“مافيا” العقار تزحف على رمال المحمدية

سكان "لاسييستا" يواجهون مشروعا سكنيا أقيم فوق ملك بحري خارج القانون ومنظمات عالمية تتبنى قضيتهم لم يكن يتوقع سكان حي "لاسييستا" الراقي بشرقي المحمدية، أن تتحول حياتهم إلى جحيم، بعد أن تجاوزت "مافيا" العقار جميع الخطوط الحمراء، لتزحف على شواطئ المدينة، وتجرف كثبانا رملية يعود تاريخ تشكلها إلى آلاف السنين، من أجل إحداث وعاء عقاري، خصص لتشييد إقامة سكنية- سياحية "هاي كلاص"، تضم تسع فيلات بسعر يبدأ من 12 ألف درهم للمتر مربع. المشروع أفقد السكان ممرا إلى الشاطئ العمومي ورؤية على البحر، كانتا من أهم المغريات التي تحكمت في قرار اقتنائهم لعقاراتهم، التي عمروا فيها لسنوات طويلة بفكرة راسخة، أن الأرض التي يتم تجريفها حاليا، ينتمي جزء منها إلى الملك البحري، ومصرح بها "غير صالحة للبناء" طيلة 30 سنة، قبل أن يتغير هذا الواقع في مخطط تهيئة مثير للجدل، أقحم القطعة الأرضية ضمن حظيرة المباني، ما خول المالك الفرنسي، الذي للمناسبة، المالك الأصلي للأرض التي بني عليها هذا الحي، الحصول على رخصة بناء من السلطات المحلية، والشروع في ارتكاب "جريمة بيئية"، كما يصفها خبراء أكاديميون، حفزت السكان على تأسيس جمعية لحماية مصالحهم، وحشد الدعم لفائدة قضيتهم داخل المغرب وخارجه. "لن نتنازل عن حقنا، وسندافع عن الشاطئ..."، بهذه الكلمات استقبلتنا نادية حمايتي، رئيسة جمعية قاطني حي "لاسييستا" بالمحمدية (ARQSM)، التي تأسست بغرض الدفاع عن مصالح سكان الحي، ضد مشروع عقاري راق، اختار صاحبه الفرنسي إقامته على شاطئ، ونقل الأطنان من الرمال يوميا إلى أماكن أخرى، ضمن عملية تجريف مكثفة على ملك بحري، لم تتدخل السلطات، حسب حمايتي، لإيقافها، رغم الشكايات والزيارات المتكررة للجان الملك البحري بوزارة التجهيز والنقل، بل حتى اللقاءات المتكررة مع عامل عمالة المحمدية، والتي كان آخرها قبل أيام، لم تسفر عن شيء، ولم تغير واقعا ما فتئ يترسخ يوميا، يتعلق الأمر حسب أحد سكان الحي، بتسريع المقاول لأشغال البناء، بعد تزايد الضغط على المشروع من قبل الإعلام والجمعيات المهتمة بالشأن البيئي داخل المغرب وخارجه، إذ عاينت "الصباح"، تشغيل جرافتين على مستوى جانبي أرضية المشروع، من أجل استكمال تجريف الرمال إلى الخارج، علما أن إحداها عمدت إلى جرف علامة تشوير حمراء، تشير إلى أن المنطقة تندرج ضمن الملك البحري.استقرت الشمس في كبد السماء مع انتصاف اليوم، والأشغال على قدم وساق لم تتوقف لوهلة، إذ يسارع صاحب المشروع، حسب رئيسة جمعية قاطني حي "لاسييستا" بالمحمدية، إلى استكمال عملية البناء، بعد توقف الأشغال أكثر من مرة منذ بداية السنة الجارية، بسبب شكاوى حول التأثير البيئي السلبي للمشروع، خصوصا أنه يجرد الحي من حاجز طبيعي، يقيه الأمواج العاتية خلال فصلي الخريف والشتاء، وهو الأمر الذي اضطر بعض مالكي الفيلات المحاذية للحي، على الشريط الساحلي نفسه، إلى اقتناء أحجار ضخمة ورصها أمام منازلهم بعد تقدم مياه البحر على الشاطئ بشكل كبير، وهو الأمر الذي تعتبره حمايتي طبيعيا، بالنظر إلى خلاصات الدراسات العلمية حول المنطقة، التي تفيد بتقدم البحر إلى الشاطئ بشكل تدريجي، بناء على دراسة علمية دقيقة، استندت إلى صور جوية التقطت للساحل الشرقي للمدينة، خلال سنوات 1969 و1986، وكذا 1997 و2003، إذ توقعت تراجعا للشواطئ بما مساحته 51 مترا خلال 34 سنة، أي بمعدل سنوي يتراوح بين 0.6 متر و1.6، بسبب عوامل خاصة، تتمثل في تداعيات أشغال التهيئة التاي خضع لها ميناء المحمدية خلال الفترة بين 1980 و1984.اختلالات إداريةيتهم سكان حي "لاسييستا"، السلطات المحلية في المحمدية، بتسهيلها إقامة مشروع عقاري على شاطئ تابع للملك البحري، ذلك أن المعطيات المتوفرة لدى السكان المتضررين، تفيد أن مخطط التهيئة الحضري الذي أدخل القطعة الأرضية، موضوع المشروع العقاري حاليا، إلى حظيرة المباني، تلقى 196 تعرضا عند التصويت عليه من قبل المجلس الجماعي، علما أنه تمت المصادقة على هذا المخطط، فترة زمنية قصيرة، ومتقاربة مع صدور القانون رقم -12 81، المتعلق بالساحل، الذي يعرف الكثبان الرملية، في الفصل الثالث من مادته الثانية، بأنها بمثابة شريط رملي ناتج عن تيار ساحلي يسمح بنمو النباتات الطبيعية. ويمنع هذا القانون، الذي دخل حيز التنفيذ في يوليوز الماضي، البناء في شريط بحري يصل عرضه إلى 100 متر، حتى ولو كانت البنايات تشمل ممتلكات عقارية خاصة، كما ينص في المادة 24، على منع أي عملية من شأنها المس بالكثبان الرملية الساحلية الطبيعية، وهو ما يراه سكان الحي حجة قانونية تم تجاهلها من قبل السلطات، التي سمحت في النهاية بالترامي على الشريط الساحلي وكثبانه الرملية.حياد سلبيتواصل الجرافات عملها دون توقف، ويرمق العاملون في الورش كل مقترب منه، بنظرة شك وريبة، تفسرها رئيسة الجمعية الخاصة بسكان الحي، بالطبيعية، بالنظر إلى أصداء المشكل إعلاميا، وتردد بعض الباحثين عن المكان، من أجل رصد هذه "الجريمة البيئية"، حسب وصفها، موضحة أن السلطات اتخذت حاليا موقف الحياد السلبي إزاء المشكل، ولم تتدخل لإيقاف الأشغال، رغم الخطورة التي تمثلها على المنطقة، ذلك أنه سبق وأن توقف العمل في المشروع، بعد مصادفة المياه عند الحفر لعمق مترين تحت الأرض، ما يشير إلى أن المنطقة عائمة على البحر وجزء منه، وبالتالي فهي لا تصلح لبناء عقار سكني، موضحة أن موجة البناء واستغلال الشواطئ في تنام مهم بالمحمدية، من قبل المنعشين العقاريين الكبار الذين يسوقون شققا وفيلات سياحية بأسعار مرتفعة، بالاعتماد على مزايا القرب من البحر، رغم تدمير أغلب الشواطئ.وتتحدث ممثلة السكان، عن خيار اللجوء إلى الملك خلال الفترة المقبلة، من أجل إصلاح أخطاء السلطات المحلية في المحمدية، وتفعيل القانون الذي يحمي الكثبان الرملية، موضحة أن هذه الكثبان تمثل إرثا تاريخيا لسكان المحمدية، وجزءا من الذاكرة الجماعية للمغاربة، الذين تعودوا على الاصطياف في شواطئها، وتمضية أوقات العطل الصيفية بها، وهو الأمر الذي أيده عدد من السكان المجاورين للحي، مؤكدين أن البحث عن الربح السريع من قبل المنعشين العقاريين، تجاوز الاعتبارات البيئية والثقافية والحضرية، في الوقت الذي أكد عبد العزيز رباح، وزير النقل والتجهيز واللوجستيك، خلال ندوة جهوية أخيرا بالبيضاء، على عدم السماح بالبناء على الشواطئ، مشددا بالقول، "اللي بغا يصيف يدبر على راسوا في قنت آخر...". "أنقذوا رمال المحمدية" "يجب إنقاذ الكثبان الرملية بالمحمدية"، شعار مافتئ يغزو صفحات موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، إذ أسست جمعية سكان "لاسييستا" صفحة على الموقع حملت هذا الشعار، ليصل عدد المنخرطين فيها إلى ألفي منخرط، متضامنين بشكل طوعي مع قضية السكان، وينتمون إلى مناطق مختلفة من العالم، بينهم مغاربة وأجانب، وهكذا بدأت تتقاطر على الصفحة صور من منخرطيها، توثق عبارات الشعار، مكتوبة على الورق وأجسادهم، في مبادرة فريدة، شجعت عددا من المنظمات الدولية المهتمة بالبيئة، على تبني القضية. بدر الدين عتيقي

“مافيا” العقار تزحف على رمال المحمدية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

بنكيران : لا نريد تسليط الداخلية والعدل على العماري

"بيجيدي" والتقدم والاشتراكية... الدفاع عن الحصيلة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات