دولـة “الباركينغـات” بالبيضـاء

يحكمها قانون التواطؤ بين الجماعة والجبايات والسماسرة الكبار وعائداتها بالملايين وضحاياها 7500 حارس من يحكم «قلعة الباركينغات» بالدار البيضاء؟ وماهي قوانينها ومؤسساتها وأجهزتها السرية والعلنية؟ وكم يصل ناتجها الداخلي الخام؟وماهي أرقام معاملاتها؟ وكيف تشتغل شبكات علاقتها وسلطاتها ومجالات نفوذها؟ ومن هم رجالها وأشباه رجالها ووسطائها ومن هم ضحاياها؟ وماهي أشكال العلاقات التي تربطها، بالضبط، بمجلس المدينة والإدارة الجبائية الجماعية وشركات التنمية المحلية ورجال أمن ورجال سلطة؟ ومن يتحكم في من، وبأي ثمن؟ "الصباح» تتسلل إلى «سرايا» محطات وقوف السيارات والدراجات التابعة للجماعة الحضرية، وتنقل لكم «المشاهد» التالية. الساعة العاشرة من صباح الخميس الماضي. جلبة صغيرة واحتجاج قرب قاعة الاجتماعات الكبرى لولاية جهة البيضاء-سطات، التي ستحتضن، بعد لحظات، دورة «مؤجلة» لفتح أظرفة عروض كراء مواقف السيارات والدراجات والعربات والشاحنات (باستثناء الوزن الثقيل) بمجموع مقاطعات الدار البيضاء. السماسرة والوسطاء و»عيون» الشركات المتنافسة تتحرك في كل الاتجاهات لرصد الأخبار والمعطيات الجديدة و"تحليلها"، قبل نقلها طازجة، عبر خطوط الهاتف، إلى الجهة الأخرى. ممثلو الحراس وهيآت المجتمع المدني يأتون تباعا، وبعضهم يتحلق في مجموعات صغيرة بالحديقة والممرات المقابلة للقاعة، ويفتحون أحاديث جانبية، وبتبادلون المعطيات الأخيرة. في الطابق العلوي، مازال ممثل مجلس المدينة ومسؤولو مديرية الجبايات ودار الخدمات والسلطات الإدارية يضعون اللمسات الأخيرة على اجتماع يوجد، منذ نهاية السنة الماضية، تحت «الأضواء»، وبالضبط، منذ الإعلان عن تأجيل جلسة 24 دجنبر الماضي، لإحداث تغييرات جوهرية على دفتر التحملات مست العدد الإجمالي لمحطات الوقوف التي تقلصت من 46 موقفا إلى 37 فقط. رمانة بعينين الساعة العاشرة وخمسين دقيقة تقريبا، يلتحق محمد أبو الرحيم، النائب الخامس للعمدة المكلف بتفويض قطاع النقل، بمنصة الاجتماع، وبجانبه شسيع الإدارة الجبائية الجماعية (روجيسور)، وممثلين عن السلطة الإدارية ودار الخدمات، ويتبعهم عدد من ممثلي الشركات المتنافسة، وأعضاء جمعيات المجتمع المدني المؤطرة لمجموعات الحراس بالمدينة. تفتح الجلسة العمومية، بتلاوة نقطة واحدة في جدول الأعمال، تتعلق بفتح أظرفة الشركات المتنافسة ودراسة ملفاتها الإدارية والمالية وأهليتها القانونية للتباري حول الصفقة. وقبل أن يختم الرئيس كلمة الافتتاحية، بدأت القاعة تهتز على وقع الاحتجاجات الصاخبة ضد التدبير السيئ و»الموجه» للملف من قبل الجهات المسؤولة عنه، والإقصاء المتعمد لعدد من الأطراف، عبر صياغة دفتر تحملات على المقاس، عوض الدفتر السابق المنجز قبل دجنبر الماضي، سيما في ما يتعلق بتجميع 37 حصة في حصة واحدة، ورفع قيمة الضمانة إلى 200 ألف درهم (20 مليون سنتيم)، عوض حصص مختلفة وبقيمة ضمانات لم تكن تتجاوز 30 ألف درهم في الأقصى. هذه الشروط الجديدة تقصي عددا من الشركات الصغيرة التي ترغب في تدبير موقفين أو ثلاثة، بسومة كرائية في المتناول، كما تجهز على الحق في المنافسة الشريفة لفائدة وحوش «الباركينغات» المعروفين بالأسماء والصفات، وهم أنفسهم الذين ظلوا يتداولون ويستفيدون من طلبات العروض والصفقات العمومية الخاصة بكراء محطات وقوف الدراجات والسيارات والشاحنات والعربات، على مدى سنوات، ويأكلون منها الذهب، مقابل الفتات الذي يرمونه في خزينة المدينة سنويا وعلى دفعات أحيانا (بعض الشركات لا تسلم المبلغ كاملا كما ينص على ذلك القانون، بل تسلمه بنظام الأشطر). صخب الاحتجاجات وصل إلى حافة منصة الرئاسة، وكادت الأمور أن تتطور إلى الأسوأ، بعد «حركة» من ممثل الإدارة الجبائية الجماعية الذي خلع بذلته وهم بمغادرة مقعده في المنصة، وشرع يطلق وابلا من الكلام النابي، وهدد بـ»إخلاء» بيوت آباء المحتجين، ما رصدته كاميرات الصحافيين، وسجلته في فيديوهات تناقلته المواقع الإلكترونية على نطاق واسع. بعد جهد كبير، استطاع أبوالرحيم إعادة الهدوء إلى القاعة، بعد انسحاب جزء من ممثلي الحراس والشركات الصغرى غاضبين، ثم الشروع في فحص الملفات الإدارية والمالية للشركات المنافسة، إذ رسا العرض في النهاية على شركة (أو مجموعة شركات في واحدة) عرضت حولي 3 ملايين و850 ألف درهم للفوز بصفقة كراء 37 محطة وقوف، ابتداء من مارس الجاري إلى غاية دجنبر المقبل، وهو مبلغ زهيد جدا لا يمكن مقارنته بـ3 ملايير و300 مليون الذي اكترى بها مجلس مراكش محطاته برسم 2016، بإضافة 200 مليون سنتيم عن 2015، أو المبلغ الذي تسلمته مدينة متوسطة مثل المحمدية (280 مليون سنتيم). زمن السيبة لفهم خلفيات هذه الجلسة، يجب العودة سنوات إلى الوراء، وبالضبط، حين كانت مواقف السيارات في عهد المجموعة الحضرية والسنوات الأولى من نظام وحدة المدينة، عبارة عن قلعة فساد كبرى، يتحكم فيها أشخاص بقوة الحديد والنار، ويستطيعون شراء الجميع بعائدات ريع سنوي يصل إلى ملايين الدراهم، عبارة عن مداخيل يومية، مقابل ركن آلاف السيارات والدراجات النارية والعربات والشاحنات بمختلف الأحجام، وفي الليل والنهار وواجبات توقف تخضع لقانون الغاب في أغلب الأحيان. في هذه الفترة، كان تدبير «الباركينغات» والتحكم فيها وتفويتها جزءا من اللعبة الانتخابية، وصمام أمان لحشد أكبر عدد ممكن من الأصوات، عبر التوزيع السخي لمأذونيات الوقوف على أشخاص وسماسرة وحراس لهم باع طويل في قلب الخرائط السياسية. كما كانت رخص كراء «المواقف» ريعا، ووسيلة للكسب السريع يقدم على طبق من ذهب لمنتخبين ومستشارين وموظفين بشروط تفضيلية جدا. هذه الوضعية استمرت، بأشكال مختلفة، على امتداد الولاية الأولى من نظام وحدة المدينة، إلى حدود 2009، وهي السنة التي قرر فيها مجلس المدينة منح حق استغلال وتدبير مرفق وقوف المركبات المؤدى عنه لشركة للتنمية المحلية تحت اسم «البيضاء للتنمية»، تتكلف بالقطاع بمجموع تراب الجماعة الحضرية بشكل حصري ودون استثناء. لكن، شاءت «رغبات» البعض أن يظل هذا القرار حبرا على ورق أكثر من خمس سنوات، استمر فيها تفصيل دفاتر التحملات الخاصة بكراء المواقف والمحطات وفق مزاج شركات/أشخاص بعينهم ظلوا يستفيدون من «الكعكة»، بغلاف مالي ظل يتدرج من أكثر من 766 مليون سنتيم سنة 2011 إلى 356 مليون سنتيم في 2013. دون احتساب 2012 التي «عفا» عنها بعض أعضاء المجلس السابق لأسباب واهية في إطار ما يسمى التمديد، بمعنى حرمان خزينة المدينة من أكثر من 3 ملايين درهم لفائدة الشركات التي استفادت من الصفقة في 2011. ״تمطيط״ القانون أكثر من ذلك، فإن الاستمرار في طرح دفاتر تحملات خاصة بكراء محطات التوقف هو إجراء غير قانوني لتناقضه مع المقرر 52/2014 لدورة أبريل 2014 الذي صادق بموجبه المجلس الجماعي على تعديل الوثائق التأسيسية والقانونية لشركة التنمية المحلية «الدار البيضاء للتنمية»، كما يتناقض مع المقرر الأم 42/2009 الذي يصادق على منح حق استغلال وتدبير مرفق وقوف المركبات المؤدى عنه لهذه الشركة بمجموع تراب الجماعة الحضرية بشكل حصري ودون استثناء. هذه الثغرة القانونية، لن تغيب دهاء «المشرع»، أثناء صياغة مشروع تدبير مرفق وقوف المركبات المؤدى عنه بين الجماعة الحضرية وشركة التنمية المحلية، حين أشار في الفصل الخامس إلى أن اتفاقية الاستغلال سيجري تنفيذها على نحو تدريجي وفق برنامج تقترحه الشركة باتفاق مع المصالح المختصة. ويعطي هذا الفصل الحق لهذه المصالح المختصة، التي ليست سوى مجلس المدينة، في تمطيط هذه التطبيق الكلي لهذه الاتفاقية على مجموع تراب المدينة إلى ما لا نهاية، بدليل أن مقرر الاتفاقية صودق عليه في 2009، أي قبل سبع سنوات، ولم تتمكن الشركة بعد من إنجاز المهمة بكاملها، ما يعطي «مبررا موضوعيا» لاستمرار «فاعلين آخرين» لتغطية النقص. هذا التردد في تطبيق الاتفاقية وتعطيلها سبع سنوات، يضعنا مباشرة أمام مشهد غير طبيعي لا يتنكر فيه مجلس المدينة لمقرراته واتفاقياته المصادق عليها فحسب، بل يعطي المبرر «القانوني والشرعي» للاستمرار في الممارسات السابقة نفسها، التي كان يشتم منها رائحة الريع والفساد وشبكات الزبونية والانتفاع على حساب مصالح الجماعة ورؤيتها التنموية وأموالها العمومية. وسطاء ووسطاء في المصادقة على صفقة الكراء، التي حازت موافقة عمدة المدينة المنتمي للعدالة والتنمية، سينكب مجلس المدينة على إعداد قرارات الاستغلال التي تتوصل بها الشركة الفائزة نهاية الشهر الجاري، لتنطلق عملية "الوزيعة" على وسطاء جدد تسلم لهم هذه المواقف مقابل سومة كرائية شهرية، قبل أن يقوم هؤلاء بتسليم "العهدة" إلى حراس وحارسات مهمتهم جمع الغلة يوميا بأسعار مزاجية في أغلب الأحيان، تصل إلى 5 دراهم، أو 10 في أماكن وأوقات معينة، علما أن دفاتر التحملات الأخيرة تحدد واجبات الوقوف في درهمين للدراجات النارية والهوائية والعربات، و3 دراهم للسيارات و5 للشاحنات. 54 محطة في مهب الريح ما بين 2011 و2014، انتقل عدد مواقف السيارات والدراجات والشاحنات القانونية (دون الحديث عن عشرات المحطات العشوائية غير القانونية التي سنعود إليها في حينها)، من 91 موقفا، إلى 62 كما هو منصوص عليه في دفتر تحملات 2014، ثم إلى 46 محطة فقط منصوص عليها في دفتر التحملات المعروض في 24 دجنبر 2015، قبل أن يعدل وتحذف منه 9 محطات ويعرض من جديد لجلسة 25 فبراير بـ37 محطة فقط. هذه المحطات التي كانت «تسقط» واحدة تلو الأخرى عند كل دفتر تحملات جديد (بلغ عددها 54 محطة ما بين 2011 و2016) تتحول بالتدريج إلى «باركينغات» محررة لا يدفع في مقابلها أي سنتيم، يتحكم فيها البعض بطرق مشبوهة، علما أن المصادقة على تعديل الوثائق التأسيسية والقانونية لشركة «البيضاء للتنمية» (التي يقول البعض إنها تستفيد من المواقف المحذوفة من اللائحة)، لم تجر سوى في دورة أبريل 2014. في دفتر التحملات المعدل، استغنى مجلس المدينة عن تسع محطات كبرى من أصل 46، كانت تدر على خزينة المدينة 292 مليون سنتيم، وهذه المحطات هي: محطة بجانب مقاطعة الصخور السوداء كانت تستغل بـ53 ألف درهم. محطة بشارع مصطفى المعاني كانت تستغل بـ180 ألف درهم. محطة زنقة السوق بالمعاريف كانت تستغل بمعية محطة ساحة المهدي بنبركة بـ870 ألف درهم. محطة الزهراوي أبو القاسم كانت تستغل بـ260 ألف درهم. محطة زنقة المامون أحمد كانت تستغل بـ 60 ألف درهم. محطة كراج كوميسرسي كانت تستغل بـ320 ألف درهم. محطة زنقة البئر الجديد كانت تستغل بـ183 ألف درهم. محطة بحر عمان كانت تستغل بـ93 ألف درهم. محطة المرأب الجماعي بزنقة الزاس كانت تستغل بـ900 ألف درهم، ولم تدرج منذ سنوات في دفاتر التحملات بذريعة «الإصلاح». أبو الرحيم: الصفقة نزيهة في وقت لاحق، خرج محمد أبو الرحيم (التجمع الوطني للأحرار)، للتعليق على أحداث الصخب بالقاعة، نافيا أن يكون حراس السيارات تقدموا بعرض عن طريق إحدى الشركات المشاركة في طلبات العروض، مشيرا، في حديث لـ»الصباح» إلى أن اللجنة المشرفة على طلبات العروض احترمت المساطر القانونية المعمول بها. بدليل، يضيف المتحدث، أن الصفقة قد رست على الشركة التي تقدمت بأكبر عرض، بعدما تقدمت بمبلغ 385 مليون سنتيم، في حين حلت شركة ثانية أخرى في الرتبة الثالثة بعد أن تقدمت بمبلغ 312 مليون سنتيم. وقال أبوالرحيم إن مبلغ كراء 37 محطة لحراس السيارات، ارتفع بنسبة تصل إلى 90 في المائة، إذ انتقل المبلغ من 210 ملايين سنتيم إلى 385 مليون سنتيم لمدة 10 أشهر المتبقية من السنة. يوسف الساكت

دولـة “الباركينغـات” بالبيضـاء

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

شبيبات اليسار ترفض ممارسة التسول

انهيار عمارة قيد البناء بالبيضاء

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات