حركة 20 فبراير والإصلاحات الدستورية والمؤسساتية

خطاب 9 مارس يشكل استمرارية في النهج الإصلاحي للملك محمد السادس أعلن الملك محمد السادس في خطاب 9 مارس عن جملة من التعديلات الدستورية التي تستجيب نوعا ما لمطالب هيآت سياسية، حقوقية وشبابية، خاصة حركة 20 فبراير والتوجهات المؤطرة لها. وبغض النظر عن الإطار الإقليمي والدولي لهذه الإصلاحات، فإننا نتساءل عن مضمون هذه التعديلات الدستورية؟ مداها ؟ آفاقها ومدى تأثيرها على صناعة القرار السياسي بالمغرب من جهة، وعلى الواقع الاقتصادي والاجتماعي لفئات عريضة من المواطنين المغاربة الذين يتساءلون عن علاقة التعديل الدستوري بواقعهم اليومي الصعب.1-خطاب 9 مارس ومضمون التعديلات الدستورية:لابد من التأكيد أولا على أن خطاب 9 مارس يشكل استمرارية في النهج الإصلاحي للملك محمد السادس الذي دشن عهده بإصلاحات حقوقية (هيأة الإنصاف والمصالحة 2004)، اقتصادية (المخططات القطاعية: مخطط المغرب الأخضر ـ مخطط الإقلاع الاقتصادي émergence ـ مخطط أليوتيس للصيد البحري ـ مخطط اللوجستيك، مغرب التصدير...) واجتماعية (المبادرة الوطنية للتنمية البشرية)، فكان لابد من استكمال هذا النهج بإصلاحات مؤسساتية تعيد رسم معالم الخريطة السياسية، تحدد دور الفاعلين في الحقل السياسي المغربي وتؤطر دستوريا الجيل الجديد من الإصلاحات التي سيعرفها المغرب خلال السنوات المقبلة بحيث سنكون أمام بانوراما تشمل إصلاحات سياسية اقتصادية، اجتماعية مترابطة ومتكاملة تنعكس إيجابا على حياة المواطنين المغاربة، وهنا لابد من أن نلتقط الإشارة القوية لوزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون لدى استقبالها الوزير المغربي الطيب الفاسي الفهري، حين نوهت بشمولية وعمق الإصلاحات بالمغرب.وهكذا حدد جلالة الملك سبعة مرتكزات يشملها الإصلاح الدستوري وهي:1-التكريس الدستوري للطابع التعددي للهوية المغربية وفي صلبها الأمازيغية كرصيد لجميع المغاربة.2-ترسيخ دولة الحق والمؤسسات ولا سيما بدسترة التوصيات الوجيهة لهيأة الإنصاف والمصالحة والإلتزامات الدولية للمغرب.3-الارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة.4-توطيد مبدأ فصل السلط وتوازنها وتعميق دمقرطة وتحديث المؤسسات وعقلنتها وتخويل البرلمان سلطات واختصاصات جديدة.5- تقوية دور الأحزاب، وتكريس مكانة المعارضة البرلمانية، مع تقوية مكانة الوزير الأول كرئيس لسلطة تنفيذية فعلية.6- ربط ممارسة السلطة والمسؤولية العمومية بالمراقبة والمحاسبة.7- دسترة هيآت الحكامة الجيدة وحقوق الإنسان وحماية الحريات.كما عين جلالة الملك لجنة للإشراف على الإصلاح، وآلية سياسية للمتابعة، والتي بدأت عملها بالتشاور مع الأحزاب السياسية والنقابات الأكثر تمثيلية، إضافة جمعيات المجتمع المدني وممثلي الشباب لاحقا. لكن ما مدى وآفاق هذه الإصلاحات ؟2-مدى وآفاق الإصلاحات الدستورية:إن التعديل الدستوري معناه إعادة ضبط التوازنات والاختصاصات بين الفاعلين السياسيين بشكل يوضح مسؤولية كل فاعل ودوره داخل النسق السياسي المغربي.فمنح صلاحيات جديدة للحكومة من خلال دسترة المجلس الحكومي وعلاقته المستقبلية بمجلس الوزراء، وجعل الوزير الأول مسؤولا فعليا عن عمل الإدارة والمؤسسات العمومية والولاة والعمال معناه إمكانية محاسبة الحكومة بصفة مباشرة عن عمل هذه المؤسسات في حال تجاوزها للمهام الموكولة إليها وأمثلة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ـ القرض العقاري والسياحي ـ المكتب الوطني للمطارات وغيرها بارزة في هذا الاتجاه.كما أن دسترة آليات الرقابة والحكامة الجيدة تفرض مساءلة ناهبي المال العام ومرتكبي جرائم الفساد، الرشوة، المحسوبية بشرط وجود قضاء نزيه وفعال لا يمتثل للتعليمات ويملك سلطة البت في القضايا بشكل مستقل كما هو الشأن في إسبانيا، فرنسا، وإيطاليا حيث تتم متابعة كبار مسؤولي الدولة في حال إخلالهم بالتزاماتهم المهنية.إن دسترة تعيين الوزير الأول من الحزب الذي سيحصل على أغلبية المقاعد في الانتخابات التشريعية لسنة 2012، وفق برنامج حكومي واضح ودقيق يعيد للمنهجية الديمقراطية معناها، ويعطي صوت الشعب قيمته السياسية . لكن ذلك يقتضي أيضا وجود ضمانات قوية لانتخابات نزيهة لا يستعمل فيها المال، ولا تبقى فيها السلطة على حياد سلبي يترك المجال لمفسدي الانتخابات.3-الواقع السياسي والواقع الاقتصادي والاجتماعيإن مسيرات 20 و 27 مارس تطرح أسئلة عديدة حول مطالب الشارع وردود فعل السلطة، ويبقى الرهان هو حصول توافق واضح ومقنع بين المطالب من جهة وردود الأفعال والقرارات السياسية من جهة أخرى لذا، فإن هذا الحراك الاجتماعي والسياسي السلمي يجب أن يؤطر نفسه تنظيميا ويفاوض بطريقة منهجية وذكية لتوفير شروط تحقيق مطالبه في الأمد المتوسط والطويل.إن الحلول قصيرة الأمد لا تكفي، لذا لابد من تسريع وتيرة الإصلاحات وخلق آليات للنقاش والحوار تمكن من معالجة جميع المطالب والاستجابة لها في إطار مؤسساتي يحافظ على الثوابت، ويناقش باقي الإصلاحات بشكل عقلاني، هادئ ومتوازن.لقد صدرت إشارات إيجابية من قبل صانعي القرار السياسي تجاه حركة 20 فبراير، وهي إشارات تتم الاستفادة منها خارجيا تجاه كل من الولايات المتحدة وأوروبا في إطار ما قد نسميه نوعا من العلاقات العامة أو التواصل حول الإصلاحات خاصة في ظل الظروف الإقليمية المضطربة حاليا.إن الإشارات الإيجابية في الداخل والخارج ستفيد مسار الإصلاحات بالمغرب وتضمن ذلك التوازن الذي كان غائبا بين السياسة الداخلية والخارجية في المغرب خلال السنوات الأخيرة، لكن بشرط وجود ديلوماسية مؤهلة وفاعلة تستطيع التعامل بشكل قوي واستباقي مع التغيرات المتسارعة التي يشهدها النظام الدولي، ولعل الأوضاع التي تعرفها تونس ـ مصر ـ ليبيا ـ اليمن ـ البحرين ـ سوريا ـ الأردن، مؤشر لصانعي القرار في المغرب لضمان ذلك التوازن بين الإصلاحات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية وجعل المواطن المغربي في صلب أي سياسة تنموية مستقبلية تضمن له الإحساس بالكرامة والمساواة والاستفادة من نتائج التنمية، في ظل مؤسسات قوية نزيهة وقادرة على ضمان السلم الاجتماعي. بقلم : عــــادل متيــــق: باحث بجامعة محمد الخامس (الرباط)وحدة المغـرب فـي النظـام الدولـيعضو المعهد المغربي للعلاقات الدولية

حركة 20 فبراير والإصلاحات الدستورية والمؤسساتية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

رهانات هيآت ضبط الاتصال السمعي البصري

قبيلة أيتوسى: تقرير لجنة الجهوية متردد وسطحي وغير جريء

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات