الديربي 119… كواليس الخطة الأمنية

تأمين 90 دقيقة يتطلب أسابيع من التحضير وقياس التوتر والحماس أربعة أسابيع من الإعداد، والتركيز على تجسيد مفهوم "الإنتاج المشترك للأمن"، الذي يعد من محاور الإستراتيجية الجديدة للمديرية العامة للأمن الوطني، واستحضار البعد الدولي للمباراة والظرفية الأمنية الدولية، كانت أبرز ملامح الخطة الأمنية للديربي 119 بين الوداد والرجاء، الأحد الماضي. هنا كوة ضوء حول التحضير الأمني لأبرز تجمع بشري تشهده العاصمة الاقتصادية. لم يكن تقليص عدد المصابين، إلى 12 شخصا، كلهم رجال أمن، في رقعة اجتمع فيها 70 ألف شخص، من شخصيات عمومية رفيعة ورجال أمن ومشجعين ولاعبين وإعلاميين، خلال مباراة الديربي، الأحد الماضي بالبيضاء، نتيجة قدر أو صدفة، بل كان وراءه تحضير أسابيع، لعبت فيه المديرية العامة للأمن الوطني، دورا محوريا، كان عنوانه الكبير: "الإنتاج المشترك للأمن"، واحد من المفاهيم الجديدة، التي جاءت في الإستراتيجية الجديدة للمدير العام الجديد. أكثر من جهاز في الظاهر، ثلاث تشكيلات أمنية، تحتل واجهة الصورة الأمنية في الديربي: القوات المساعدة، فرق مكافحة الشغب وفض التجمعات، والوقاية المدنية، لكن في الحقيقة، وهذا ما لم يعد يخفيه مسؤول أمني، يتولى مهام ذات طابع تنسيقي في تنفيذ الخطة الأمنية في تأمين الديربي البيضاوي، تشارك أغلب الأجهزة الأمنية الموجودة بالمغرب، الظاهرة منها والخفية، في عملية، تأمين المباراة الأكثر أهمية في البطولة الوطنية."الجميع معني وجميع التشكيلات الأمنية تشارك، بما في ذلك الدرك الملكي، والاستعلامات العامة للأمن الوطني"، يقول المسؤول، مؤكدا أن استقطاب مباراة الديربي، لعشرات آلاف المتفرجين، جعلها مناسبة تصنف أمنيا، "حدثا كبير المخاطر"، وصارت الخطط الأمنية التي تعتمد في تأمينه، تتعامل معه على أساس أنه "حدث دولي"، مع ما يعني ذلك من يقظة وحذر وحزم.ومادام أكثر من جهاز أمني يتدخل في العملية، فهذا يعني أنه لابد من التنسيق، لذلك لا يعد تدبير الشؤون الأمنية للديربي، من اختصاص ولاية الأمن بالبيضاء وحدها، بل يوجد إشراف مركزي مباشر من المديرية العامة للأمن الوطني. وهكذا نميز في تدبير العمليات الأمنية الخاصة بالديربي البيضاوي "غرفة العمليات على مستوى ولاية أمن البيضاء، بإشراف من والي الأمن، ونائبه، والطاقم المرافق لهما، وقسم الأمن الرياضي على مستوى المديرية العامة بالرباط".وقسم الأمن الرياضي، تم تشكيله في 2013، ويوجد على رأسه محمد بوزفور، ورتبته مراقب عام، التقته "الصباح" على حلبة ألعاب القوى بالمركب الرياضي محمد الخامس، الأحد الماضي، وقال إن قسمه يتكون من 33 خلية أمنية، بمثابة فروع للقسم في مختلف ولايات ومناطق الأمن على الصعيد الوطني، وبما يوازي خلية لكل فريق رياضي، في القسمين الأول والثاني.ويوجد على رأس كل خلية، عميد شرطة، يساعده ضابط، وتحت إمرتهما سبعة أطر على الأقل، مهامهم، مرافقة الفرق الرياضية في تنقلاتها، والتواصل مع فصائل "الألترات" الداعمة للفرق، ومواكبة تنقلاتها بين المدن، وجمع المعلومات وقياس منسوب التوتر بين محبي ومشجعي الفرق، عبر كل الوسائل المتاحة، ويمكن القول، إن تلك الخلايا، هي العين المباشرة للأمن على كرة القدم وشؤونها.وتشير معلومات استقصتها "الصباح"، من أكثر من مصدر، أن مباراة الديربي البيضاوي، يشرع التحضير الأمني لها، أربعة أسابيع قبل موعدها، وهو تحضير يشمل حتى تتبع ورصد نتائج وأداء الفريقين في باقي المباريات التي تجمعهما بباقي الأندية، قبل الديربي، لأن لأداءهما، وتموقعهما في الترتيب العام للبطولة، دورا في إعداد الخطط الأمنية الكفيلة بضمان السير العادي للديربي.ويدخل كل ذلك، ضمن منطق جديد لـ"إنتاج الأمن"، بالانتقال من مستوى "رد الفعل"، إزاء حدث يشهده الديربي، إلى مرحلة "الفعل" والمبادرة والاستباق، وهو التحول الذي انطلق أساسا في 2013، التاريخ، الذي يشير الأمنيون بالمغرب، أنه عرف تصاعد وتيرة العنف والشغب في الملاعب، وكان أشد تمظهر لذلك الارتفاع في منسوب العنف الرياضي، هو أحداث الخميس الأسود بالبيضاء، وهو العامل الذي انضاف إليه، إقبال المغرب على تنظيم واحتضان المنافسات الدولية ذات الاستقطاب الجماهيري الكبير.مربعات ومناطق في البيضاء، لمختلف الأقسام بولاية الأمن، والمناطق الأمنية على مستوى عمالات المقاطعات، دور محوري في تأمين مباريات الديربي، بمساهمة من القوات المساعدة والوقاية المدنية والسلطات العمومية، ووصل الأمر، حد تأسيس مفوضية أمنية، خاصة بمركب محمد الخامس، وقاعة مواصلات لاسلكية مستقلة وخاصة بالملعب. وليس "الديربي" وحده، الذي فرض ذلك، بل، لأنه، سواء تعلق الأمر بالوداد أو الرجاء، يكون المركب الرياضي، قبلة لحوالي 30 ألف شخص، تقريبا بشكل أسبوعي.وتفرض مباريات الفريقين، رسم الأمن لأربعة مربعات نظرية، تتموقع فيها التشكيلات الأمنية، المربع الأول وهو الصغير، وحدوده السور الخارجي للملعب، أما المدرجات، حيث يجلس الجميع، فهي في قاموس الخطة الأمنية "للديربي"، تسمى "مناطق أمنية"، على رأس كل واحدة عميد شرطة، يتولى تدبير شؤونها الأمنية، على رأس حصيص أمني مشترك، هي التي يصل معدل "سكانها" من المشجعين إلى حوالي 2600 فرد، بقسمة مجموع 60 ألف متفرج على 23 منطقة.كما تنشط في ذلك المربع، عناصر من الاستعلامات العامة، ويكون لها دور "استخباراتي"، وترصد أساسا الرسائل والصور والهتافات المنافية للقانون أو الممنوعة، وبفضل المعلومات التي تجمعها، يتم احتواء أي انفلات، بشكل استباقي، أو الوصول، مثلا، إلى مفجري أعمال الشغب. والمربع الأمني الثاني، هو محيط الملعب، وفيه تتوزع سياجات وتلاوين أمنية، تضم الدراجين والصقور وفرق الخيالة ورجال شرطة مرور، ليأتي المربع الثالث، لتكون حدوده هي نفسها حدود المنطقة الأمنية آنفا، وفيه تتحرك أجهزة ومصالح الأمن المختلفة، لتؤمن ذهاب وإياب المشجعين، انطلاقا من محطات الحافلات والقطارات و"الطرامواي، وتحرس المنشآت، وتراقب تحركاتهم، وتعزز الإحساس بالأمن في صفوف السكان.والمربع الأمني الرابع، يضم مختلف المناطق والدوائر الأمنية بالبيضاء، وفيه تتحرك فرقها، ويتجسد دورها أساسا، في استلام المهام من عناصر وفرق منطقة آنفا، عند الحدود معها، ومنها خفر الجماهير أثناء خروجها من الأحياء السكنية أو أثناء عودتها إليها، كما يجوز في الأخير، إضافة مربع أمني خامس، هو ذلك الذي يوجد خارج المدار الحضري، ويتحرك فيه الدرك الملكي، وأساسا عملية خفر حافلة الفريق الضيف، إن كان خارج البيضاء، إلى غاية تسليمها لدراجي الأمن الوطني، أو السهر على المواكبة الأمنية للجماهير القادمة من ضواحي البيضاء. إنتاج مشترك للأمن إذا كان علم نفس الحشود (بسيكولوجي دي فول)، نظرية تستحضر على نحو جيد، في التعامل مع جمهور الديربي البيضاوي، فقد انضاف إليها، في الفترة الأخيرة، مفهوم "الإنتاج المشترك للأمن"، وبصورة عامة، فهو يعني أن الأمن، صار يركز على أن يكون للجمهور دور في إنتاج أمنه.وتبعا لذلك، يمكن أن تكون قاعات الاجتماعات التابعة للأمن الوطني، الطاولة الوحيدة التي تجمع "الألترات" الرياضية من حولها، هي المعروفة دوليا، بتبادل العداء والتنافس والاحتكاك، إذ تضع مصالح الأمن الوطني في المغرب، من التواصل معها وحملها على حسن التعاون وتأطير أتباعها، مسألة أساسية، يحكمها منطق "المقاربة التشاركية".وإبان المباراة، كثيرا ما يتحسس "الكابو"، وهو الشخص الذي يعتلي منصة وسط الجماهير، ويعد بمثابة "المايسترو" الذي يوحد الشعارات والهتافات ويوجه الجماهير، رأسه في مركب محمد الخامس، إذ لا تغفله أعين الأمن، ويعول عليه كثيرا في تبليغ القرارات الأمنية الآنية إلى الجماهير، التي تأتمر بأوامره.وزيادة على الاجتماعات، صار الأمن يحضر أيضا، عمليات تحضير وإعداد الألترات للوحات التعبيرية التي سترفع قبيل انطلاق المباراة، كما صارت فرق أمنية، تبيت بدورها داخل الملعب، على غرار مبيت مسؤولي الألترات فيه، ليحرصوا لوحاتهم ويافطاتهم، سيما وأن أعراف "الألترات" عبر العالم، تعتبر مثلا، نجاح واحدة في سرقة أغراض الألترات المنافسة لها، "عارا وهزيمة".ويوجد الحكام أيضا، ومسؤولو الأندية والجامعة الملكية لكرة القدم، في قلب المقاربة التشاركية في إنتاج أمن الديربي البيضاوي، إذ تجمعهم اجتماعات مكثفة مع مصالح ولاية الأمن، ومع وزارة الداخلية، عبر ولاية البيضاء، ما يجعل من "الأمن" بطلا حقيقيا في الديربي البيضاوي. الظرفية الدولية أكد أكثر من مصدر أمني لـ"الصباح"، قبل وإبان مباراة الديربي 119، الأحد الماضي، أن الظرفية الأمنية الدولية، ألقت بظلالها على إقرار ورسم خطتها الأمنية، فشهدت، اعتماد إجراءات غير مسبوقة، فكانت المباراة عنوان حذر وحيطة.وفي هذا الصدد قام رجال الأمن، بتفتيش الجماهير بالكواشف الإلكترونية للمعادن، ووضعت حواجز أمنية قبل الوصول إلى الملعب بكيلومترات، كما تمت الاستعانة بالكلاب البوليسية المدربة، وتم تفتيش مدرجات الملعب ومرافقه قبل الديربي بثلاثة أيام.ومنع الأمن إدخال المحفظات والأغراض الثقيلة والأكياس البلاستيكية أو ما شابه ذلك، كما اشترط على من يريد ولوج مدرجات ملعب محمد الخامس، التوفر على تذكرة واحدة لكل فرد.وكان الديربي الأخير، أول مباراة اقتنعت فيها فصائل "الألترا"، بأن يواكب موفدون من الأمن تحضير "التيفوات"، وذلك قبل الديربي بأسابيع، درءا للسقوط في فخ أي شعارات تحريضية قد تكون آثارها خطيرة على الأمن العام. امحمد خيي

الديربي 119… كواليس الخطة الأمنية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصفقات العمومية... "من الخيمة خرج مايل"

القروض العقارية ... "الشراء ليس بثمن الكراء"

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات