ميت مع وقف التنفيذ

شاءت الأقدار أن يقضي عبد النور الحريشي زهرة شبابه بمقبرة مهجورة بالمدينة العتيقة بالعاصمة الإسماعيلية، مفترشا لحودها ومجاورا أمواتها، لدرجة ينطبق عليه وصف «ميت مع وقف التنفيذ»... ! لم يكن عبد النور، الذي يقتات حاليا من مداخيل الاتجار في «الكارتون المستعمل» و»البريكولاج» في حرفة الصباغة، يتوقع أن يقوده حظه العاثر إلى الحلول ضيفا ثقيلا على أموات من دون استئذان، ولم يخطر بباله يوما أن تنقلب حياته الشخصية رأسا على عقب، وأن تتحول بالتالي آماله في تكوين أسرة صغيرة إلى آلام مجاورة الأموات، وهو الذي قضى طفولة مدللة في حضن والدته، التي شكل التحاقها بالرفيق الأعلى نقطة تحول كبيرة في حياته، بعدما وجد نفسه عاجزا، بسبب قلة ما باليد، عن تلبية مستلزمات حياة لا تؤمن إلا بالمادة «والحبة». وكلها إكراهات أجبرته على بيع أثاث البيت من أجل ضمان لقمة العيش وتسديد واجبات استهلاك الماء والكهرباء، وكذا توفير مصاريف كراء المنزل الذي نشأ وترعرع فيه بأحد أحياء المدينة العتيقة. لكن مقاومته لأمواج متطلبات الحياة اليومية سرعان ما تحطمت على صخرة عوز مادي لا يرحم، الأمر الذي اضطره إلى إفراغ المنزل التابع للأملاك المخزنية، إثر فشله في توفير مصاريف الكراء، ليفكر وقتذاك في نقل ما تبقى من أشباه أثاثه للعيش في المقبرة بدل التسكع في الشوارع. إقامة عبد النور في هذه المقبرة، التي قد تمتد لأعوام أخرى لا قدر الله، تسببت له في أزمة نفسية حادة، كونه لم يستسغ أن يتخلى عنه أقرب الناس إليه في شخص أخيه وأخته من جهة الأم، المقيمين حاليا بالديار الفرنسية، واللذين لا يعيرانه أي اهتمام، على حد تعبيره، مضيفا»رفضني الأحياء فاستنجدت بالأموات، الذين وجدت في مجاورتهم الأمان والطمأنينة، فضلا عن الدفء العائلي المفتقد». يقول عبد النور إنه ألف العيش داخل المقبرة بمعية قططه التي تؤنسنه في وحدته وغربته، وتساعده بالتالي على شن الحرب على الفئران والجرذان، والحد من انتشار وتكاثر الحشرات المضرة. وفي معرض حديثه إلى»الصباح» يتأسف الشاب عبد النور عن عدم تمكنه من تجديد بطاقته الوطنية، الموقعة من قبل المدير العام الأسبق للأمن الوطني حفيظ بنهاشم، والمنتهية صلاحيتها بتاريخ 13 يناير 1998، لاستحالة حصوله على شهادة الإقامة من هذا المكان المخصص أصلا لمن لا وثائق لهم. وكما استقبلنا عبد النور بابتسامة عريضة تخفي وراءها أشياء كثيرة، ودعنا على إيقاع مواء قطيطات حديثة الولادة ولسان حاله يردد بلكنة مكناسية صرف «لا يسعني إلا أن أطلب من الجهات المعنية تمكيني من سكن لائق، أو على الأقل مساعدتي على توفير تكاليفه من أجل ضمان كرامتي مواطنا يتوق إلى هجران المقبرة إلى حين حلول الأجل المحتوم». خليل المنوني (مكناس)

ميت مع وقف التنفيذ

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

20 مليونا للاعبي الرجاء للفوز بالبطولة

الداخلية ترضخ لمطالب حقوقي مضرب عن الطعام

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات