“قهور” النفوس

دهاء متقاضين هم متقاضون ليسوا مثل الآخرين، استطاعوا أن يبصموا جلسات محاكاتهم بنكهة خاصة اختلط فيها المكر والذكاء، لأجل الدفاع عن حقوقهم بشتى الوسائل، كما تمكنوا من شد الانتباه إليهم، رغم أنهم لم يسبق لهم أن ولجوا المدرسة أو تعلموا أبجديات القراءة أو الكتابة، إلا أن ذكائهم الفطري تفوق في حالات عدة ، وظلت قاعات المحاكم وذاكرة قضاة ومحامين وباقي ممتهني العدالة شاهدة عليها. في هذه الحلقات نسرد بعض لتلك النماذج. "قهور النفوس" جملة ظلت مركزة في ذاكرة قضاة عايشوا واقعة شهدت فصولها ابتدائية سيدي بنور. ورغم مرور مدة معينة إلا أنه غالبا ما يتم الاستشهاد بها للتأكيد على ذكاء أحد المتقاضين الذي أبدع في المطالبة بإنصافه. هذا ما ذهب إليه أحد المتقاضين من البوادي الذي لا يحسن القراءة والكتابة، ولم يسبق له أن اطلع على القوانين أو كان على علم بها، فعلاقته بالمحاكم كانت فقط عن طريق السمع من خلال قصص لجيرانه.تعود الواقعة إلى خصام بين شقيقين في البادية، انتهى بتبادل الضرب والجرح وكانت الكفة غالبة لأحدهما إذ نال نصيبا أكبر من الضرب المبرح وزوجته، استدعت أن يتوجه إلى المحكمة وتقديم شكاية في الموضوع معززة بشهادة طبية تحدد مدة العجز والضرر الذي تعرض له، وعند الشروع في مناقشة القضية بعد متابعة الشقيق الثاني في حالة اعتقال، تقدم دفاع الضحية بمذكرة للمطالب المدنية بناء على الأضرار التي تعرض لها موكله، كما تقدمت زوجته هي الأخرى بمطالب مدنية، وانطلقت مرافعة النيابة العامة، إلا أن شيئا ما كان يخفيه الضحية الذي تقدم نحو منصة المحكمة ومد رئيس الجلسة بورقة تتضمن طلبا إضافيا وعنونه "بقهور النفوس"، بدا الأمر في البداية غريبا بعض الشيء، خصوصا الغاية من ورائه، وبعد الاطلاع على مضمونه تبين أن المطالب بالحق المدني يطالب بتعويض عن الضرر الذي لحقه من جراء تعرض زوجته للضرب الشيء الذي لم يعد يسمح لها بالقيام بواجباتها الزوجية تجاهه، مما تسبب له في ضرر نجم عنه إحساس بالقهر، وطالب بتعويض عن ذلك، ذهل الجميع من نوعية الطلب وطريقة الشرح التي تضمنتها الورقة، وعبقرية المتقاضي في المطالبة بوصف ذلك الضرر ومطالبة بالتعويض عليه، خاصة أن طبيعة البادية قد تقف حاجزا أمام مثل تلك الشروحات، التي تخص العلاقة الزوجية وبالأخص الحميمية بين الزوجين، والتي يفترض عدم الخوض فيها مع أقرب المقربين، فبالأحرى بالبوح بها لهيأة المحكمة وفي حضور غرباء. لكن الضحية ظل واثقا بمطالبه وكان له اليقين أن سيتم الأخذ بها من قبل هيأة المحكمة التي استوقفتها كثيرا تلك العبارة، قبل أن تكمل الاستماع إلى مرافعات النيابة العامة والدفاع، والمداولة في الموضوع، فكانت المفاجئة بعد أن أخذت المحكمة بما جاء في ورقة "قهور النفوس"، وتم الحكم لفائدة الزوج بالتعويض عن الأضرار التي لحقته وعبر عنها في تلك الورقة.كريمة مصلي

“قهور” النفوس

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الراضي ... من سائق إلى رئيس فريق

تغريدة عن اختطاف الإرهاب للزوجة تخلق الحدث

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات