تفرك شعرها المنفوش بأصابع متسخة، ثم تمسح مخاطا أخضر بطرف كمها وتطلق "لازمتها" بصوت مرتفع وسريع، وتنطلق مثل سهم لا تلوي على شيء وسط السيارات القادمة من الاتجاه المـــــعاكس.- "جيبوه ليا..جيبوه ليا..جيبوه ليا نقتل القـ...ديال مو".."جيبو ليا الـز...ولد القـ..."، تصرخ المرأة بكل ما أوتيت من قوة، غير مبالية بنظرات المارة والأطفال ونساء يغرسن وجوههن في الأرض من أثر الخجل، أما الشابان بتسريحتي الشعر الغريبة، فكادا يسقطان من الضحك، وقال لها أحدهما "عاودي كوليها، عطي مو الله ينعل بوه"، وعلق الثاني "شكون هادا.. عشيرك لي خالاك وهرب عليك".لا تلتفت المرأة بأسمال متسخة تظهر جزءا من مؤخرتها، إلى مصدر الصوتين، بل تحمل كيسها البلاستيكي التي تظهر منه قطع ملابس بألوان مختلفة وقارورة ماء، ثم تقطع الطريق إلى الجهة الأخرى.السكان الذين تطل شققهم على الحديقة الكبيرة، يعرفون "مي هنية"، المرأة التي نبتت ذات ليلة في هذا المكان دون أن يعرف أحد من أين أتت، وما هي قصتها بالضبط. منذ سنوات، تجلس تحت الشجرة نفسها، وحين تغيب لأيام، لسبب مجهول، تعود إلى المكان نفسه، تنظفه براحتي يديها وتزيل بعض أوراق الأشجار، قبل أن تجلس فيه.لا تأبه "مي هنية"، (هو الاسم الذي نطقت به ذات يوم بعد إلحاح كبير من امرأة مسنة) إلى أي شيء من حولها. تكون هادئة في أغلب الأوقات وهي تتجول حاملة متاعها وسط الحديقة، أو الطريق المجاور، لكن حين تغضب، لسبب مجهول، تشرع في الصراخ، وأحيانا في ساعات متأخرة من الليل، حيث تخترق لازمتها البذيئة النوافذ وجدران البيوت:-"جيبوه ليا..جيبوه ليا..جيبوه ليا نقتل دين مو".."جيبو ليا الـز...ولد القـ...".مرة، يقول أحد القاطنين، بلغ الغضب ذروته، وبدأت المرأة تصرخ لأكثر من ساعة ونصف، وحين أنهكها التعب، ولم يأت هذا الذي تطالب بإحضاره فورا، انتقلت إلى مستوى آخر من الاحتجاج، فشرعت تنزع ملابسها وترميها قطعة قطعة، ثم وضعت يدها في "شيئها"، وقالت "واش بغيتي هادا، والله لديتيه يا الـز...ولد القـ...".المصدر نفسه قال لي إن السكان اتصلوا فورا بالسلطات المحلية ورجال الأمن والمساعدة الاجتماعية الذين وصلوا في الحال، وتوجه بعض العناصر نحو "مي هنية" التي تكومت على نفسها عارية، ووضعوا فوقها ملاءة صوفية، وحملوها على متن سيارة إسعاف إلى المستشفى المجاور.بعد أسبوعين، يسمع السكان اللازمة نفسها تتردد في الشارع، وحين يفتحون نوافذهم يجدون "مي هنية" مرتدية ملابس جديدة، وهي تنفض الغبار وتزيح أوراق الخريف من تحت شجرتها المفضلة.ي.س