الراشيدي… شوكة في حلق الحكومات

برلمانيون مشاغبون بعض البرلمانيين يقضون ولاية أو أكثر تحت القبة دون أن يهمسوا بكلمة أو يدلوا بحديث أو يسجلوا موقف، في حين أن فئة أخرى منهم لا تدع الفرصة تمر دون أن يخلقوا الجدل، بسؤال محرج أو تصرف غريب، أو ردة فعل قوية تخلق جدلا داخل البرلمان وخارجه، تبقيهم في الذاكرة لسنوات... عبد الله الكوزي لم يكن المختار الراشيدي ذاك الطالب اليساري يعتقد في يوم من الأيام أن يكون برلمانيا وفاعلا سياسيا. أقصى أماني أي يساري حالم في تلك المرحلة هو أن يكون عونا للطبقات الكادحة. آمن بدور المثقف العضوي كما نظر له المفكر الشيوعي الإيطالي أنطونيو غرامشي. ذاك الكائن الذي يعتبر ضمير الكادحين الذين لا يعرفون مصيرهم. دليل الفئات الهشة التي تقع بين ظلم الحاكم وتدجين مثقف السلطة والفقيه والفنان. اختار النضال اليساري لكن دون أحلام زائدة على اللزوم.كان الانتماء لمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي يكلف كثيرا. من جهة أنت إصلاحي رجعي تقبل العمل من داخل المؤسسات المغشوشة، ومن جهة ثانية فأنت لقمة سائغة بين أضراس وزير الداخلية القوي إدريس البصري. المختار اختار هذا الاختيار منذ كان طالبا. يعتبر من أنشط الطلبة الديمقراطيين في جامعة وجدة.الانتخابات عند القادمين من اليسار الراديكالي لم تكن هدفا. يعرفون أنهم لن ينجحوا. كان الفيتو كبيرا وكان معه ضغط الكائنات الانتخابية التي تملأ البوادي والقرى ضجيجا. كائنات استغلت الدين قبل أن يدخل الإسلام السياسي معترك الانتخابات وقبل أن يدخل المشهد السياسي. كان صوت الفقيه يصدح بعد أن تنتهي «الزردة» قائلا: آ القبيلة اللي خرج من الجماعة يموت كافر. يعني التصويت على الكائن الانتخابي.الترشيح عند اليسار كان نضاليا محضا. يعني هو استغلال هذه الفرصة للتواصل مع المواطنين والتعريف بهذا الكائن، الذي رغم تضحياته لم يجد له أرضا خصبة وحاضنة اجتماعية. فرصة لتعرية الفساد والمفسدين «ولهلا يسهل فشي مقعد برلماني». يكفي أن يتم خلال الحملة استقطاب مناضلين جدد من أبناء الشعب.وفي غياب الدعم المخصص للأحزاب السياسية كان مناضلو اليسار، وهم من أفقر السياسيين في البلاد، يقتطعون قسطا من رواتبهم ومن جوع أبنائهم وعوائلهم لطبع المنشورات، دون طمع في شيء سوى وجه الوطن. في الواقع نوع من الصوفية السياسية.هذه المرة سيخالف القدر كل شيء. سيخرج قطار السياسة عن سكته. الانتخابات لن تكون كسابقاتها. أحد أبرز مناضلي الجمعية الوطنية للمجازين العاطلين يصعد إلى البرلمان رغم أنف وكل جوارح أرباب الانتخابات. كيف لعاطل أن يصبح برلمانيا؟بدأ الكل يتتبع خطواته أكثر من أي شيء آخر. ماذا سيلبس؟ هل سيودع الثياب الرثة وكسوة البروليتاريا ليلبس بذلة البورجوازية؟ كيف سيصبح بعد أن يتلقى التعويض الأول من البرلمان الذي يفوق ثلاثين ألف درهم؟ هل ستتغير نظرته لرفاقه اليسارييين؟ هل سيغير أماكن وجوده؟ هل سيرتاد الأماكن العمومية التي تليق بنائب برلماني؟ هل سيتجاوز نائبة الدهر أي سطوة المنصب غير المتوقع؟ هل سيغادر مدينته العمالية؟ أطلق عليه رفاقه اليساريون من التهم أكثر مما قال عنه خصومه السياسيون. قالوا عنه بالباطل ما لا يطاق. وقالوا عنه بالحق ما ليس مدعاة للقول. لم يكن اليساريون تحت هيمنة الحلم الثوري ينظرون بحب لكل من يدخل المؤسسات المنتخبة لأنها فاسدة. محمد بنسعيد أيت إيدر، وهو أيقونة النضال اليساري الشريف والنظيف، لم يفلت من تقريعاتهم، حتى وهو يواجه سطوة إدريس البصري معلنا من داخل البرلمان عن معتقل سري يسمى تازمامارات. هذا الرجل نالته ألسنة مناضلين «جنب الحائط».إذا كان بنسعيد تعرض لذلك فما بالك بلمختار الراشيدي. لما أصبح مقيما في القنيطرة قريبا من البرلمان مؤديا لواجبه أصبح كائنا ملعونا.ولما قرر الاشتراكي الموحد عدم الترشح في الانتخابات التشريعية اختار الاتحاد الاشتراكي الأقرب إليه، هنا صبت عليه لعنات ماركس ولينين وماو وتروتسكي وكل الملل والنحل وآلهة الشيوعية التي تحولت من نظرية علمية لتحليل الواقع إلى ديانة مخفية. سليط اللسان رغم أن البرلمان فرض تحولات جوهرية على الرجل شكلا وجوهرا، غير أنه احتفظ بسلاطة لسان الطالب اليساري الذي نافح عن الديمقراطية في الجامعة. من سؤال الكرسي والحافلة والحي الجامعي إلى طرح أسئلة مؤرقة لكل الحكومات التي عايشها.الراشيدي شوكة في حلق بنكيران. يطرح أسئلة محرجة جدا يعتقد كثيرون أنها من صميم الخصومة بين الاتحاد والعدالة والتنمية. جرأته على وزراء العدالة والتنمية دفعت امحند العنصر، الأمين العام للحركة الشعبية والوزير السابق، إلى وصفه بالكذاب لما طرح موضوع العقار بالقنيطرة. المختار شرب تهمة «كذاب» مع فنجان قهوة واستمر مشاغبا، مدافعا ومحاميا عن دائرته في بوعرفة التي نجح في جلب العديد من المشاريع إليها، بفعل دقه لأبواب أكثر من مسؤول حكومي، سواء في عهد عباس الفاسي، أو بنكيران. تحية نضالية.

الراشيدي… شوكة في حلق الحكومات

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

محاكمة متهمة بالنصب الإلكتروني

"عوينة وحدة"

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات