الاقتراب من الموت … تجربة أغرب من الخيال

مغاربة فارقوا أجسادهم ودخلوا النفق ورأوا نورا وحدائق مدهشة قبل أن يعودوا إلى عالمنا عاشوا على حد تعبيرهم، لدقائق أو ساعات، في الجنة، دون أن يتمكنوا من التمتع بخيراتها. التقوا أناسا يحبونهم، فارقوا الحياة في وقت سابق، وربما تحدثوا معهم، وهو الأمر الذي أطفأ لوعة الفراق عندهم. نور أخذهم إلى ذلك المكان. انتابتهم الدهشة في بادئ الأمر، قبل أن يستجيبوا له تاركين جثثهم خلفهم، سيما بعدما تأكدوا، على حد تعبيرهم، أن النور آت من الجنة لينقلهم إليها. مي لكبيرة وماريا، من بين فئة مهمة من المغاربة الذين عاشوا هذه التفاصيل. الأولى، ظل ما عاشته محصورا بين أفراد أسرتها وعائلتها، فيما الثانية استطاعت أن تتحدث عنه أمام وسائل الإعلام، بعد سنوات من وقوع الحادث المثير للاهتمام. مي لكبيرة: رأيت ابنتي و"حيدت الشوق" تجتمع العائلة حولها، يترقبون استيقاظها من الغيبوبة التي دخلتها، متأثرة بوفاة ابنتها خلال وضعها مولودا جديدا. يترقبون ويترقبون دون نتيجة، وفجأة تفتح عينيها، ويتنفسون الصعداء، سيما أن «الفقيه» الذي جاء لمعاينتها قال إن قلبها توقف، قبل أن يعود من جديد إلى ضخ الدم في عروقها. فتحت عينيها الضيقتين، وبعد لحظات قالت بصوت خافت «شفت بنتي»، فبعدما كان الألم يعصر قلبها، حزنا على موت ابنتها، استيقظت مطمئنة مرتاحة البال، مؤكدة أنها لن تحزن على فراقها لأنها في الجنة وتحدثت معها وأوصتها بعدم البكاء، والاعتناء بأطفالها لأنهم في حاجة إليها. بعدما استعادت قدرتها على الكلام، قالت الكثير، وتعجبت عائلتها لما قالته، وإلى اليوم لم يستوعب الكثير منهم ما تفوهت به، وتشدد على أنه حقيقة وليس من نسج خيالها. "تلاقيت بنتي، لقيتها في الجنة، الحمد الله»، هذا ما كانت تردده أمي الكبيرة على مسامع أفراد عائلتها، قبل أن تضيف «يا ربي لهلا يحرم كل مسلم من هداك المكان». تصر المرأة التي فارقت الحياة، أخيرا، على أنها عاشت في الآخرة، ورأت أشخاصا على الصراط المستقيم، بعضهم كان يتجاوزه دون مشاكل، فيما البعض الآخر كان يسقط في النار «رأت نساء يصرخن ويطلبن المساعدة، قبل أن تصل، بمساعدة امرأة أخذت بيدها إلى مكان جميل جدا، كأنه حديقة مدهشة، فيه مختلف أنواع الفواكه»، يقول قريب لها قبل أن يضيف أن المرأة التي كانت ترافقها أخذتها إلى حيث توجد ابنتها. حسب ما أكدته المرأة، أنه في ذلك المكان الجميل، والذي عجزت عن وصفه، كانت توجد ابنتها. جميلة جدا، ونور يشع منها، لم تقو على معانقتها أو مصافحتها، لكنها تحدثت معها من بعيد. الدموع التي كانت أمي لكبيرة تذرفها كلما تحدثت في الموضوع تؤكد صدق مشاعرها، وهو السبب الذي جعل الكثير من المقربين منها، يصدقون أنها فعلا غادرت عالمنا نحو عالم آخر، واقتربت من الموت، على حد تعبير قريبها، الذي تحدث مع «الصباح». "بورش ليا لحمي مللي شفت بنتي ما بقيتش باغة نرجع للدنيا»، تقول أمي لكبيرة إنها خلال المدة التي قضتها في ذلك المكان، أرادت قطف أحد ثمار شجرة كبيرة، لكن امرأة منعتها من ذلك، وقالت لها بالحرف «لست من أهل المكان، فلا يحق لك تناول طعامنا ولا شرب شرابنا، عودي إلى عالمك، حتى يحين الوقت المناسب»، هنا تقول أمي لكبيرة، انتهت رحلتها، فوجدت نفسها من جديد، في عالمنا، وبين أفراد عائلتها، بعيدة عن ابنتها من جديد، لكن هذه المرة أقل حزنا عليها، سيما أنها على يقين بأنها في مكان آمن وسعيدة. ماريا: مت وحييت بشهادة الطبيب أمي لكبيرة، امرأة مسنة، ولم تطأ قدماها المدرسة، لكن هناك حالات أخرى، مستواها التعليمي، عال، أكدت أنها، أيضا، عاشت التجربة ذاتها، مع تغير بعض التفاصيل. ماريا بشيري، متدربة معتمدة في العلاقات الزوجية، اقتربت من الموت، أيضا، ومن أجل الموضوع ذاته نظمت أول ندوة في المغرب تحت عنوان "الاقتراب من الموت". تقول ماريا إن ما عاشته يصعب تصديقه، ولا يتقبله الكثيرون، ويعتبرونه من الخرافات، لكنها فارقت الحياة وعادت إليه بشهادة طبيب كان يشرف على حالتها الصحية. "قبل أكثر من 20 سنة، اقتربت من الموت، ومازلت إلى اليوم أتذكر كل التفاصيل التي عشتها في تلك الرحلة". تتحدث ماريا عن تجربتها بثقة كبيرة، مسترسلة «أحسست بروحي تغادر جسدي». وعن تفاصيل ما عاشته ماريا، والتي أخذت على عاتقها إيصاله إلى أكبر عدد ممكن من الناس، قالت «خلال خضوعي لعملية جراحية قيصرية، سمعت طبيبا يصرخ «فقدناها»، وفي تلك اللحظة أحسست بروحي تغادر جسدي». تضيف ماريا «كنت أتابع كل خطوات الطبيب الذي كان يجري لي العملية، لاحظت كيف كان متوترا، حتى أنه خلع قميصه، مشيرة إلى أنها في تلك اللحظة، ظهر نفق طويل، سطع منه نور عجيب، أمسك بها وأخذها معه «لا أستطيع وصف الإحساس الذي انتابني في تلك للحظة. شعرت بالحب والحنان والأمان، والاطمئنان» على حد تعبيرها. كانت تسرد الأحداث التي عاشتها بتأثر كبير. تتوقف للحظة لتؤكد أن وصف ذلك المكان، إعجاز بالنسبة إليها، قبل أن تكمل كلامها بـ «سبحان الله، بعد ذلك فتح باب كبير، فرأيت حديقة مدهشة، تسبح لله كأنها روح، مياهها كأنها من ألماس». فجأة توقفت عن الحديث وقالت «قالوا وجدي للموت ديالك» كانت هذه العبارة التي سمعتها ماريا بوضوح قبل أن تستيقظ وتستعيد وعيها وتعود للحياة من جديد. وبعد سنوات قررت التحدث في الموضوع وتسليط الأضواء على موضوع «الاقتراب من الموت»، الذي عاشته تفاصيله، قبل ان تكتشف أن أشخاصا آخرين عاشوا التفاصيل عينها. تفسيرات كثيرة مي لكبيرة وماريا، ليستا حالتين معزولتين، فقد صدرت كتب كثيرة، تحكي تجارب الاقتراب من الموت، منها كتاب ألفه جورج ريتشي، بعنوان "العودة من الغد"، تحدث فيه عما حدث له من تجربة خلال موت سريري دام ست دقائق، سنة 1943 عندما كان طالبا في كلية الطب. ومن خلال بحث بسيط، نجد أن هناك الكثير من التفسيرات لما يعرف بالاقتراب من الموت، بعضها يعتبر أن الأمر يرجع إلى العقاقير العلاجية التي تناولها الشخص خلال أزمة صحية، وهذا الرأي يحظى بحماس الكثيرين لعدة أسباب، منها اتفاق عام طبي على ما تحدثه بعض العقاقير الطبية من هلوسة، وأن بعضها يحدث في المخ بعض التأثيرات الشبيهة بما تكلمنا عن حدوثه في تجربة الاقتراب من الموت لكن هناك الكثير من العوامل التي تحد من هذا التفسير، وذلك اعتمادا على حالات لم تستخدم أي عقاقير قبل الحادث، وأخرى حدثت بعيدا عن الرعاية الطبية. وطرحت العديد من النظريات حول طبيعة تجارب الاقتراب من الموت، واعتقد البعض إن سبب هذه التجارب هو التغير الحاصل في فيزيولوجية الدماغ مثل موت خلايا الدماغ، وربما بسبب إفراز مادة الإندورفين، في حين تضمنت بعض النظريات الأخرى رد الفعل النفسي الذي يحدث للإنسان عند اقترابه من الموت، أو حالة اقتران بين رد الفعل النفسي والنقص الحاصل في الأوكسجين. ووفق دراسات أنجزها باحثون، فإن أكثر الظروف ملاءمة لمثل هذه التجربة حدوث أعراض وحالات مرضية خطيرة مثل الإصابة بالسكتة القلبية أو بجروح تنجم عن حوادث سير أو سقوط من مكان شاهق أو غرق وكثير من الحالات الأخرى التي يكون فيها صاحب التجربة على مقربة من الموت، أو أثناء العمليات الجراحية والقيصرية للنساء، وفي حالات أخرى بسبب تناول عقار ما له تأثير مباشر على القلب. لكن حتى الآن، لا توجد دراسة علمية دقيقة ومقنعة تفسر سبب ومضمون هذه التجارب، فجميع الدراسات مهتمة بعملية استعراض الماضي في هذه التجارب وتعتمد عملية انتقاء المرضى. طريقة للتعويض بعيدا عن تفاصيل عالم دخله أشخاص قال إنهم تركوا أجسادهم هنا، يعتبر أحمد كوال، باحث في السوسيولوجيا حاصل دبلوم الدراسات العليا في علم الاجتماع ودكتوراه في الفلسفة، أن المغربي يعيش في مجتمع تمتد جذوره في التاريخ والمجال وتاريخنا الاجتماعي القريب والبعيد تخترقه ظواهر اجتماعية غامضة ومستعصية، على الفهم، مازالت بقاياها صامدة إلى الآن. وأوضح أنه قبل الخوض في بعض الحالات الاجتماعية لهذه الظاهرة التي تتمظهر في سلوكات بعض الأفراد نساء كن أو رجالا، «يجذر بنا أن نرجع إلى ثقافتنا الشعبية مادية أو لا مادية، التي تترجمها حكايات الماضي تلك التي تدور أحداثها حول القدرة الخارقة لبعض الأولياء والمجاذيب والدراويش لمعالجة بعض الأمراض القاتلة بواسطة تمائم يصنعونها»، على حد تعبيره، مؤكدا أنه غالبا ما يكون هؤلاء الأشخاص من عامة الناس، يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، لكن سرعان ما تتغير أحوالهم، لا لشيء إلا لعزمهم وإصرارهم على أنهم سافروا إلى عالم لا يشبه هذا العالم، انفصلت فيه أرواحهم عن أجسادهم من جراء إصابتهم بغيبوبة تشبه الموت تقصر أو تطول، وبعد صحوتهم يشرعون في سرد غرائب وعجائب رأوها أثناء رحلتهم المدهشة، فيتصرفون تصرفا آخر لا عهد لنا به. وأضاف أن أمثال هؤلاء منتشرون في البوادي، وهم في غالب الأحيان أبناء عائلة جردوا من حقوقهم أو كانوا صغار إخوتهم في عائلة فشل أعضاؤها في تدبير نزاعاتهم، مما يجعلهم يلتجئون إلى سبل أخرى للتخفيف من معاناتهم والتعويض عنها إذا كان الواحد منهم يتمارض أو يصاب بمس ويوهم الناس أنه توفي، وحينما يتعافى يلجأ إلى نسج كلام حول لقائه بالجن و الإنس الأموات باعتبار أن «للجن قوة خارقة و للأموات سلطة على الأحياء». واسترسل أن «الشعور بالظلم يجعل صاحبه يلتجئ إلى أكثر السبل التواء كي ينتقم أو يعوض ما ضاع منه»، مشيرا إلى أن اصحاب الحالات المذكورة غالبا ما ينظر إليهم نظرة دونية، وأحيانا تحط من شأنهم تشوهات خلقية وخلقية فتحول كلامهم إلى حكمة وسلوكهم قدوة بحكم الامتياز الذي حظوا به في رحلتهم (غيبوبتهم). ومن غريب الأمور، على حد تصور الباحث في السوسيولوجيا، أن بعض الأشخاص يتحلقون حولهم ولا يجدون حرجا في الترويج لكلامهم والدعاية له وينسجون حول شخصهم حكايات تلو الحكايات، مؤكدا أن وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية وشبكات التواصل الاجتماعي، مازالت تروج أخبار أشخاص، أبهروا الناس بقدرتهم الخارقة على القيام بأشياء لا تصدق أو مستحيلة الحدوث، وأغلب هؤلاء الأشخاص نساء يعانين التهميش وشظف العيش، لكن سرعان ما تنقلب حياتهن رأسا على عقب يساعدهن في ذلك وسطهن الاجتماعي الذي يؤمن أهله بالكرامات و تقديس الأضرحة والأحياء المنتسبين إليهم. الفيزازي: هلوسة فكرية في الوقت الذي يشدد فيه الذين يصرون على أنهم غادروا عالمنا في اتجاه عالم آخر، على أن التفاصيل التي عاشوها، حقيقة وليس من نسج خيالهم، قال الشيخ محمد الفيزازي، إن ذلك يدخل في إطار هلوسة فكرية. وانتقد الشيخ ما يؤكده هؤلاء الأشخاص، وهم في نظره يعيشون في الخرافة ويصدقونها، ويحاولون فرضها على المحيطين بهم، مشيرا في حديثه مع «الصباح» إلى أنهم يدخلون، ربما، في غيبوبة، وفي تلك الحالة، يتخيلون أشياء بعيدة عن الواقع. وأوضح المتحدث ذاته أن وضعيتهم النفسية، تلعب دورا في الموضوع، مؤكدا أن الروح عند خروجها من الجسد، لا يمكن أن تعود مرة أخرى إليه، وهذا ما يؤكد أنهم يتوهمون الأمر، «يجب ألا يؤمن المغاربة بهذه الخرافات»، على حد تعبيره، سيما أن القرآن الكريم واضح في هذا الموضوع. إنجاز: إيمان رضيف

العربدة تطيح بمافيا تهريب مواد مدعمة

اتحاد أزيلال يقترب من حسم الصعود

مقالات ذات صلة

أنتم تستعملون حاجب إعلانات