصلي، وتم بيع عقاره بدون رضاه وبدون علمه؟ 2 - إن صياغة هذه الفقرة بعد مناقشتها من قبل لجنة العدل والتشريع، تم تعديلها وأصبحت على الشكل التالي: "إن ما يقع على التقييدات من إبطال أو تغيير أو تشطيب من الرسم العقاري لا يمكن التمسك به في مواجهة الغير المقيد عن حسن نية، كما لا يمكن أن يلحق به أي ضرر، إلا إذا كان صاحب الحق قد تضرر بسبب تدليس أو زور أو استعماله، شريطة أن يرفع الدعوى للمطالبة بحقه داخل أجل أربع سنوات من تاريخ التقييد المطلوب إبطاله أو تغييره أو التشطيب عليه". 3 - إنه يتبين من مقارنة نص المادة 2 في مشروع القانون المقدم من قبل الحكومة مع نص المادة التي صوتت عليها لجنة العدل والتشريع أن الأخيرة أضافت للمادة 2 الفقرة الثانية: "إلا اذا كان صاحب الحق قد تضرر بسبب تدليس أو زور أو استعماله شريطة أن يرفع الدعوى للمطالبة بحقه داخل أجل أربع سنوات من تاريخ التقييد المطلوب إبطاله أو تغييره أو التشطيب عليه". 4 - إن أصل الفقرة الثانية، وكذا الفقرة المضافة من قبل لجنة العدل والتشريع اتجهت إلى حماية من يشتري عقارا نتيجة عملية تزوير في إرادة وهوية البائع، أي المالك الأصلي للعقار، وبدعوى أن هذا المشتري هو حسن النية. نقاش في الاتجاه المعاكس مع أن النقاش الذي باشرته لجنة العدل والتشريع انتهى إلى الاتجاه المعاكس، أي إلى ضرورة ضمان حقوق المالك الأصلي، ولا عبرة بوجود حسن النية من عدمه، ما دام سند نقل الملكية من المالك الأصلي إلى غيره بني على عملية تزوير في إرادة المالك الأصلي وهويته. وبالفعل، فإنه بالرجوع إلى تقرير لجنة العدل والتشريع في الصفحة المخصصة لمناقشة المادة 2 المذكورة، نجده، أي تقرير لجنة العدل والتشريع، أشار إلى تساؤلات أعضاء اللجنة حول من الأحق بالحماية، هل المالك الأصلي للعقار أم مشتري العقار بعد عملية تزوير؟ وفي رد الحكومة المضمن في ذلك التقرير، باعتبارها صاحبة المشروع وباعتبارها المسؤولة عن السياسة القانونية، بحكم الدستور الذي يجعل اختصاص وضع مشاريع القوانين يدخل في المجال الخاص بالحكومة طبقا للفصل 92 من الدستور، كان جوابها على لسان وزير العدل كما يلي: "بخصوص التساؤل عن الذي يكون أهلا للحماية في حال وجود متضررين حسن النية، تم التأكيد أن المالك المتضرر الأصلي هو أهل للحماية على أساس أن ما بني على باطل فهو باطل، مع ضرورة وضع حلول في هذا النص التشريعي لتحديد الاختيار. فجواب الحكومة لخص آراء أعضاء اللجنة ورأي صاحبة المشروع، أي الحكومة، وانتهى إلى ضرورة حماية المالك الأصلي. إجراءات احترازية لكن الصيغة النهائية التي هي اليوم سارية المفعول، ذهبت في الاتجاه المعاكس، إذ تحمي المشتري تبعا لعملية تزوير بدعوى وجود حسن النية. وليس المالك الأصلي. بل إن الصيغة النهائية أثقلت المالك الأصلي بعدة إجراءات احترازية وأخرى قضائية يجب عليه القيام بها ليبقى في ملكه وعقاره ويسترجعه. هذه الإجراءات الاحترازية والقضائية هي: أ - أن يرفع دعوى لإثبات أن عقد بيعه لعقاره كان مزورا عليه. ب - أن يقدم تلك الدعوى داخل أجل أربع سنوات. ج - أن يقدم الدعوى ضد المزور وليس مشتري العقار، لأن هذا الأخير سيواجهه بما سمي حسن النية. د – إن الحكم الذي سيحصل عليه لن يقضي له بحقه في استرجاع عقاره هو، إنما سينحصر في التعويض المالي ضد مرتكب التزوير. هـ - إن المالك الأصلي يجب عليه أن يفرغ ويتخلى عن ملكه وعقاره للمشتري المسمى حسن النية. 5 - إن هذا الصياغة النهائية للفقرة الثانية للمادة 2 تتناقض جذريا مع النتيجة الطبيعية والمنطقية لما انتهى إليه النقاش الذي راج بين أعضاء لجنة العدل والتشريع وتبنته الحكومة التي تجاوبت معه. وهو ما يطرح سؤالا عن كيفية اعتماد صياغة تتناقض مع نتيجة النقاش في لجنة العدل والتشريع. 6 – إن التقييم القانوني للصياغة النهائية للفقرة 2 من المادة 2 والتي هي سارية المفعول اليوم، لا تتناقض فقط مع النقاش الذي قام به أعضاء لجنة العدل والتشريع ومع استجابة الحكومة له، وإنما تتناقض مع المبادئ الأصلية التي تضمن حق الملكية، تلك المبادئ المنصوص عليها في الدستور وفي القواعد العامة للقانون. 7 – دستور 2011، مثله مثل باقي الدساتير التي عرفها المغرب، ينص في فصله 35 على ما يلي: "يضمن القانون حق الملكية". هذا النص هو في ترتيب القوانين من حيث الأسبقية في التنفيذ هو أعلى من النصوص المصنفة من النظام العام، لأنه نص دستوري لا يمكن، بل لا يعقل، في دولة الحق والقانون، أن يقبل من البرلمان أن يحدث قاعدة قانونية مخالفة للدستور. وأكيد أن المحكمة الدستورية ستقول رأيها إذا عرض عليها هذا المس بالمبادئ الدستورية، عندما يدخل حيز التنفيذ اختصاصها المنصوص عليه في الفصل 133، أي اختصاص فحص دستورية تطبيق بعض القوانين، لأن صياغة الفقرة 2 من المادة 2 تمس أول الحقوق الفردية وهو حق الملكية وهو حق دستوري. 8 - إن صياغة الفقرة 2 من المادة 2 تخرق كذلك الفقرة الأخيرة من الفصل 6 من الدستور التي تمنع أن يكون لأي قانون أثر رجعي، أي أن يغير قانون جديد المراكز القانونية السابقة لصدوره. بينما المادة 2 تطبق اليوم حتى على من كان يملك عقاره مند مئات السنين، إذ عليه، حسب صياغة المادة الجديدة، أن يتعود على الانتقال كل مرة إلى المحافظة العقارية للتحقق مما إذا كانوا زوروا عليه ملكيته لعقاره أم لا، علما أن عملية التحقق لدى المحافظة العقارية من قبل مالك العقار مستحيلة ماديا، وإلا ستوقف المحافظات العقارية كل أعمالها وتخصص طيلة ساعات اليوم لفتح ملفات الرسوم العقارية والتحقق لكل مواطن مغربي هل عقاره مازال في اسمه أم لا. وعلما كذلك أن مالكي العقارات هم في تزايد، ما سيكون من المستحيل على أي محافظة عقارية أن تلبي جميع طلبات مالكي العقارات. 9 - إن القواعد العامة للقانون منصوص على أغلبها في ظهير الالتزامات والعقود، لذا نجد الفصل 306 ينص على أن الالتزام الذي ينقصه أحد الأركان اللازمة لقيامه، يكون باطلا بقوة القانون وليس قابلا للإبطال بطلب من له مصلحة. وفي حال التزوير في هوية وإرادة المالك الأصلي، أي البائع، فإن ركن الإرادة يكون منعدما، ما يؤدي إلى بطلان أي التزام منسوب إليه. فهو بطلان بقوة القانون. 10 - إن الفصل نفسه صريح وواضح في أن بطلان الالتزام لا يمكن أن ينتج أي أثر. وبالتالي لا يمكن لمشتري عقار، تبعا لعملية تزوير في إرادة وهوية المالك الأصلي، أن يصبح الأحق بالحماية بدل حماية المالك الأصلي. 11 - إن الفصل 310 من ظهير الالتزامات والعقود، حسم هذا الخلاف عندما أكد أنه لا يمكن إجازة الالتزام الباطل بقوة القانون، أو التصديق عليه، فهما معا لا يكون لأي منهما أي أثر. 12 - يفهم من هذا الفصل أن الفقرة الثانية من المادة الثانية من مدونة الحقوق العينية التي أجازت عقد شراء مبني على انتفاء إرادة المالك الأصلي بفعل التزوير الذي تعرضت له إرادته وهويته، ليس لها أي أثر قانوني، لأنها مخالفة للدستور ومخالفة للقواعد الأولية والجوهرية للقانون. حماية المالك الأصلي للعقار يتبين من كل ما سبق: أ - أن إرادة المشرع المعبر عنها من أعضاء مجلس النواب، في لجنة العدل ومن موقف الحكومة اتجهت إلى حماية المالك الأصلي للعقار وليس إلى من يشتري العقار بعد عملية تزوير، كما يتبين من تقرير لجنة العدل والتشريع. ب - إن المقتضيات الأصلية للفقرة 2 من المادة 2 من مدونة الحقوق العينية، كما قدمت في مشروع القانون للجنة العدل والتشريع، وما أضيف إليها من مقتضيات من قبل لجنة العدل والتشريع، مخالفة للدستور في الفصل 35 ومخالفة للقواعد المبدئية والأولية والجوهرية للقانون، المنصوص عليها في ظهير الالتزامات والعقود، وعلى الخصوص في فصليه 306 و310. ج - إن الفقرة الثانية من المادة الثانية، رغم صدورها، فهي لا أثر لها طبقا للفصلين 306 و310 من ظهير الالتزامات والعقود. د- إن تلك الفقرة ستمنع البنوك من اعتبار العقار ضمانة للقروض التي تعطيها للمتعاملين معها، إذا كان مالك العقار المستفيد من القرض قد يصبح، بعد عملية تزوير، بدون أي حماية قانونية. لذا، ومن أجل إعادة الانسجام القانوني مع قواعد الدستور ومع القواعد العامة للقانون المنصوص عليها في الفصلين 306 و310 من ظهير الالتزامات والعقود، يجب: - إما حذف الفقرة الثانية من المادة الثانية من مدونة الحقوق العينية. - وإما حذف الفصلين 6 و35 من الدستور والفصلين 306 و310 من ظهير الالتزامات والعقود. إن منطق العدالة والإنصاف يلزم أن ترجع الأمور إلى أصلها القانوني والمنطقي، وهو أن ينص على أن "من اشترى عقارا بعد عملية تزوير، أن يقاضي هو من زور عليه، وليس على المالك الأصلي، الذي لا علم له بالتزوير، أن يقوم برفع الدعاوى التي لن ترجع له عقاره لأنه سيواجه بما سمي حسن نية المشتري. عبد الكبير طبيح (محام بهيأة البيضاء)

قانون الحقوق العينية على محك المشروعية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"كليب" يسرا "محيح"

مشكل التذاكر يواجه الجمهور الجزائري

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات