البيضاء دون أزبال…حلم قيد التبخر

المواطنون متذمرون من الخدمات والشركتان تطالبان بثورة في السلوك تحول قطاع النظافة وجمع النفايات المنزلية إلى نقطة "دائمة" في جداول أعمال مجلس المدينة ومكتبها المسير ومجالس المقاطعات وهيآت المجتمع المدني، وحديث المواطنين المتذمرين من مشاهد العفونة وتراكم الأزبال في كل مكان، بينما ترى الشركتان المكلفتان أن تحقيق حلم مدينة بلا أوساخ لا يحتاج فقط إلى عقد جديد وبرنامج استثماري وإمكانيات وتجهيزات، بل إلى ثورة في "السلوك العام". إعداد: يوسف الساكت في زقاق متفرع عن شارع مولاي يوسف بمقاطعة أنفا (مستشفى مولاي يوسف بالضبط)، تترجل امرأة كاملة الأناقة من سيارتها، وتفتح الصندوق الخلفي. تحمل كيس أزبال من الحجم الكبير، تقترب قليلا من الحاوية الزرقاء، ثم تلقي الكيس الكبير بجانبها، وتركب سيارتها وتنصرف. المكان خال، إلا من عامل نظافة، يتابع المشهد بصمت، ثم يدفع عربته الصغيرة، متمتما بكلمات غير مفهومة.هذا المشهد يتكرر مئات المرات بعدد من مقاطعات البيضاء، إذ لا يكلف مواطنون أنفسهم عناء فتح غطــــــاء حــاوية الأزبال ووضـع أكياسهم داخلها، ثم إغلاقهــا من جديد. لكن ســـرعان ما يجيبـك المواطنون أنفسهم بـأن حجـــــم الحاويــــــــــــــات صغيـــــــــــــــــرة وعـــــــــــــددها أقــــــل مــــن استيعاب أطنان من النفايات التي تخرج يوميا من المنازل، وترمى على قارعة الطـــــــريق.المواطنون يعيبون على الشركتين، عدم تحمل مسؤوليتهما في توفير خدمة عمومية جيدة بشر بها الجيل الجديد من عقد التدبير المفوض الذي دخل حيز التنفيذ منذ حوالي سنتين، ويكلف ميزانية المدينة 53 مليار سنتيم سنويا، وهم يستدلون في ذلك، بنوعيــــــــة التجهـــــيزات المعتمدة وقلتها، وعدم انتظام دوريات جمع الأزبال، ناهيك عن غياب المراقبة من السلطات المنتخبة التي تكتفي بدور المتفرج. حاويات "باف" بمقاطعات أنفا والمعاريف وسيدي بليوط وجزء من ابن امسيك ومولاي رشيد وسباتة، التي تتكلف بها شركة "سيطا بلانكا"، مازال المواطنون يجدون صعوبة في التعامل مع حاويات "باف"، وهي حاويات مختلفة بمواصفات تقنية تساهم في الحفاظ على البيئة ونظافة الهواء من الروائح الكريهة وتمنع تشتت الأزبال خارجها، كما تختزل العدد الكبير من صناديق القمامة بفضل حجمها الكبير، إضافة إلى سهولة حملها وتفريغها.هذه المواصفات لا تعني بالنسبة إلى عدد من السكان أي شيء، إذ لم يتوانوا عن التعبير عن تذمرهم من هذه الحاويات الجديدة، ليس بالكلام فقط ولكن بالممارسة، إذ يفضلون وضع الأزبال والأكياس الكبيرة جانبها، ما يساهم في تشكيل مطارح صغيرة وسط الأحياء تصدر عنها روائح كريهة.هذا السلوك، اعتبره جون بيير غريلي، المدير العام لـ"سيطا بلانكا"، عاديا في المراحل الأولى، مؤكدا أن مسؤولي الشركة وأطرها على وعي تام أن أي تغيير يحتاج إلى وقت كاف من أجل استيعابه والتأقلم معه، كما يحتاج إلى تجويد وتقويم دائم للعمليات.وقال غريلي إن تنزيل جميع مقتضيات العقد الجديد للتدبير المفوض، يتطلب من الشركة مواصلة تطوير آلياتها، وضمن ذلك التكوين المستمر لمستخدميها.وأوضح المدير العام أن الرهان اليوم تحسين الخدمة المقدمة للمواطنين، وتطوير عمليات التدخل الميداني، بموازاة إشراك السكان في أهمية الحفاظ على نظافة مدينتهم، عبر خطة دائمة وناجعة للتحسيس والتواصل. واعتبر غريلي أن 2016 ستكون حاسمة، وستسجل نقلة مهمة في مسار تنفيذ العقد الجديد. سلوك وتحسيس صعوبة التأقلم مع صناديق القمامة الجديدة تبدو بشكل أقل في المقاطعات التي تديرها الشركة اللبنانية "أفيردا"، وهي أول تجربة لها في الدار البيضاء. ويعزى ذلك، إلى سهولة الولوج إلى هذه الصناديق التي تشبه كثيرا الحاويات القديمة مع وضع غطاء لها، كما أن انتشارها بأعداد كبيرة، ربما يسهل عملية التأقلم معها من قبل السكان بهذه المناطق.لكن هذا المعطى، لا يمنع من وجود عدد من المشاكل في المناطق والمقاطعات التي تشرف عليها الشركة اللبنانية، من قبيل عدم انتظام دوريات جمع الأزبال والانتشار الكبير لـ"البوعارة" الذين يخربون أعتى مخطط للنظافة.ويعلق فراس عقرجي، المدير العام "لشركة أفيردا المغرب" على استمرار بعض النقاط السوداء في تدبير العقد، قائلا إن الشركة عملت، خلال الفترة الأولى، على وضع كل الإمكانيات واللبنات الأساسية للاستثمار في القطاع كما هو ملتزم به.وأكد عقرجي، في تصريح لـ"الصباح"، أن الشركة وفرت، في هذا الإطار، الشاحنات والآليات المتطورة بهدف تقديم خدمة جيدة. وفي المرحلة المقبلة، سيتم التركيز أكثر على تفعيل دور المواطن شريكا أساسيا في المنظومة. وقال: "لدينا قناعة راسخة لأن الإمكانيات المادية والبشرية وحدها لا تؤمن المستوى المطلوب من دون دور فعال للمواطن من خلال السلوكات السليمة للتعاطي مع الموضوع البيئي، ولهذا الغرض، أعددنا تحت إشراف الجماعة الحضرية للدار البيضاء، برنامجا متكاملا للتحسيس والإشراك من خلال بوابة المجتمع المدني والـفاعلين". عماري يراقب ولم يعد قطاع النظافة هاجسا للشركتين والمواطنين فقط، بل للسلطات المنتخبة، وأساسا مجلس المدينة، الذي يدفع 40 في المائة تقريبا من ميزانيته السنوية، دون أن يشعر بوجود نتائج حقيقية على الأرض، خصوصا في ظل تصاعد احتجاجات السكان وتذمرهم من تراكم الأزبال و"المطارح" الصغيرة بالشوارع وقرب التجمعات التجارية السكنية.في برنامــج إذاعــي، اعتـــرف عبــــد العــزيـــز عماري، عمــدة البيضاء، بــأن استمــرار الأزبـــــال والنفــايــات فــي عــدد مـن المناطـــق والشوارع والأزقـــــة التــي زارها، يؤلم القلــب، مؤكـدا ضــرورة مضاعفــة مجهــودات جميــع الفـــاعلين والمكلفـــين بالقطــاع والمــواطنين، عبـــر هيــآت المجتمـــع المدني، لرفع التحدي الكبير لتحويل البيضاء مــدينـــة نظيفـــة دون استثنـــاء، أو تمييـــز بين أي مقاطعة.وقال عمدة البيضـاء "إن هناك خللا فـــي المراقبـــة والتتبــع ينبغــي أن نتجــاوزه"، مؤكــدا فـي هــذا الإطار علـــى قرار مجلس المديــنة بتقــويـة دور المقــاطعــات في مجال تتبع التـدبيـر المفوض فـي مجال النظافة. 20800 حاوية تفرغ يوميا تؤكد الشركتان المفوض لهما أن اتهامات مواطنين ومنتخبين غير مستندة على معطيات دقيقة، موضحتين أن الشاحنات تقطع يوميا أكثر من 26 كيلومترا لتفريغ 20800 حاوية، كما تقوم بـ237 جولة يشرف عليها 4700 مستخدم يشتغلون في الميدان.وأكدت الشركتان أنهما تتفـاعلان مــــع اتصـالات المواطنــين عبــر الخط الأخضـر التـي وصلـت إلى 12 ألف اتصال منذ إنشاء هذا الرقـم، في حين بلغ عدد الشكايات 9 آلاف شكاية.

البيضاء دون أزبال…حلم قيد التبخر

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الحكومة تنتصر لعتبة 3 %

10 سنوات لمتهم حاول قتل عشيقته

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات