على حين غرة، شدت المدينة الحمراء، إليها أنظار مرتادي شبكة التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، منذ نهاية الأسبوع الماضي، حيث نجح مراد، في تحويل أنظار عشاق كثيرين من كل ربوع البلاد عن بعضهم البعض، والتركيز على معشوقته خديجة، الفتاة التي تلخص لوحدها، مأساة عدد كبير من أبناء وبنات العمق المراكشي، المتسم بندوب، تخفيها صورة المدينة، وجهة دولية لاستجمام السياح والنجوم العالميين.كانت الساعة تشير إلى العاشرة من صباح الأحد الماضي، حينما فتح مرتادو «الفيسبوك» صفحاتهم، فوجدوا نقلا مباشرة، لحدث كبير: في مراكش شاب يدعى مراد، تسلق منذ الساعات الأولى للصباح عمود لاقط «الريزو»، مهددا بالانتحار، ولن يتراجع إلا بحضور خديجة. سرعان ما أطلق على الشاب لقب «فلانتينو»، قياسا على «القديس فالنتين» ومناسبة «عيد الحب»، وظلت تتقاطر عشرات التدوينات و»الفيديوهات» لمجريات المفاوضات معه من قبل أفراد أسرته ومسؤولي الأمن لثنيه عن الانتحار ولحظات تقديمه طلبات غريبة من قبيل علبة سجائر، ينتشي بدخانها في قمة اللاقط، البالغ علوه 40 مترا.ولما حلت الخامسة عصرا، وجاءت خديجة، ركزت عليها عدسات الهواتف، وانتشرت في الفضاء الأزرق «فيسبوك» صورها، فبدأ المرتادون يتهكمون، من فتاة في هيأة ولد، محت حياة التشرد ملامحها الأنثوية، ولما أطلقت في وجه مراد عبارتها بلكنة مراكشية: «غير طيح إلى بيتي... راك درت لينا الشوهة»، استغرب المرتادون لجفاف العبارة رغم شدة اللوعة.حصل مراد على باقة ورد، سلمتها له خديجة، استجابة لرغبة رجال الإنقاذ لا لأنها تؤمن بنجاعة مثل تلك «الأدوات» في تخفيف عمق جرح في الفؤاد سببته الأم لمراد لما رفضت تزويجه بخديجة، فأقسم أن يشهد العالم على مدى هيامه بها، فكان له ذلك وتراجع عن الانتحار، ثم تلقفه رجال الأمن فصفدوه، لكن دون أن تنتهي القصة. لقد انشغل الناس عن مصير مراد، بالمأساة الحقيقية، لما بدأت المعلومات تتقاطر لتظهر «القضية»، التي دخل على خطها المناضلون في «الفيسبوك» وبعض الشخصيات المهتمة بالشأن العام: خديجة، تتعمد انتحال هيأة شاب، لتحمي نفسها من أنياب الذئاب البشرية بشوارع التشرد في مراكش، لقد كانت فتاة جيدة وجميلة، لكنها غادرت بيت الأسرة هربا من جبروت الأب، وليست إلا نموذجا يسائل السياسات العمومية الخاصة بمعالجة ظاهرة التشرد والأشخاص المتخلى عنهم من قبل أسرهم.كانت مأساة التشرد القضية الأولى التي نالت نصيبا من النقاش «في برلمان الفيسبوك»، ثم تلتها الثانية: مساحة الفرجة التي خلقها مراد وخديجة في «عيد الحب»، بينت، مرة أخرى، أن جهاز الإنقاذ بالمغرب، محدود القدرات، سواء في الكوارث الطبيعية، أو في الحالات الفردية المعزولة، إذ لم تعرف الوقاية المدنية، طيلة 10 ساعات كيف تجهض محاولة انتحار، ما اضطر السلطات إلى الاستجابة لكل طلبات «فلانتينو».امحمد خيي