بم تفسرون تحول هوامش المدن إلى ملاذ للمبحوث عنهم والمنحرفين ومشاتل لتكوين المجرمين والمتطرفين؟ أكيد أنه لا يوجد سبب رئيسي لتنامي الجريمة بالمدينة المغربية لكن أهمها يرجع إلى العامل الاقتصادي، فتدهور الحالة الاقتصادية والعجز المادي وانخفاض مستوى المعيشة وما يترتب عنه من حرمان واحتياج قد يقوي مشاعر النقص والسخط والكراهية لدى العديد من المحرومين، فينتج عنه سوء توافق نفسي وسلوك عنيف قد يؤدي إلى الانحراف والجريمة والعدوان.ويعد العامل النفسي من أبرز الأسباب المتدخلة في تنامي الجريمة، فالسلوك الإجرامي لأغلب المجرمين، سواء كان نشلا أو رعبا أو عنفا أو قتلا أو فوضى، يعتبر آلية نفسية لتحطيم مصادر الإحباط وتحديا للحرمان وتعويضا للشعور بالنقص. فالمجرم ينتابه شعور بالاغتراب والغربة عن مجتمعه، لذا فهو مهووس بالبحث عن كفايات لحل مشكلة العودة إلى هذا المجتمع الذي نبذه، وفي الأغلب الأعم، الظهور بمظهر الميسور في حيه الهامشي والتباهي بما يملكه ولو بطريقة غير مشروعة. وبفعل الظروف الاجتماعية الضاغطة في الهوامش والمكعبات الإسمنتية، والافتقار لمهارات العلاقات الاجتماعية نتيجة تنشئة اجتماعية سيئة، سواء في الأسرة ذات البنية المختلة، أو المدرسة ذات التربية الناقصة، أو الشارع أو المحيط ، لا يمكن للنشء إلا أن تنتابه مشاعر احتقار الذات وفقدان الاعتبار والحرمان والانعزال، ما يؤدي إلى الانحراف. تبنت الدولة مخططا تنمويا للمساهمة في توفير السكن الكريم ومحاربة البناء العشوائي، إلا أنه بعد سنوات من تنفيذ مجموعة من المشاريع بتلك الهوامش، ظهر أنها تحولت إلى بؤر لتفرخ الجانحين، بماذا تفسرون هذا؟ فعلا قام المغرب بوضع خطط تنموية هادفة، ترجمتها إنجازات جبارة من خلال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية الرامية إلى محاربة الفقر بالوسط القروي، والإقصاء الاجتماعي بالوسط الحضري، ومحاربة الهشاشة، وبرنامج التأهيل الترابي وتحسين ظروف عيش السكان، وتعزيز البنيات التحتية التعليمية والصحية والطرقية. واكب هذا التطور ارتفاع أمل الحياة، وانخفاض معدل وفيات الأطفال، وانخفاض نسبة الفقر حسب تقرير المندوب السامي للتخطيط. إلا أننا نلاحظ تنامي ارتفاع الفقر والفقراء خلال السنوات الخمس الأخيرة وتزايد عدد المتسولين، فتقرير منظمة مبادرة أوكسفورد للفقر والتنمية حول واقع الفقر بالمغرب يصنف بلادنا في مرتبة متقدمة فيه، وكما يقال الفقر صاحب الكفر والجريمة، فكلما ذهب الفقر إلى بلد قال له الكفر والجريمة خذنا معك. ولعل الفقر يتناسل في الأماكن البئيسة ودور الصفيح والسكن العشوائي. إلى ماذا ترجعون تنامي الفوضى وتحول الهوامش إلى ملاذ للمجرمين ومروجي المخدرات؟لقد ذكرت بعض العوامل المسببة في الفوضى والجريمة، لكن هناك عوامل أخرى لها وقعها على النسيج الاجتماعي ومكانة المواطنين سواء في وضع الانحراف أو عدمه ومنها: غياب العدالة الاجتماعية في توزيع الدخل والمكاسب، وفقدان القيم الحقيقية للعمل ومساواة من يعمل بمن لا يعمل، والظلم في توزيع المكانة والأدوار والزبونية والمحسوبية وعلاقات المعرفة والصحبة والقبلية والهدايا في التوظيف وقلة مناصب العمل بالنسبة إلى المتخرجين حاملي الشهادات. ومما يزيد من حدة الأزمة، الكثافة السكانية المرتفعة المولدة لمظاهر القلق والتوتر والعنف، والانسحاب الاجتماعي، وتفكك العلاقات الاجتماعية، وقلة التفاعل، والإفراط في الصدام والاحتكاك، والمساهمة في تلوث البيئة بالأزبال. إن هذه الوضعية المتأزمة تجعل من الأحياء المهمشة والتجمعات السكنية الجديدة بؤرا للانحراف والإدمان على الحكول والاستخدام القهري للمخدرات بكل أنواعها: شيرا ، حشيش، المستنشقات والمنبهات والمهلوسات والمهدئات، الشيء الذي يفقد المجرم استحضار المعايير والقيم المجتمعية والإنسانية. أجرى الحوار : المصطفى صفر (*) باحث في علم الاجتماع وخبير في التنمية البشرية والاتصال