الحملات الأمنية… لعبة القط والفأر

أرقام تتحدث عن اعتقالات بالجملة واستمرار ارتكاب الجرائم يكشف عدم نجاعتها تطرح الحملات الأمنية في مختلف المدن، تساؤلات حول مدى نجاعتها في الحد من الجريمة، واستباق وقوعها. وتورد الإحصائيات التي تقدمها مختلف ولايات الأمن حول عدد الموقوفين، كل شهر، في إطار ما يوصف بالحملات التطهيرية، أرقاما مرتفعة، ورغم ذلك تسجل جرائم متنوعة، بين جنح وجنايات، ما يعيد طرح التساؤل ذاته. وإذا كانت الإحصائيات تقسم الموقوفين إلى مبحوث عنهم لارتكابهم جرائم الشيكات والأسرة، أو جنايات القتل أو الاتجار في المخدرات وغيرها، أو المعتقلين في حالة تلبس بارتكاب الجريمة، فإن انعكاسها على الشعور بالأمن، يتأرجح بين مشجع للحملات مطالب باستمرارها وتواصلها طيلة السنة، ومن يصفها بالموسمية، وعدم الجدوى. فخلال كل حملة تنشر مصالح الأمن حصيلة هذه التدخلات، غالبا ما تتضمن أرقاما كبيرة، تغص عدد الموقوفين والمحالين على العدالة، لدرجة أن الجميع يعتقد أنه تم القطع مع المجرمين، لكن خلال فترة قصيرة، تعود الجريمة إلى الانتشار، ما يدفع المواطنين إلى طرح فرضيات مفادها أن الموقوفين غادروا أسوار السجن بعد أن متعوا بعقوبات مخففة، أو أن هذه الحملات لا تستهدف المتورطين في الجرائم الخطير، مثل تكوين العصابات والاغتصاب والسرقات تحت التهديد بالسلاح، وأنها تقتصر فقط على الجنح البسيطة، غالبا ما تشمل استهلاك المخدرات والسكر العلني. الإحصائيات الأمنية تثير الشكوك سكان طنجة تعايشوا مع "التشرميل" واستأنسوا بالاعتداءات اليومية لم تعد كلمة "التشرميل" تمثل تخوفا كبيرا بالنسبة إلى سكان طنجة، ولم يعد لها حاليا أي وقع مرعب لديهم، بعد أن اضطروا للتعايش بشكل طبيعي مع هذا النوع من الإجرام، واستأنسوا بالاعتداءات اليومية التي يتعرض لها المواطنون في الطرقات العامة تحت طائلة التهديد والضرب والجرح والنشل والسرقة باستعمال الدراجات النارية، وكذا السطو المسلح على المساكن والمحلات التجارية والصيدليات وبعض الوكالات البنكية، بالإضافة إلى عدد من جرائم القتل، التي أخذ بعضها طابع الإثارة و"الهتشكوكية". "الوضع الأمني بالمدينة يبعث على القلق"، تلك أبرز خلاصة توصلت إليها "الصباح" بعد أن استقرأت آراء عدد من الفاعلين والمواطنين بطنجة، رغم الأرقام والإحصائيات التي تعلن عنها ولاية أمن طنجة، والتي تبدو من خلال الأعداد الهائلة للموقوفين، أنها مطمئنة وتبعث على الارتياح، لدرجة أن المتفحص لهذه الإحصائيات يتبين له أن الجريمة بشتى أنواعها تحارب بشكل كبير وجدي في طنجة. فآخر الإحصائيات التي أنجزتها المصالح الأمنية بطنجة تفيد أن عدد الموقوفين تضاعف خلال السنة الماضية (2015) مقارنة بسنة (2014)، وفاق العدد 61 ألف مشتبه فيه، أوقفوا لتورطهم في أعمال إجرامية مختلفة وقدموا جميعهم أمام العدالة. في الوقت نفسه تعرف المدينة موجة من الاعتداءات على الأشخاص في الساحات العمومية ليلا و نهارا، إذ يتم اعتراض سبيل التلميذات والطالبات والعاملات، بل أصبح تهديد المواطنين بالسلاح الأبيض في الأماكن العمومية أمرا يتم جهارا وفي واضحة النهار، ولعل ما يعرفه قسم المستعجلات بالمركز الاستشفائي الجهوي محمد الخامس يوميا لمؤشر حقيقي على تدهور الوضع الأمني بالمدينة. وأكد عدد من المتتبعين الذين التقت بهم "الصباح"، أنه رغم الحملات التي يتم تسريب حصيلتها إلى وسائل الإعلام، يظل الواقع الأمني بالمدينة دون أي تغيير ملموس، إذ أصبحت النقط السوداء لا تقتصر على منطقة معينة، بل طالت كل المناطق بما فيها وسط المدينة والأحياء "الراقية"، بالإضافة إلى أحياء القصبة والدرادب وبنديبان والمرس وبئر الشفا وموح باكو وسيدي ادريس... ، الذي عرف في الآونة الأخيرة عملية اغتصاب جماعي لفتاة، بعد أن تم اختطافها من بين يدي صديقها تحت طائلة التهديد بواسطة الأسلحة البيضاء. وفي الوقت الذي تصرح فيه مصادر أمنية رسمية بأن حملاتها شملت عددا من الأشخاص من ذوي السوابق والمبحوث عنهم، بمن فيهم مروجو المخدرات بمختلف أنواعها، تتجنب في المقابل الكشف عن عدد المبحوث عنهم الذين ما زالوا فارين من العدالة، مما يؤكد أنها عاجزة عن الوصول إلى كافة المبحوث عنهم، الذين يمثلون خطرا حقيقيا على السكان والأمن نفسه، وهو ما جسده مبحوث عنه، تمكن الأسبوع الماضي، من الفرار أمام حشد من المواطنين رغم محاصرته وإطلاق الرصاص عليه. وفي هذا الصدد، ذكر الناشط الحقوقي، نجيب السكاكدي، أن تردي الوضع الأمني بالمدينة أصبح واقعا ملموسا نتيجة عدم نهج أي إستراتيجية واضحة للقضاء على الجريمة بشتى أنواعها، موضحا أن الأمن بطنجة يقوم بحملات موسمية، وبالتالي ليست هناك حماية جدية لأرواح وممتلكات المواطنين. وتعليقا له على الإحصائيات الأمنية، اعتبر السكاكدي أنها مجرد ذر للرماد في العيون، ولا تعكس الواقع الملموس داخل المدينة، إذ بعد كل حملة أمنية يتبعها سيل من الجرائم التي تخلف ذعرا وهلعا كبيرين بين السكان، وتقع خاصة بالأحياء التي ينعدم فيها الأمن وتغيب فيها الدوريات الأمنية. من جهته، اعتبر ربيع الخمليشي، وهو فاعل جمعوي بطنجة، أن الإشكاليات الأمنية أصبحت حقيقية تمس الجم، وهي مرتبطة بالعديد من العوامل، منها الإمكانيات المادية والبشرية المحدودة لدى المصالح المختصة، وكذلك طريقة توظيفها، التي لا تتم بالشكل الأمثل. وقال الخمليشي لـ "الصباح" إن "الجواب على المسألة الأمنية يتعدى حدود المقاربة المباشرة إلى ضرورة إعادة النظر في السياسات الاجتماعية بشكل عام، إذ لا يمكن فصل المنظومة الأمنية عن السياقات والخيارات الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي فالظاهرة مرتبطة بإشكاليات الفقر والبطالة والمخدرات. كما يجب الانتباه إلى مسألة أساسية مرتبطة بحالات العود في ارتكاب الجرائم، وهو ما يؤكد عدم النجاعة في المقاربة التأديبية، سيما مسألة العفو التي أصبحت تفرغ المقاربة التأديبية من محتواها". المختار الرمشي (طنجة) جرائم الرأي العام أقر مسؤول أمني بارتفاع نسبة الجريمة في الفترة الأخيرة داخل المدينة، إلا أنه اعتبرها من الجرائم التي لا تشكل ظاهرة إجرامية في تصنيفات الشرطة، لأنها محدودة وتظل في إطار المتابعة ويضبط مرتكبوها في الغالب، مؤكدا أن المصالح الأمنية المختصة تتعامل بالجدية اللازمة مع كل الشكايات التي تتوصل بها، وأنها تقوم بتحرياتها من أجل إيقاف المتورطين. كما أكد المصدر، أن المصالح الأمنية تعمل جادة بتعاون وتنسيق مع جميع الجهات الأمنية الأخرى من أجل القضاء على المناطق السوداء واستتباب الأمن بها، وذلك من خلال حملات منظمة ومركزة تتم بناء على إحصائيات ومخططات أمنية تشمل كافة مناطق المدينة. جدير بالذكر، أن طنجة تحولت إلى مدينة متخصصة في جرائم الرأي العام، التي تتجاوز المتابعة المحلية إلى ما هو وطني ودولي، ومن أبرزها عمليات السطو المسلح على الوكالات البنكية، ثم القتل بواسطة الأسلحة النارية، بالإضافة إلى الجرائم المثيرة كجريمة النساء الثلاث وجريمة الطفلة أميمة التي قطعت أطرافها وتم طهيها، وكذا جريمة رمضان البشعة التي أجهز خلالها شاب على عائلة بأكملها، ثم الجريمة الأخيرة التي ذبح فيها تاجر المجوهرات.

الحملات الأمنية… لعبة القط والفأر

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

ارتفاع الجريمة مستمر

سيطرة كينية على ماراثون الرباط

مقالات ذات صلة