علاج المختلين بـ”جلسات طويلة” في الشارع

لا يعرف عددهم وحالاتهم المرضية ودرجات خطورتهم وتحولوا إلى أدوات جرائم لم تكن الجريمة البشعة التي هزت، قبل ثلاثة أسابيع، ضواحي الجديدة، الأولى ولن تكون الأخيرة بكل تأكيد، مادامت الدولة تتعامل مع موضوع خطير باستسهال كبير، وتعتبره مجرد حوادث معزولة، والحال أن المغاربة كلهم مهددون في حياتهم وأجسادهم، بسبب جيش من المرضى عقليا، غير مسؤولين عن أفعالهم، يتجولون أحرارا طلقاء في الشوارع وأزقة المدن الكبيرة، ووسط القرى والمناطق النائية.مثل مختل زاوية سيدي إسماعيل، الذي أجهز في لحظة هيجان على 10 أفراد من أقرب أقربائه (ضمنهم والده ووالدته المسنان)، وحولهم إلى جثث ودماء، يوجد الكثيرون، مستعدون للفتك والقتل وارتكاب أبشع الجرائم، منهم من يقبع، اليوم، في السجون بسنوات ثقيلة من الأحكام، ومنهم من يعيش وضعا صعبا محتجزا في مستشفى للأمراض العقلية، أو ضريح ولي من أولياء الله الصالحين.رسميا، مازالت الحكومة، تعترف بخطورة الوضع، رغم بعض المبادرات المحدودة التي قام بها الحسين الوردي، وزير الصحة، الذي أعاد الحديث عن هذا الموضوع بصوت مسموع، وبادر إلى تفعيل بعض العمليات، مثل مبادرة كرامة لإخلاء مركز بويا عمر بضواحي قلعة السراغنة، وتقديم مشروع إلى المجلس الحكومي، في أبريل 2015، يتعلق بمكافحة الأمراض العقلية وحماية مرضاها، وهو المشروع نفسه المحال، هذه الأيام، على الغرفة الثانية لمناقشته والمصادقة عليه.وفي كل هذه المشاريع، لم تذهب الحكومة إلى جوهر الإشكال الذي يتحول في كل مرة إلى مصيبة كبيرة، أي إيجاد حل لآلاف المختلين عقليا الموجودين، اليوم، في الشارع، دون مراقبة، أو عناية، ما يعرضهم إلى مخاطر من قبل المواطنين، كما قد يتحولون في أي لحظة إلى أداة للقتل وارتكاب الجرائم، دون إرادة، أو وعي وإدراك.وتؤكد الأرقام الصادرة عن وزارة الصحة، عجز السلطات المغربية عن التحكم في ظاهرة المختلين عقليا وإيواء الحالات الصعبة منهم في المراكز الصحية، وكشف تقرير صادر عن مندوبية الصحة بالبيضاء في 2013، وجود 3 آلاف مختل عقليا يعيشون في شوارع المدينة دون أي عناية، بينما يبلغ عدد الذين يعانون الأمراض العقلية في المدينة 21 ألف مريض.ولا توفر الدولة لآلاف المرضى، الذين يتجولون بيننا، سوى ألفي سرير على أكبر تقدير (إلى حدود الثمانينات كان مستشفى الرازي للأمراض النفسية ببرشيد يوفر أكثر من هذا العدد من الأسرة قبل أن يتقلص إلى 240 فقط).وتوزع هذه الأسرة على المراكز الاستشفائية الجامعية الأربعة بـ636 سريرا والمستشفيات العمومية بـحوالي 725 سريرا، ومصالح العلاج النفسي بالمستشفيات بـ549، وعدد آخر من الأسرة لا يزيد عن 70 بالنسبة إلى العلاجات الاستعجالية.ويتوفر المغرب، الذي يزيد عدد سكانه عن 35 مليون نسمة، على 25 وحدة صحية متخصصة فقط، و80 وحدة للعلاجات اليومية، و5 مراكز للصحة النفسية للأطفال والمراهقين والشباب. ويشتغل بهذه المراكز مجتمعة 160 طبيبا مختصا. وقد نشعر بالغبن، إذا علمنا أن مدينة إسبانية واحدة تتوفر على 1200 طبيب مختص في الأمراض النفسية والعقلية. وتتوفر جنيف السويسرية، مثلا، على 500 طبيب، ويوجد في فرنسا 13 ألف طبيب اختصاصي في الأمراض النفسية والعقلية ويبحثون عن سبل لرفع العدد. وتدعو وضعية البنيات التحتية لهذه المؤسسات إلى القلق، بالنظر إلى الأعداد المتزايدة من المرضى النفسيين والمختلين عقليا، الذين لا يمكن حصر أعدادهم بدقة، بسبب تقاليد العار و"الحشومة" والخوف من المجتمع التي تسيج هذه الأنواع من الأمراض، فتضطر الأسر إلى "عزل" أبنائها وبناتها، بدل الزج بهم في مؤسسات صحية، أشبه بمعتقلات.وانتبه الحسين الوردي، وزير الصحة، إلى هذه الوضعية الخطيرة، موصيا بجعل إصلاح القطاع وتحسين الولوج إليه والاهتمام بالمرضى وتأهيل الموارد البشرية والمالية واللوجيستيكية ضمن أولويات القطاع ضمن مخطط العــــمل 2016/2012.ومن بين الإجراءات الأساسية التي تدافع عنها الوزارة، محاربة الإقصاء والتمييز تجاه المصابين بالأمراض العقلية، وإعداد اللبنات الأساسية لبناء مصالح للطب النفسي في كل المستشفيات الجهوية (مصالح ذات طاقة استيعابية صغيرة بتدبير مرن ومؤنسن)، وتوفير الأدوية بشكل كاف لجميع المرضى داخل المستشفيات وخارجها، بموازاة العمل على مراجعة قانون 1959. قانون للحماية القانون الذي يتحدث عنه الوردي، هو ظهير يحمل رقم 295-58-1 صادر في 30 أبريل 1959 بشأن الوقاية من الأمراض العقلية ومعالجتها وحماية المصابين بها، راجعته الوزارة واستخرجت منه مشروع قانون صادقت عليه الحكومة في أبريل 2015، ومعروض للمصادقة النهائية بالبرلمان.ويشمل المشروع عدة مقتضيات ترمي أساسا إلى حماية الحقوق الأساسية والحريات الفردية للأشخاص المصابين باضطرابات عقلية وتحديد المبادئ العامة التي يجب أن يخضع لها التكفل بهؤلاء الأشخاص، بالإضافة إلى تحديد المؤسسات الصحية التي تعنى بالوقاية من الاضطرابات العقلية وبعلاج الأشخاص المصابين بها. ويطمح الوزير إلى إحداث لجنة وطنية ولجان جهوية للصحة العقلية وعلى إدراج أعمال الوقاية والتشخيص والعلاج وإعادة التأهيل وإعادة الإدماج ضمن مكافحة الاضطرابات العقلية وتنظيم التكفل بالأشخاص المصابين بها، مع إخضاع مؤسسات الصحة العقلية لعمليات تفتيش من قبل ضباط الشرطة القضائية، أو المفتشين المنتدبين خصيصا لهذا الغرض من قبل الإدارة أو الوكيل العام للملك المختص ترابيا.يوسف الساكت

علاج المختلين بـ”جلسات طويلة” في الشارع

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"مي هنية"... ماء تحت تبن

السياسة أصل الهشاشة العقلية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات