أراضي المعمرين بسطات… داحس والغبراء

الصراع بين أبناء الفلاحين القدماء وملاك استفادوا من قانون استرجاع أراضي الأجانب ينذر بالأسوأ يقترب الاعتصام المفتوح الذي تخوضه قبيلة أولاد البوزيري بالجماعة القروية الخميس سيدي محمد بن رحال بسطات من سنته الثانية، "احتجاجا على محاولة استيلاء على أراضيهم"، ومعه يرتفع منسوب التوتر بمنطقة تعيش على شفا حرب "داحس والغبراء"، دون أن تتحرك الدولة لحسم الموضوع بشكل نهائي، لهذا الطرف أو ذلك، وكلاهما يقدمان معطيات تثبت، حسبهما، أحقيتهما في الأراضـــــي. إعداد: يوسف الساكت وهشام الأزهري (سطات) - تصوير: عبد اللطيف مفيق تقع جماعة سيدي محمد بن رحال على محوري الطريق الوطنية رقم 9 على بعد 30 كيلومترا من سطات، وتحدها شمالا جماعتا أحد مزورة واخميسات الشاوية وجنوبا جماعتا مشرع بن عبو وأولاد افريحة وشرقا جماعة التوالت وغربا جماعة مشرع بن عبو وأحد امزورة.ورغم صغر هذه الجماعة وضعف إشعاعها، إذ لا يتجاوز عدد سكانها 10 آلاف نسمة مشتتين على 25 دوارا على مساحة إجمالية تصل إلى 220 كيلومترا مربعا، فإنها تحتضن واحدا من أكبر المشاكل العقارية ليس فقط على مستوى الجهة، بل على المستوى الوطني كذلك.على أطراف هذه الجماعة، بالضبط بقبائل أولاد سعيد بن علي وقائد موسى والحمامدة والهيبات، التابعة لقيادة أولاد بوزيري دائرة وعمالة سطات، مازال مشكل أراضي المعمرين، أو الأراضي المسترجعة من الأجانب (2 مارس 1973)، يأخذ أبعادا اجتماعية وأمنية وسياسية بالغة الخطورة تهدد بانفجار وشيك، إذا استمرت الدولة في لعب دور المتفرج، ولم تأخذ الأمور بما يلزم من جـــدية. نزاع عمر طويلايتعلق الأمر بنزاع عقاري حول الأراضي المسترجعة يتنازعه طرفان: فمن جهة هناك مجموعات السكان يقطنون بضيعة تحمل اسم معمر فرنسي سابق كان يدعى "كفالي"، ومن جهة أخرى، ملاك الأراضي الذين استفادوا منها في إطار قانون الأملاك المسترجعة من الأجانب.الطرف الأول، الذي استمعت إليه "الصباح"، يخوض، منذ 10 ماي 2014، احتجاجا جماعيا للتصدي لتفويت الملك المسمى "تيرس الدولة 1" والملك المسمى "دومين سيدي رحال 1"، وعدم السماح لخمسة أشخاص بحرث واستغلال هذه الأملاك الفلاحية في إطار غير شرعي، ودون أي سند قانوني.السكان الذين يعتصمون في شكل دوريات مناوبة، يدلون برزم من الوثائق والبيانات و"الحجج" ورسوم الملكية المسلمة من المحافظة العقارية، ويؤكدون أن هذه الأراضي الشاسعة التي تربو عن 640 هكتارا هي ملك لأجدادهم قبل وصول معمر اسمه "كافالي" اشترى فقط 82 هكتارا واستولى على الباقي عن طريق الغصب.ووصلت الاحتجاجات ذروتها بداية الموسم الفلاحي السابق، حين اعترض المعتصمون عمليات الحرث التي كان سيباشرها أصحاب الأراضي، ما استدعى إنزالا أمنيا مكثفا لعناصر الدرك الملكي التي اعتقلت خمسة أشخاص أدينوا ابتدائيا.وأكد السكان أن المعمر حين رحل إلى بلاده في 1953، جاء معمرون فرنسيون آخرون استفادوا من الأرض عن طريق الكراء لمدد تصل إلى خمس سنوات، وظل الفلاحون وأبناؤهم يكتفون بالاشتغال مقابل أجر في ضيعاتهم، إلى حين صدور قانون 2 مارس 1973 الذي تدخلت بموجبه الدولة لاستعادة الأراضي من الأجانب، بنية إعادة توزيعها على الفلاحين الصغار.ويدلي المحتجون بعدد من الوثائق التي تثبت ملكيتهم لهذه الأراضي، منها وصولات عمل ورواتب قديمة مسلمة لهم من قبل المعمرين الذين تناوبوا على استغلال هذه الأراضي، ثم شهادات ملكية للأملاك المسماة "دومين سيدي رحال1" و"تيرس الدولة1"، و"دومين رحال1" ذي الرسم العقاري عدد 4367/ د الكائن بقبيلة أولاد بوزيري، فرقة أولاد يوسف دوار أولاد موسى سيدي محمد بن رحال، دائرة سطات 61 هكتارا 43 آرا ، والمتكون من أرض فلاحية.ثم هناك الرسم العقاري 15/37857 المسمى "تيرس الدولة1" ومساحته 15 هكتارا و19 أر و36 سنتيار، ثم الرسم سي/7234 والبالغ مساحته 80 هكتارا و78 أر، وهي كلها عقارات، في اسم الدولة المغربية الملك الخاص، حسب قولهم، وأنه لا يوجد، لحد الآن، بهذه الرسوم العقارية أي تقييد لحق عيني، أو لتحمل عقاري.تبعات 1973في الجهة المقابلة، يوجد خمسة ملاك يتشبثون بحقهم في استغلال أراضيهم ويطالبون الدولة بإخلائها من عدد من الفلاحين الذين يحتلونها دون وجه حق، حسبهم، ويمنعون السلطات العمومية من تنفيذ أحكام نهائية، وتكتفي باعتقال بعض المحرضين، ثم يعود الملف إلى نقطة الصفر.ويقول المالكون إنهم لم يسقطوا من السماء من أجل الاستيلاء على هذه الأراضي، و"سيكون من الغباء الثقة بهذه الرواية، في وجود دولة للحق والقانون"، يقول مالك، مؤكدا أن وزارة الداخلية، الممثلة للدولة، حسمت الموضوع في وقت سابق، حين ردت على المطلب الذي تقدم به أولاد البوزيري المنتمون إلى أربعة دوارير، بأن اللجنة الوزارية المشتركة المكلفة بالبت في النزاعات الناشئة عن تطبيق الظهير الشريف رقــم 213-73-1 أعطــت مـوافقتها على تسوية هذا الملف لفائدة المطالبين، ما يتعذر معه، حسب الوزارة، الاستجابة لطلب السكان.وقبل وزير الداخلية، كان مندوب أملاك الدولة بسطات رد على مطالب عدد من السكان (مجموعات أو أفراد) الذين طالبوا بعدم حرث أملاك وأراض زراعية تندرج في إطار ما يسمى بأرض "ضيعة كافالي" ذات الرسوم العقارية ومطالب التحفيظ في اسم ملك الدولة الخاص والبالغة مساحتها حوالي 641 هكتارا.وقال المندوب إنه يتعذر الاستجابة إلى هذه الطلبات، بناء على التبريرات نفسها التي قدمها وزير الداخلية، مع ذكر بعض التفاصيل عن رسوم عقارية بعينها وردت في هذه الطلبات، معتبرا أن الملاك الجدد اقتنوا حقوقا مشاعة من أشخاص حاصلين على موافقة اللجنة الوزارية.وفي وقت لاحق وصل الموضوع برمته إلى ردهات القضاء، إذ أثبتت المحكمة حيازة الأراضي من قبل المطالبين بالحق المدني بناء على إفادات إدارة الأملاك المخزنية التي قالت بحيازة هؤلاء للعقارات موضوع النزاع مدة طويلة، علما أن المادة 570 من القانون الجنائي تحمي الحائز ولو كان غاصبا، كما أن المجلس الأعلى يقول، في أحد قراراته، إن المنع من استغلال الأرض يعد وجها من أوجه العنف ويشكل انتزاعا للحيازة. واتخذ هذا الملف أبعادا خطيرة، حين اتهم ملاك الأراضي أطرافا حزبية باللعب بنار هذا الملف، وتأليب السكان على خرق القانون وتحريضهم ضد ملاك عاشروهم لعشرات السنين لغايات انتخابية، كما يمتنع المسؤولون الجماعيون عن تسليم الشهادات الإدارية للملاك لهذا السبب الانتخابي بالضبط ويقومون بخرق القانون، مثل شق طريق "توفنة" وسط ملك أحدهم، رغم وجود طريق محاذية. الرئيس في الواجهة"الصباح" حملت هذه الاتهامات إلى محمد يمين، رئيس جماعة الخميس سيدي محمد بن رحال، عن الاتحاد الدستوري، الذي قال إن هذا الملف الشائك من الملفات التي وجدها فوق مكتبه، مباشرة بعد انتخابه رئيسا للجماعة بعد الانتخابات الأخيرة، مؤكدا أنه فحص الملف من جميع جوانبه القانونية والمسطرية، واكتشف عددا من الثغرات التي حملها في شكل تقارير إلى المسؤولين الإقليمييـــن.ونفى يمين أي نية في استغلال مأساة مئات العائلات المعتصمة منذ سنتين في الخلاء انتخابيا، مؤكدا أنه يتحمل مسؤوليته في إطار القانون، ولا يمكن أن يسلم شهادات إدارية إلى أي كان إلا حين الإدلاء بما يفيد ملكيته الصريحة للأرض. وقال إن الامتناع عن تسليم هذه الشهادات هو أصل المشكل مع الأطراف الأخرى في النزاع.وقال يمين إنه لا علاقة له بهذا الملف الذي يعالج في ردهات المحاكم ووزارة الداخلية والمحافظة العقارية وباقي قطاعات الدولة، ولا يرتبط به إلا من حيث تسليم الشهادات الإدارية التي تخضع لمسطرة قانونية واضحة. في الحاجة إلى إنقاذ يبعد مركز جماعة الخميس حوالي 35 كيلومترا عن سطات على الطريق الوطنية رقم 9 الرابطة بين مراكش والبيضاء، وهو عبارة عن تجمع بئيس من محلات تجارية صغيرة ومحلات لحرف يدوية بسيطة متاخمة لسور السوق الأسبوعي (سوق اخميس) الذي يعتبر أهم مرفق تجاري بالمنطقة، وتشكل عائداته، إضافة إلى المجزرة، أهم مورد مالي (حوالي 100 مليون سنتيم في السنة).حميد يمين، رئيس الجماعة، يؤكد أن هذه المداخيل هي الحد الأدنى، إذ يمكن للمجزرة والسوق الأسبوعي أن يشكلا موردا ماليا مهما يستثمر في تنمية المنطقة، مؤكدا أن المجزرة تحتاج إلى إعادة هيكلة سريعة، بسبب وضعيتها الحالية التي تهدد سلامة وصحة المستهلكين، مقدرا المبلغ الاستثماري للتهيئة في 75 مليون سنتيم.أما السوق الأسبوعي، فقد ضاق، حسبه، بوعائه العقاري (هكتاران في ملك الجماعة وهكتاران آخران في ملك الخواص)، كما أصبحت وضعية الاكتظاظ وإغلاق الطريق الوطنية أثناء انعقاده لا تطاق، ما دفع المجلس إلى تقديم طلب لاقتناء جزء من ملك الدولة المجاور (حوالي 10 هكتارات) قصد توسيع السوق، لتجيب الإدارة بأن العقار المذكور غير شاغر لأنه موضوع موافقة من اللجنة الوزارية المكلفة بالبت في نزاعات تطبيق ظهير 2 مارس 1973.المسؤولون الجماعيون يقولون إن تهيئة السوق الأسبوعي محور أساسي من تهيئة مركز الجماعة الذي يعرف فوضى كبيرة، كما لاحظت ذلك "الصباح"، حيث تنبت على جنبات طرق شبه مدمرة بنايات شاحبة لإدارات ومؤسسات عمومية، مثل مركز صحي وثانوية ودار للطالبة ومقر الجماعة، والقيادة الموجودة في مدخل المركز. ومازالت الجماعة تنتظر قرضا بحوالي مليار سنتيم جزء منه ممول من صندوق التجهيز الجماعي لإنجاز مشروع تهيئة المركز الذي يعول عليه المسيرون الحاليون لإعطاء جاذبية أكبر للجماعة، تعزز من مكانتها الجغرافية وموقعها المهم وسط طريق وطنية، وعدد من الطرق الإقليمية (3618-3617-3615).كما يروم المشروع نفسه إعادة صيانة وهيكلة عدد كبير من المسالك الطرقية التي تعرف تدهورا كبيرا، ويجد سكان الدواوير صعوبات كبيرة في التنقل بسببها، خصوصا في فصل الشتاء. وقال يمين إن الجماعة خصصت حوالي 80 مليون سنتيم لإعادة تهييء هذه المسالك (مسلك دوار الهيبات، ومسلك دوار الفقيه أولاد الحاج)، علما أن الجماعة تتطلع إلى شراكات حقيقية مع المجلس الإقليمي والمبادرة الوطنية للمساهمة ماليا وتقنيا في استكمال جميع المسالك. الصحة بيد الله يصعب أن تسقط طريح الفراش بجماعة الخميس، لأنك ستجد نفسك مضطرا إلى السفر إلى سطات، أو البيضاء، بحثا عن مستشفى، بسبب النقص الحاد في البنيات الصحية بالمنطقة، عدا مركز صحي يتيم بطبيبين وممرضين ومولدتين، ومن المفروض أن يلبي حاجيات 10 آلاف نسمة يأتون من 50 دوارا من داخل وخارج الجماعة، ولا يشتغل بنظام الديمومة، رغم وجود سكن وظيفي به.السكان مخيرون بين الموت، أو حمل أمراضهم إلى خارج المنطقة طلبا للعلاج، حتى النساء الحوامل يفعلن ذلك، بسبب الضغط الكبير على المولدتين، وعدم تعيين مساعدات. أمام ذلك، لم تجد الجماعة من سبيل غير وضع سيارتين للإسعاف رهن إشارة المواطنين لنقلهم إلى سطات أو البيضاء، في انتظار إيجاد حل جدري، علما أن الجماعة تتوفر بدوار الهواورة الضاض على مستوصف شيده الإنعاش الوطني في 2009 ولم تعترف به وزارة الصحة إلى حد الآن، إذ مازال مغلقا.

أراضي المعمرين بسطات… داحس والغبراء

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

رويشة حي يرزق بلندن

رئيس جديد لجمعية وكالات الأسفار بمراكش

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات