الوكيل العام لدى محكمة النقض …علاقة المسؤولية بالمحاسبة

الآلية الرقابية التي يثار بشأنها كل هذا اللغط لم تمارس مفعولها إزاء أي وزير للعدل في الماضي لقد اعتبر الدستور المغربي 2011، علامة فارقة في المسيرة الدستورية بالمغرب واستجابة لأحداث وتطورات ما سمي الربيع الديمقراطي على المستوى الخارجي، والدينامية الجريئة في تقديم المطالب، على المستوى الداخلي، وجرأة المجتمع المغربي في ابتداع وسائل للتعبير عن مصالحه ومطامحه، وقضاياه الأساسية بصفة مباشرة ودون الوسائط التقليدية. وهكذا، وللاعتبارات المذكورة، كان دستور 2011 انعكاساً لهذه التحولات، وبذلك تميز عن الدساتير الخمسة السابقة بعدة خصائص، من حيث طريقة وضعه، والمنهجية التي اتبعت في ذلك، في سعي لأن يكون (من صنع المغاربة ولأجل جميع المغاربة...). ومن حيث الشكل، فإنه قد أقيم على هندسة جديدة، همت كل أبوابه، خاصة السلطات الأساسية في الدولة : التشريعية، التنفيذية، القضائية، وما يهم في هذا الموضوع هو السلطة القضائية، التي حظيت باهتمام خاص من المشرع الدستوري، بداية من اعتبار القضـاء (سلطة) لأول مرة في دستور 2011، إذ أن الدساتير الخمسة السابقة، كانت تعبر عن هذه السلطة بكلمة (القضاء) مجردة من أي وصف، وحصرها فقط في ستة فصول، في كل الدساتير السابقة (1962-1996 )، في حين أن دستور 2011 ميزها ب 22 فصلاً، وهذا يدل على تعاظم دور سلطة القضاء في حياة المجتمع المغربي، وما يهم هو نقل رئاسة النيابة العامة من وزير العدل، إلى الوكيل العام للملك، لدى محكمة النقض، بصفته رئيسا للنيابة العامة، حيث حل محله في ممارسة الاختصاصات التي كانت موكولة إليه، والمتعلقة بالسلطة والإشراف على النيابة العامة وعلى قضاتها، بما في ذلك إصدار الأوامر والتعليمات الموجهة إلى النيابة العامة (مشروع قانون رقم 33.17 )، تطبيقاً لأحكام المادة 117 من القانون التنظيمي رقم 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة. ونقل اختصاصات النيابة العامة، من وزير العدل إلى الوكيل العام لدى محكمة النقض، هي رغبة ظل الحقوقيون يؤكدون عليها في كل المناسبات – وخاصة، المحامين والجمعيات الحقوقية – منذ زمن بعيد، اعتقاداً أن في ذلك تحقيق استقلال مؤسسي وفعلي لفصل السلطة التنفيذية في شخص وزير العدل عن السلطة القضائية، وتجسد ذلك، في خلاصات الهيأة الوطنية، التي كلفها الملك بإعداد وثيقة إصلاح عميق لمنظومة العدالة التي ورد فيها على الخصوص ما يلي: ( إسناد رئاسة النيابة العامة إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض؛ قيام وزير العدل بتبليغ مقتضيات السياسة الجنائية، كتابة، إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، قيام الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بتبليغ التعليمات الكتابية القانونية إلى الوكلاء العامين للملك ؛ إحاطة الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض وزير العدل علما بالإجراءات والتدابير المتخذة بشأن السياسة الجنائية ؛تقديم الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض تقريرا سنويا إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية بشأن تنفيذ السياسة الجنائية وسير جهاز النيابة العامة، ويكون موضوع نقاش داخل المجلس). وهكذا، يلاحظ أن خلاصات وثيقة إصلاح منظومة العدالة، قد تركت بين وزير العدل والنيابة العامة، نوعاً من التواصل وتبادل التعاون في تدبير السياسة الجنائية، عن طريق توزيع الأدوار، إلا أن الظهير حسم في قطع علاقة الوزير بالنيابة العامة. ويثير فصل النيابة عن سلطة وزير العدل، كثيراً من الجدل، لا خلال المناقشة، داخل لجنة إصلاح منظومة العدالة ولا خارجها، بين الحقوقيين خاصة، والسياسيين بصفـــــة عامـــــــــــة، وتركز الخلاف حول إمكانية المحاسبة في حالة الفصل، لأنه إذا كانت شروط محاسبة وزير العدل قائمة ومتعددة، وأهمها سلطة البرلمان الرقابية... كممثل للمواطنين والمتقاضين...، فإن هذه الإمكانية صعبة الممارسة بالنسبة إلى الوكيل العام لدى محكمة النقض، في غياب آلية مؤسسية بين الأصيل والوكيل – إذا لم تكن منعدمة – على اعتبار أنه يستمد سلطاته من الملك الذي يعينه، ومعلوم أن الجهة التي تعين في هذا المستوى، هي التي تملك سلطة المحاسبة والجزاء، عندما تتوفر الشروط، فوسيط المملكة مثلاً، بالنسبة لإخلالات الإدارة في تدبير شؤون المرتفقين فإنه يرفعها للملك في تقريره السنوي، ورئيس المجلس الأعلى للحسابات يقوم بالمهمة نفسها الرقابية بالنسبة لتدبير المال العام، لكن واسطة التبليغ الرسمية عما يرتب المسؤولية والجزاء، بالنسبة للوكيل العام غير قائمة، مما يجعل جلالة الملك صاحب السلطة الأصيلة في مواجهة مباشرة مع تظلمات المواطنين من بعض الممارسات أو القرارات المعيبة التي قد تصدر عن الوكيل العام، الذي ينوب عنه في تدبير اختصاصات النيابة العامة الواردة في ظهير التعيين. النيابة العامة قبل الاستقلال عن وزارة العدل إن التخوفات والاحتمالات، التي تثيرها تحفظات نقل رئاسة واختصاصات النيابة العامة من وزير العدل إلى الوكيل العام، والتوجس من عواقب سلطة بهذه الأهمية والخطورة، غير خاضعة للمحاسبة بطريقة مؤسسية واضحة، قد يخفف من غلوائها أن قراءة تاريخ ممارسة مهام النيابة العامة من طرف وزراء العدل منذ الاستقلال، تبرز أن الآلية الرقابية المفتقدة في حالة الوكيل العام اليوم، لم تمارس مفعولها إزاء أي وزير للعدل في الماضي. وما يعزز الاطمئنان هو أن مسؤولية رئاسة النيابة العامة، قد تم - لأول مرة - تحديد مجالها، وحدود اختصاصها، بنصوص صريحة بصفة موضوعية، لا مجال فيها للاجتهاد الشخصي كما هو واضح من نص ظهير التعيين ( 3 أبريل 2017 ). (... أننا أصدرنا أمرنا المولوي بتعيين السيد محمد عبد النباوي في منصب الوكيل العام لجلالتنا لدى محكمة النقض، وعليه، فنأمره، بصفته رئيسا للنيابة العامة، والمسؤول القضائي الأول عن حسن سيرها، بالدفاع عن الحق العام والذوذ عنه، وحماية النظام العام والعمل على صيانته، متمسكا، هو وسائر القضاة العاملين تحت إمرته، بضوابط سيادة القانون ومبادئ العدل والإنصاف التي ارتأيناها نهجا موفقا لاستكمال بناء دولة الحق والقانون، القائمة على صيانة حقوق وحريات المواطنين والمواطنات، أفرادا وجماعات، في إطار من التلازم بين الحقوق والواجبات). ولعل هذه الالتزامات الواضحة والشاملة للحق العام والخاص، والمؤهلات الشخصية للمكلف بالوفاء بها، وقوة واتساع سلطة الرأي العام، ووسائل التواصل الحديثة،كلها تشكل عناصر الرقابة غير الرسمية على تدبير الوكيل العام لدى محكمة النقض لمسؤولياته الجديدة. ذ/جــلال الطاهـــر محام بهيأة البيضاء

الوكيل العام لدى محكمة النقض …علاقة المسؤولية بالمحاسبة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

نقل مصاب في حالة غيبوبة من الحسيمة إلى الرباط

نزاع قاضيين حول مصير شاهدي زور

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات