بيانات التبني… تبريرات بنص الظاهر من القرآن

أبو حفص: أفعال "داعش" باسم الإسلام موجودة في القرآن لكن في سياق تاريخي متجاوز عندما يشهد العالم مجزرة إرهابية جديدة، تتوجه الأنظار إلى الضحايا والتحقيقات الأولية، بالقدر نفسه الذي تترقب فيه بيان التبني، لمعرفة التنظيم الإرهابي الذي يقف وراءه، وهي البيانات، التي تفيد في فهم الخلفيات التي تحكمت في الاستهداف، وتساعد على قراءة الرسالة التي يريد التنظيم الإرهابي إيصالها عبر الهجوم، وغالبا ما يكشف فيها عن النص الديني الذي فيه الحكم الذي يعتقد أنه يقوم بإنزاله. لغة العنف وعنف اللغة بالعودة إلى نماذج تخص "داعش"، تبرز لغة عنيفة، واقتباسات من القرآن، تشير التفاسير إلى أنها تخص وقائع في عهد النبوة، ودوافع طائفية، وأخرى يبرز فيها التنظيم الإرهابي، متشبثا بعقيدة تقسم العالم إلى "دار الإسلام" و"دار الحرب"، وحنين إلى زمن الحروب الصليبية، ووصيا على أخلاق المجتمعات.وفي هذا الصدد، استهل تنظيم "داعش" الإرهابي، بيانه الذي أصدره باللغة الفرنسية حول هجمات باريس، بالمقطع الثاني من الآية رقم 2 من السورة القرآنية "الحشر": "وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا، وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ، يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَار". وبالعودة إلى التفاسير، يتبين أن التنظيم اقتطع منها مبتدأها وفيه "هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ..."، وهي آية نزلت لتعطي العبرة بواقعة قيام النبي محمد، بإجلاء يهود بني النضير ومغادرتهم إلى بيوتهم، بسبب ما اعتبر جحودهم بنبوته، وبأن الرعب الذي أحسوا به وجعلهم يغادرون، مصدره هو الله، لكن، وحسب ما يكشفه توظيف المتشددين للآية، فـ"داعش" قصدت بها أنه رغم قوة فرنسا وأوربا أمنيا فقد استطاعت أن تضربها على أراضيها، في غزوة "باركها الله" كما وقع في عهد النبوة مع يهود بني النضير.وذلك ما سيكشفه التنظيم الإرهابي، في الفقرة الموالية، عندما أعلن بعد الآية، أنه في "غزوة مباركة يسرها الله"، استهدفت "ثلة مؤمنة من جند الخلافة، عاصمة العهر والرذيلة، وحاملة لواء الصليب في أوربا"، ليشير في الفقرات الأخيرة، إلى أن "فرنسا ستبقى على رأس أهداف" تنظيم الدولة الإسلامية، لسببين "حربها على الإسلام على أراضيها"، و"ضرب المسلمين في أرض الخليفة بطائراتها". تنظيمات وصية على التفسيروفي الخلاصة العامة، يبرز أن التنظيم، يجد لنفسه من داخل النص المقدس، آيات يشرحها بشكل ظاهري على نحو يجعل أعماله منسجمة مع وقائع مماثلة شهدها تاريخ النبوة، أما التبرير، ففي وصف باريس بـ"عاصمة العهر والفجور"، ينصب التنظيم نفسه وصيا على الأخلاق والقيم، ولتحقيق هدف سياسي، يتمثل في مبدأ "الدفاع عن النفس" و"التعامل بالمثل" حينما يشير إلى الطائرات الفرنسية في سوريا والعراق، ويربط كل ذلك بـ"الحروب الصليبية"، لأن التنظيم، يعتقد أنه دولة الإسلام الحقيقي، التي يهاجمها "الكفار"، ما يعني أن التنظيم، يمحي صيرورة التاريخ، ويعيد العالم إلى العصر الوسيط، وفق فهمه الخاص.وإذا كانت البيانات جزءا لا يتجزأ من العمليات الإرهابية، ويستغل فيها التنظيم الزخم الإعلامي، لتمرير رسائل إلى الأنصار والمناوئين وكسب التعاطف لدى الفئات التي تؤمن بثنائية "دار الإسلام" و"دار الصليبيين"، فهو في بيان تبني عملية استهداف مسجد الإمام الصادق في الكويت، كشف عن نزعة طائفية، واعتبر نفسه من السنة ومعاديا للشيعة، عندما قال إن الانتحاري من "أهل السنة"، وهو ما تكرر في تبني تفجيرات بيروت الجنوبية، عندما قال إنها جاءت لـ"الثأر لعرض أمهات المؤمنين والصحابة"، وبأن المستهدفين هم "الرافضة المشركين المرتدون"، غير أن اللافت في بياني التبني، أنه لم ترد فيهما أي آية من القرآن أو نص ديني يبرر محاربة الشيعة. حروب دنيوية باسم الدينوسيعود النص القرآني، ليكون ديباجة بيان أصدره التنظيم ووجه إلى سكان محافظة عدن باليمن، يعلن فيه الحرب الشاملة على معارضيه، ويتعلق الأمر بالآية: "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم"، وهي الآية التي تشير التفاسير أنها نزلت في قوم من أهل الكتاب كان بينهم وبين النبي محمد، "عهد، فنقضوا العهد وقطعوا السبيل وأفسدوا في الأرض".وفي واقعة بن قردان بتونس، ورغم أن التنظيم الإرهابي تلقى هزيمة، إلا أنه أصدر بيانا يبرر فيه الهجوم بالقول إن "سلف هذه الأمة قاتَلوا من امتنع عن بعض الشرائع"، ليبشر بحرب على دولتها لأنها "علمانية وعميلة للغرب، ولن تسمح بتطبيق الشريعة الإسلامية ولن تتخلى عن دعم ديموقراطيتها الملحدة، فهي ممتنعة عن تطبيق الشريعة الإسلامية".في النهاية يبرز أن تنظيم "داعش"، يجد نصوصا دينية، تبرر فعليا أعماله الإجرامية، وإن كان يحدث ذلك، بعد أن يبترها عن سياقها التاريخي ويطوعها كما يريد، وهو ما أكده عبد الوهاب رفيقي، الشيخ السلفي السابق، في ندوة أخيرا، حينما قال بجرأة نادرة، إن "الأعمال التي يقترفها تنظيم "داعش"، باسم الإسلام، هي فعلا موجودة في القرآن"، والفارق الوحيد أنها جاءت في سياق تاريخي معين بات اليوم متجاوزا".امحمد خيي

بيانات التبني… تبريرات بنص الظاهر من القرآن

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جغرافيا الإسلام المسلح عبر العالم

الإسلام السياسي في قفص الاتهام !

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات