"لن تنالوا كراهيتي" أجمع العديد من النقاد الذين تناولوا كتاب "لن تنالوا كراهيتي" للصحافي الفرنسي أنطوان ليريس، على اعتباره أعمق من نص إبداعي يكتبه صحافي للتعبير عما أحس به ليلة 13 نونبر الماضي، حين اهتزت عاصمة الأنوار على وقع انفجارات إرهابية.نجح الصحافي ذو الأربعين ربيعا، في أن يؤرخ لأحداث دامية، من خلال شهادة، ليست كباقي الشهادات، فالأمر لم يكن بالنسبة إليه حدثا عاديا ضمن أحداث اعتاد تناولها بالتحليل والقراءة، بل زلزال هز كيانه، وأخذ منه أعز ما يملك، حين امتد الإرهاب الداعشي، ليختطف منه حبيبته ورفيقة دربه، وأم ابنه ملفيل، ذي السبعة عشر شهرا. الكتاب عبارة عن شهادة خاطب من خلالها ليريس، بلغة مرهفة تنظيم داعش ودعاة الكراهية، ليعلمهم معنى الحب، ومعنى إحساس الإنسان بالحرية، عندما رفض منح قتلة زوجته كراهيته، لأنه ليس مسكونا بالتاريخ الغامض في قرون من الظلام.يغطي الكتاب الذي يوجد في 138 صفحة، والذي صدر عن دار "فايار" الفرنسية، فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز 12 يوما، اختار من خلالها الحكي عن تفاصيل ومواقف، ورسائل هزت حياته الهادئة، كما هزت فرنسا.إعداد: برحو بوزياني حين يسأل أحد ليريس عن أحواله، لا ينتظر منه الجواب المعتاد "بخير وأنت؟"، للسماح للسائل بالمرور إلى موضوع الحديث، ما دام الأمر خيرا.الجميع يعلم أن الصحافي ليريس ليس بخير، بعد أسبوع على فاجعة الجمعة الأسود، ولذلك لن يسأله أحد عن أحوال الطقس أو عن نشرة الأخبار، الكل يريد لقاءه والحديث إليه. بحث ليريس عن جواب بديل عن كلمة "بخير وأنت؟" يغلق الباب أمام تشخيص أحواله، فكان جوابه "كما هو ممكن في مثل هذه الأحوال"، كان يرد بابتسامة مطمئنة بشفتين مغلقتين، وعينين ذابلتين، يحاول أن يحافظ على المظاهر، وهو الذي يرى المدينة وشوارعها نظيفة، وكأن الحياة تصر على مواصلة طريقها بشكل عاد، لكن البنايات تبقى مجرد واجهات، يقول ليريس، في حين أن سكانها المتخفين وراء المظهر العادي، لا يحسون سوى بالرعب بعد الذي جرى.في يوم 21 نونبر، تبدو الساعة الخامسة والنصف ملعونة، ولا تصلح لشيء، فالجولة انتهت، وموعد العشاء لم يصل بعد، وميلفيل مازال مصرا على اللعب، في حين يحس ليريس بتعب شديد لا يقوى معه على مجاراته.بعد ساعة ونصف، سيحين وقت الحمام، وهو وقت يتقاسمه مع ميليفيل بفرح وسعادة، وهو يسبح مثل سمكة في حوض مائي.يتذكر كيف كان رفقة هيلين يحاول أن يمسك بميلفيل، وهو داخل الحوض، فيما تتكلف الأم بتنظيفه، ويستمر اللهو، والغناء والضحك.أما اليوم، وبعد رحيل هيلين، فقد أصبح الضحك أقل، يحس ليريس في بعض الأحيان، انه في انتظارها، وتقول له بأنها ستطرق باب الحمام، وتلتحق بهما من أجل الغناء.كانت هيلين تحضن ميلفيل بعد الاستحمام، ويداها تلمسان جسمه الصغير، وهو يحرك قدميه تعبيرا عن سعادته، مبتسما. أصبح الأب مكلفا بكل شيء اليوم، عليه أن يقوم بتقليم أظافر الطفل الصغير، وهي عملية لم يسبق أن قام بها، لكن لا أحد يمكن أن يعوض هيلين في هذه المهمة. فجأة يصرخ ميلفيل، مكسرا الصمت الذي يخيم على البيت، لقد آلمته ضربة مقص غير إرادية. حاول فحص الجرح، كان خفيفا، لم يكن ينزف دما. وضع أصبعه المصاب في فمه كما تفعل الأمهات، وأحس وكأن قلبه الجريح هو الذي كان ينبض بين شفتيه.تساءل ليريس هل كان ميلفيل يظن أن والده قام بذلك عن قصد؟. وهل كان يخافه حقا، التفت جانبا وكأنه يبحث عنها، لكن لم تكن هناك لمساعدته في تقليم أظافر ميلفيل.أحس بالدوران، لأنه كان وحيدا، وعليه أن يقص الأظافر المتبقية. أحس بالعجز وكانه طفل صغير يريد أن يلعب دور الأب، لكن لا يحسن التمثيل، خسر الجولة الأولى، فالمهمة صعبة ولا يقوى عليها. أحس بالخجل، لأنه لم يكن في المستوى. كان ميلفيل ينظر إلى والده باستغراب مثير، لم يبك، لكن لم يشعر بالخوف، كان الاثنان يتبادلان النظرات، فهما اليوم يكونان فريقا واحدا ومغامرين، كان ينتظر انتهاء العملية لاستئناف اللعب. كرر العملية، وهو يحس بأن ميلفيل يساعده، حتى لا يكرر الخطأ، لينهي عملية تقليم الأظافر الواحد تلو الآخر بنجاح.