مدرسة “تمسولت” العتيقة تؤسس لمرحلة الانفتاح والعصرنة

أيت بوناصر: المدرسة استعادت عافيتها في 1976 وانخرطت في التعليم العصري في 2002 وانفتحت اليوم على محيطها أشرعت مدرسة تمسولت العتيقة بتارودانت، الشهر الماضي، أبواب الانفتاح والإدماج في المجتمع المعاصر بكل مكوناته، من خلال تنظيمها لأول ملتقى في المغرب، شارك فيه ما يفوق 1300 من حملة كتاب الله، من بينهم فتيات حافظات للقرآن ورياضيون وفنانون وإعلاميون، إلى جانب فقهاء وعلماء وطلبة العلوم الدينية، وحفظة القرآن، عملا بقوله تعالى "وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا"، معلنة ميلاد أول مشروع ديني مجتمعي منفتح على مكونات المجتمع المدني. تحصّنت مدرسة تمسولت العتيقة، شامخة بأعلى المنحدر الجنوبي لجبل توبقال، أو"أدرار ندرن"، كما يسميه الأمازيغ، منذ نهاية القرن الحادي عشر الهجري، بين أحضان جبال الأطلس الكبير غرب تارودانت، وانخرطت، منذ 2002، في بنية التعليم العصري العتيق، ومنظومته التربوية للتعليم الخصوصي العتيق. فتيات في استعراضات الفقهاء في مشهد جديد بالمغرب، لم تألفه المئات من المدارس العتيقة، شكل الحضور المتميز لثلاثين فتاة من حافظات القرآن الكريم، والمتون وعلم المصطلح الحديث، والمتقنات لكلام الله، والمتشبعات بالعلوم الدينية، لحظة روحية ربانية، خلخلت البنية التقليدية العامة للشأن الديني.واستطاعت فتيات قَرأْن القرآن وحفظنه ورتلنه، أن يخطفن الأبصار والألباب من الحضور بالنور المشع على وجوههن، وهن يفتخرن بمشاركتهن في العرس القرآني، معبرات عن ذلك بإنشادهن وهن يعبرن الساحة العمومية، والفرحة تغمر وجوههن، وهن يشاركن، جنبا إلى جنب مع الطلبة والفقهاء والأئمة، في أفراح مؤسسة تمسولت، بشكل عام، وممثلي المدارس العتيقة بسوس بشكل عام.شاركت الفتيات، لأول مرة، في استعراض ديني ضخم، ضم مجموعات من خريجي ورواد مدرسة تمسولت العتيقة، تمثل مختلف الأجيال.وكانت مشاركة الفتيات اللواتي اصطففن بحلتهن الأمازيغية جنبا إلى جنب مع الطلبة، تقودهن المقرئة "هاجر بوساق"، رسالة قوية من المؤسسة العتيقة إلى الحاضرين والحاضرات الذين تجاوز عددهم 1300 شخص من بينهم 600 حامل لكتاب الله، بأن المؤسسة الدينية أعلنت انفتاحها على المجتمع، وأن نساء المنطقة وفتياتها ينهلن، مثل رجال وشباب سوس، من العلوم الدينية، وأن المؤسسة تفتح أبوابها للجنسين، مثلها مثل باقي المؤسسات التعليمية. وتنتسب الطالبات إلى كل من مدرسة تمسولت وزاوية تافلالت ومدرسة "أدار نومان". ملتقى الانفتاح والاعتراف يهدف الملتقى إلى التعريف بهوية وأبعاد المدرسة المغربية العتيقة وجوديا، والعريقة تاريخيا، والمندمجة في محيطها السوسيوثقافي حاضرا، في تواصلها، من جهة مع مشاهير المملكة من عالم الفن والإعلام والرياضة، ومن جهة أخرى، مع مشايخ وعلماء المدارس العتيقة بسوس وفقهائها وطلبتها، وخريجي مدرسة تامسولت على مدى عشرات السنين. كما يروم الملتقى إلى تسليط الأضواء في رحاب مؤسسة تمسولت الخاصة للتعليم العتيق وفضاءاتها، على مختلف الألوان الجميلة لتراث المدارس العتيقة بسوس العالمة، وكذا التعريف بمؤسسة تمسولت الخاصة للتعليم العتيق وضمان استمرارية التواصل بين أجيال المتخرجين منها، ورد الاعتبار للمحسنين والاعتراف بالجميل وتثمين مساهماتهم في إنجاح تجربة تدبير الشأن الديني بمقاربة جديدة، تعتمد على الأصالة ومسايرة تحولات المجتمع المغربي، بما يكفل الحفاظ على الذات واستمراريتها.وفي ختام حفل الاستعراض، كرم الطلبة خريجو المؤسسة أستاذهم والمسؤول عن المؤسسة، الحاج إبراهيم أيت بوناصر، وخصصوا له تذكرة العمرة إلى البقاع المقدسة، كما تم تكريم يونس السايح مهندس وخبير التأمين، من أهل القرآن، لعشق المنطقة والمؤسسة وقيامه بتجديد بنايتها. كما تم تكريم الحاج الطيب المنذر الذي شارك باستعراض خاص حضره مندوبون عن المدرسة العتيقة التي يشرف عليها، فيما خصصت ليلة لتكريم عدد من خريجي مؤسسة تمسولت، جمعت رياضيين وصحافيين وإعلاميين وفنانين ومهندسين وأجانب. يذكر أن عدد المدارس العتيقة بالمغرب بلغ 299 مدرسة، ثلثها بتارودات، ويَدْرس بها 4446 طالبا ويُدَرس بها حوالي 600 أستاذ. أربعون سنة من العطاء أسهمت مؤسسة تمسولت في تحقيق أهداف دينية ووطنية، منها ترسيخ الأمن الروحي والاستقرار من خلال تزويد كثير من مساجد المملكة بأئمة وخطباء متشبعين بثوابت ومقدسات الوطن جنودا مجندين لخدمة الدين والوطن.تخرج من المدرسة العتيقة مئات الحفظة الحاملين لكتاب الله، وثلة من فقهاء المدارس العتيقة العريقة. كما ساهمت في حماية ثوابت الأمة المغربية ومقدساتها من خلال نشر المنهج الأشعري في العقيدة الإسلامية والمذهب المالكي في الفقه والتصوف السني في القيم والسلوك والتشبث بالإمامة العظمى. وتوجه العشرات من الطلبة المتخرجين منها، والمتوجين بشهادات باكلوريا التعليم العتيق، إلى أسلاك الدراسات العليا والانخراط في سوق الشغل في مجال التعليم والإرشاد الديني والأستاذية.وأحرزت مجموعة من تلاميذ المؤسسة جوائز محلية ووطنية في تجويد وحفظ القرآن الكريم والمتون العلمية والتميز التربوي والشعر العربي العمودي. وتقوم جمعية الإمام مالك بتسيير المؤسسة ممثلة في ملازمها الحالي الفقيه إبراهيم أيت بوناصر، كما يقوم بتموينها مع جمعية المساعي الحميدة للنهوض بمؤسسة تمسولت الخاصة للتعليم العتيق والتنمية البشرية بجبال الأطلس الكبير، بمساندة بعض المحسنين المتعاطفين معها، ودعم وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ومحسنين آخرين.ويسجل تاريخ التعليم العتيق بالمغرب وتارودانت بمؤسسة تمسولت الخاصة للتعليم العتيق تكثيف أنشطتها التربوية الدورية والاستثنائية باستحضار جميع الأبعاد المعرفية والدينية والوطنية والروحية والاجتماعية، من خلال حرصها الدائم والمستمر على الاحتفال بالأيام الدينية والوطنية، إذ تخلد ذكرى المولد النبوي الشريف وليلة القدر وختم صحيح البخاري في شهر رمضان. كما لا تفوت الفرصة للاحتفال بافتتاح المواسم الدراسية واختتامها، وعيد العرش والمسيرة الخضراء. وتتميز المؤسسة، دون غيرها، بإدماج ما هو ثقافي وفني ورياضي ضمن أنشطتها السنوية، إذ تنظم مباريات ومسابقات ثقافية واجتماعية ورياضية، ورحلات ترفيهية استطلاعية تواصلية لفائدة تلاميذ وتلميذات المؤسسة، إضافة إلى مشاركتها الفعالة في الأنشطة التي تنظمها سنويا مؤسسة سوس للمدارس العتيقة وجمعيات أخرى وطنية ومحلية. وأهدى طلبة المؤسسة الذين أنجزوا ختم 3000 سُلْكة ‬ قرآنية، منها 1000 «سلكة» لنصرة الملك ومثلها ترحما على الراحلين الحسن الثاني ومحمد الخامس، والألف الثالثة من أجل الوطن واستقرار أمنه ووحدته. هوية عصرية وروح أصيلة تتميز مدرسة تمسولت وتنفرد بهويتها الجديدة، فلا هي كتاب قرآني، ولا مدرسة عتيقة أو مدرسة قرآنية، ولا هي مدرسة للتعليم الإسلامي أو التعليم الأصيل، لكنها كل من هذا وذاك، ونظام تربوي تعليمي ديني، يمزج ما بين الأصالة والمعاصرة، وما بين الروح والفكر، والدين والعلم. وتؤدي المدرسة عدة أدوار دينية واجتماعية وثقافية وفنية ورياضية. وتجمع في مدرسة تمسولت العتيقة ما تفرق في غيرها من المدارس، فهي مدرسة قرآنية تعليمية تربوية خيرية اجتماعية، عريقة يفوح منها عبق تاريخ القرون الغابرة. وأصاب المدرسة العتيقة ما أصاب مجموعة المدارس العتيقة بسوس العالمة، التي قدر لها أن تغيب عن الساحة العلمية الدينية والتربوية، قليلا أو كثيرا بعد أن ذاع صيتها، يقول سيدي إبراهيم أيت بوناصر، فقيه المدرسة وإمامها والمشرف عليها والمسؤول عن تسيير شؤونها الدينية والتعليمية والإدارية. لكنها استعادت نشاطها وعافيتها سنة 1976 على يد العلامة الشيخ المرحوم سيدي الحاج الحبيب بوشواري، فصارت تؤدي أدوارها العلمية والروحية، إثر تكليف أحد تلامذتها الشيخ أبو ناصر. ومنذ ذلك الحين، والمدرسة تؤدي رسالتها ووظيفتها بكيفية مستمرة إلى يومنا هذا. كانت هذه المدرسة عتيقة بامتياز في جميع جوانبها، إذ كانت مقرراتها مثل تلك التي تتداول في المدارس العتيقة، تنهل من مقدمة ابن أجروم ولامية المجرادي وأرجوزة الزواوي وألفية ابن مالك وشرحها والنهجة المرضية للسيوطي وغير ذلك من شروحات أخرى مطولة وقصيرة. وفي الفقه، كان المرشد المعين لابن عاشر ورسالة ابن أبي زيد القيرواني ومختصر الشيخ ابن إسحاق المالكي وتحفة الأحكام لابن عاصم وأرجوزة الرسموكي في الفرائض، وغير ذلك من كل ما يتداول في المدارس العتيقة قبل تقنين النظام الجديد. بعد تقنين نظام التعليم العتيق الجديد، وتفعيل القانون رقم 01/13 منذ 2002، انخرطت المدرسة، يضيف أيت بوناصر، في النظام الجديد بكل ما تعنيه كلمة الانخراط من معنى. وهذا لا يعني أنها تخلت كليا عن نظامها القديم، بل لازالت متمسكة بأغلبية مكونات هويتها، بما في ذلك الأنشطة الموازية واستغلال أوقات الفراغ في ما يعود على رواد المدرسة بالنفع. وتعمل منذ 2012 بنظام الامتحانات وفق المناهج والبرامج المقررة من قبل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، في أسلاك التعليم العتيق الأولي والابتدائي والإعدادي والثانوي. ويصل معدل التلاميذ المسجلين بها سنويا في الآونة الأخيرة 260 تلميذا وتلميذة يؤطرهم أزيد من ثلاثين إطارا إداريا وتربويا جلهم يتقاضى مكافأة شهرية من وزارة الأوقاف. إنجاز: محمد إبراهمي

مدرسة “تمسولت” العتيقة تؤسس لمرحلة الانفتاح والعصرنة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مناورات ضد المغرب... أجندات أمريكية

انتحار دركي بمكناس

مقالات ذات صلة