عندما حاول الجيش قتل الحسن الثاني

فقد هيبته لصالح الدرك الملكي وغموض يلف هويات المشاركين مرت أزيد من 44 سنة على محاولتي انقلاب الصخيرات وإسقاط الطائرة الملكية، اللتين أزالتا حجاب الهيبة عن الجيش، لصالح الدرك الملكي الذي صار الآمر الناهي لدوره الكبير في إنقاذ حياة الملك الراحل الحسن الثاني. ما زال عدد من تلاميذ المدرسة العسكرية "هرمومو" (رباط الخير حاليا)، يتذكرون فجر 10 يوليوز 1971، عندما اجتمعوا رفقة ضباط وضباط صف في ساحة الثكنة أمام العشرات من الشاحنات والسيارات العسكرية، وهم يتأبطون بنادق أوتوماتيكية وكميات من الذخيرة الحية. استقبلهم الكولونيل امحمد اعبابو، مهندس الانقلاب، بحماس وأمرهم بصعود الشاحنات دون تحديد وجهتهم. قاد الكولونيل بنفسه القافلة العسكرية، وهو عل متن سيارة "جيب". واصلت القافلة مسارها بشكل عاد، دون أن تعترضها نقط تفتيش الجهات الأمنية المختصة إلى أن وصلوا قرب غابة بوقنادل، حيث أمر الكولونيل الجميع بالاستراحة، وتوجه للقاء غرباء، تبين في ما بعد أن من بينهم شقيقه الكولونيل محمد اعبابو والكولونيل القادري، الذي سيتحول إلى زعيم حزب سياسي في ما بعد. راجت الأخبار أن اعبابوا اقترح على القادري مشاركته في الانقلاب،، اعتذر لكن القادري اعتذر بمكر خوفا من رد فعل اعبابو، الذي أمر قافلته بمواصلة الطريق إلى الصخيرات. كانت الساعة تشير إلى الثانية زوالا، عندما تفاجأ نقيب بالدرك مكلف بحراسة بوابة القصر، بشاحنات عسكرية تتوقف أمام القصر الملكي، الذي كان يشهد وقتها حفلا صاخبا بمناسبة الاحتفال بعيد الشباب. أدرك النقيب خطورة الموقف، فأشهر مسدسه في وجه اعبابو طالبا منه المغادرة. حاول الكولونيل المتحمس استمالته إلى صفه، فكان جواب النقيب رصاصة في ذراع اعبابو الذي رد عليه بطلقات نارية أردته قتيلا، ليبدأ اقتحام القصر وتعم الفوضى بين ضيوقه المغاربة والأجانب. في خضم تلك الفوضى، سيظهر أول شريك للكولونيل اعبابو في الانقلاب العسكري، وهو الجنرال المذبوح الذي كان غاضبا جدا من اعبابو. كشف تلاميذ عسكريون، حضروا لتلك المجادلة، أن الجنرال المذبوح، احتج بشدة على خرق اتفاق يقضي باقتحام القصر بدون إطلاق نار، قبل أن يطالبه بمرافقته للقاء الملك لتوقيع وثيقة تنازله على العرش. أدرك اعبابو أن الجنرال خطط لتصفيته جسديا للظفر بالسلطة، فأمرهم بقتله. سيلتقي اعبابو بجنرالات وضباط كبار، من بينهم الجنرال حبيبي وأمحزون والكولونيل الشلواطي، وغيرهم، اقترح عليهم مشاركته الانقلاب مؤكدا لهم مقتل الحسن الثاني، ما جعل عددا منهم يوافق على العرض سيما الكولونيل الشلواطي، الذي تكلف بإدارة الانقلاب بعد أن قرر اعبابو التوجه إلى الرباط لاحتلال مقرات الإذاعة ووزارة الداخلية والقيادة العامة للقوات المسلحة، التي سيلقى فيها حتفه، بعد مواجهة مسلحة على طريقة أفلام "الكوبوي" مع الجنرال البشير البوهالي، وبموته فشل الانقلاب. كان أكبر رابح في هذا الانقلاب، الجنرال محمد أفقير، سيما بعد أن طالبت الإعدامات جنرالات وقيادات كبرى في الجيش المغربي، وبرز كاسم وحيد قوي يمثل الجيش المغربي ويحظى بصلاحيات واسعة خولها له الملك الراحل الحسن الثاني. لكن بعد سنة فقط، وبالضبط في 16 غشت 1972 سيقود أفقير انقلابا جديدا، بتنسيق مع الكولونيل أمقران قائد القاعدة الجوية بالقنيطرة والرائد الوافي كويرة، قائد القاعدة الثالثة. كان هدف الخطة اعتراض الطائرة الملكية بطائرات "إف 5" لدى عودتها من فرنسا، حيث قضى الملك عطلة صغيرة، وإسقاطها لحظة دخولها الأجواء المغربية قرب طنجة. انطلقت أربع مقاتلات للقاء طائرة الملك، إلا أن حدس هذا الأخير، جعله يأمر ربانها بتغيير المسار إلى الناظور وتطوان بدل طنجة، وثم التوجه إلى مطار الرباط. أربك تغيير مسار الطائرة حسابات الانقلابيين، الذين عثروا على الطائرة متأخرين، وهي تقترب من القنيطرة، لتبدأ فصول المطاردة والقصف، لكن دون أن يتمكنوا من إسقاطها. نجحت الطائرة في النزول بمطار الرباط، وبعد استقبال رسمي مستعجل، غادر المكان مسرعا إلى القصر الملكي. بعدها بدقائق، قصفت طائرت المطار، قبل أن يتخلى عنها ربابنتها، ويتم اعتقال الجميع بمن فيهم أمقران وكويرة. ألغاز ما زال الحديث عن المحاولتين الانقلابيتين، في 1971 و1972، يثير العديد من الأسئلة حول هويات المتورطين الحقيقيين، ففي انقلاب الصخيرات، يطرح سؤال محرج حول الجهة التي تكلفت بإرسال شاحنات إلى الكولونيل اعبابو لنقل التلاميذ إلى الصخيرات، وفشل المخابرات المغربية في رصد هذه القوة العسكرية الهائلة التي قطعت مئات الكيلومترات من هرمومو إلى الصخيرات. والأكثر إثارة من سلم الكولونيل رخصة الحصول على الذخيرة الحية، من ثكنة تازة. هذه الأسئلة ما زالت دون جواب، بعد أن تبين أن الكولونيل اعبابو، حسب من شاركوه العملية الانقلابية مجرد بيدق صغير في يد جهات كبرى، وهو ما كشف عنه نقاشه الحاد مع الجنرال المذبوح. الأمر نفسه يتعلق بالمحاولة الثانية، بعد أن راجت أخبار حول تورط قيادات في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بالتنسيق مع الجنرال محمد افقير، لاغتيال الملك الحسن الثاني، وهو ما أكده الراحل الفقيه البصري في رسالة نشرت على صفحة يومية وطنية. مصطفى لطفي

عندما حاول الجيش قتل الحسن الثاني

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

التحولات المدنية العسكرية للجيش

المخزن... تمدد مؤسساتي لأدوار الملك العسكرية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات