الحمـد… مشروع يهدد بتشريد 4000 أسرة

حرمت من بناء منازلها منذ 18 شهرا والملف ما زال في ثلاجة العرقلة رافقت آلاف قرارات الهدم الصادرة عن محاكم البيضاء، آلاف الوقفات الاحتجاجية والاعتراضات وعشرات محاولات الانتحار، وجرت وديان دموع، غير أن الجرافات لا تملك قلوبا، فحين يصدر القرار تضرب بقوة، وتهدم في بضع ساعات مجمعا سكنيا كاملا. لم يرافق هذا السيناريو الحزين عملية الهدم في بوركون ودرب غلف، قبل أزيد من سنة ونصف، "خرجنا ضاحكين لاعبين"، تقول فاطنة غانم، أرملة عمرها 79 سنة، استفادت مع أسر أخرى من بقعة في إطار برنامج إعادة الإيواء، واعتقدت أنه بعد بضعة أشهر ستدخل شقتها الجديدة "ضاحكة لاعبة". الدموع التي لم تسكبها فاطنة أثناء عملية هدم بيتها القديم، تذرفها اليوم بأثر رجعي، بعد أن قضت سنة ونصف في غرفة صغيرة اكترتها ب600 درهم بعد هدم بيتها، "منين غادي نجيبها، أنا غير وحدانية، ومول الشكارة اللي كان غادي يبني لينا مشا فحالو"، تقول فاطنة، مفرجة عن هم البحث شهريا عن 600 درهم، في دموع انسكبت غزيرة. تستعمل فاطنة طرف منديل رأسها لمسح دموعها وهي تتساءل "واش العامل بايت سخون في دارو واحنا مانعنا من البناء؟ سيدنا دشن المشروع ويحساب ليه احنا ساكنين في ديورنا، والنص فينا مشرد".محن محنة فاطنة هي صورة صغيرة عن محن كثيرة ولدت يوم 24 يونيو 2014، التاريخ الذي هدم فيه آخر بيت في بوركون ودرب غلف، وطلب من السكان اكتراء شقق في انتظار اكتمال بناء بيوتهم الجديدة في مشروع الحمد بعمالة مديونة، "أن ترحل من بوركون ودرب غلف إلى "الثلث الخالي" بمديونة أمر تقبلناه بصعوبة، لكن أن نصبح مشردين نعيش في بيوت للكراء لا نقدر على أداء سومتها، أمر لا يمكن تقبله، لأننا انتقلنا من مستوى عيش إلى آخر، اليوم نعمل من أجل الكراء فقط" يقول محمد بوسكمان، ويضيف "شخصيا علي تدبر 100 درهم يوميا لضمان أجرة الكراء، أما باقي مصاريف العيش فقد اضطررنا إلى تغيير عادات استهلاكنا بشكل جذري، وتخلينا عن نصف الضروريات للبقاء مستورين في بيت الكراء".مهنة محمد، سائق هوندا، قد تسعفه في الحصول على 100 درهم تغنيه عن دعاوى الإفراغ، غير أن بوشعيب النقاش، اضطر إلى نقل زوجته وأبنائه إلى البادية بأولاد عمران، ليعيشوا مع عائلته، وبنى براكة في البقعة التي استفاد منها ليعيش فيها في انتظار الفرج، الذي لن يأتي إلا إذا أخرج المسؤولون عن تجميد عمليات البناء بمشروع الحمد بالبيضاء، الملف من ثلاجة العرقلة.تصدعات خرج مشروع الحمد إلى النور سنة 2014، وخصصت له أزيد من 1700 بقعة كل واحدة تصل مساحتها إلى 80 مترا مربعا، مرخص لأصحابها ببناء ثلاثة طوابق، استفادت منها أسر مرحلة من بوركون ودرب غلف في إطار برنامج إعادة الإيواء، وهو مشروع اجتماعي مائة بالمائة، غير أن هذه النسبة لم تعد مؤكدة بعد العراقيل التي واجهها المستفيدون، وهم يحاولون بناء عش الحياة، بعد أن جرب أغلبهم التشرد والإقامة في بيوت الآخرين أو مع الآخرين، في إطار التضامن العائلي."دشن الملك المشروع، وقدم له على أنه متكامل، وأن البنيات التحتية جاهزة، وها هي أمامكم انظروا إلى الطرق، ما أن مرت عليها الشاحنات، حتى ظهرت معالم الغش، أما قنوات الصرف الصحي، فإن الأشغال بدأت فيها أخيرا" يقول مصطفى بوماري، أحد المستفيدين، قبل أن يضيف "بعد تحديد البقع وإعداد ملفات المستفيدين، تحركت عجلة البناء، ومن سيتكلف به وكيف وغيرها من التفاصيل التي أخذت منا أوقاتا كثيرة، وبعد جهد توصل كل مستفيد إلى اتفاق مع مقاولي البناء، أو "مالين الشكارة"، إذ اشترط بعضهم الاستفادة من 50 في المائة من العقار، فيما اكتفى آخرون بنسبة أقل، وبدأت عمليات الحفر".من هنا اندلعت أول شرارة لمشكل يكاد يجهض مشروع الحمد الاجتماعي، وأخرت خروجه إلى النور، "تبين أن التربة غير صالحة للبناء بالمعايير التي حددها مهندسون تابعون إلى مكتب الدراسات، بل إن البعض بنى وفقها، وتحمل خسائر فادحة بعد أن تهاوت الجدران أرضا"، شهادة يزكيها رأي متخصص، إذ ورد في تقرير خبرة أنجزه خبير قضائي في الهندسة المدنية محلف لدى المحاكم المغربية، بعد انهيارات وتصدعات في حائط جانبي بني بالحجر الأصفر وفي الأعمدة المكونة من الخرسانة المسلحة بالبقعة رقم 1470 بتجزئة الحمد، (ورد في التقرير)، أن "الأشغال التي أنجزت من قبل رئيس الورش والمكلف بالبناء في أساسات البناية، تمت دون المعايير المعمول بها في مجال الدراسات، وتمت تحت تعليمات المهندس التقني أي مكتب الدراسات التقنية"، وأضاف التقرير، الذي أنجز بعد لجوء أحد المستفيدين إلى المحكمة، أن "رئيس الورش والمكلف بالبناء طبق حرفيا الإجراءات المنصوص عليها في التصاميم التقنية المنجزة من قبل المهندس التقني أي مكتب الدراسات التقنية "جيني ستروكتور". غير أن هذه التصاميم تضم عدة عيوب كما جاء في تقارير مكتب المراقبة "تيكنيتاس" منها "الحائط الجانبي المبني بالحجر الأصفر على علو يفوق ثلاثة أمتار قريبا عوض حائط من الخرسانة الحديدية، والردم المكون من الأتربة وسط الأساسات الذي لا يجوز استعماله".معطيات جديدة وحسب التقرير ذاته فإن مكتب المراقبة رفض أيضا هذه التصاميم نتيجة الطبيعة الجيولوجية لأرضية البقعة، التي لا تتلاءم مع أشغال البناء التي تنص عليها التصاميم التقنية، وأن رئيس الورش والمكلف بالبناء طبق الإجراءات المنصوص عليها في التصاميم التقنية المنجزة من قبل المهندس التقني مما خلف عدة أضرار في الأشغال المنجزة، وكلف خسائر تصل إلى 140 ألف درهم حسب التقرير ذاته.ما قيل في تقرير الخبير نفسه، ينطبق على باقي العمارات التي توقفت بها عمليات البناء، بل منها التي اكتملت وفق ما فرضه المهندس التقني نفسه، ليجد المستفيدون أنفسهم في مأزق بناء عشوائي جديد، "خسرنا الملايين رغم أنه مشروع اجتماعي، وبنينا بالمواصفات التي حددوها لنا، لكن بعد بضعة أيام من عملية البناء، تهاوت الأتربة تحت الدعامات، وتهاوت معها قنوات الصرف الصحي، لتنفجر داخلها" يقول كمال فركوش، أحد المتضررين. فيما تحدث مستفيد آخر، يقيم في براكة إلى جانب البقعة التي استفاد منها، عن سقوط الجدران التي بناها، وفق ما طلب منه، ومازال هو الآخر جالسا في براكة الانتظار.المشاكل التقنية التي ظهرت في العمارات الأولى التي تمكن المستفيدون من بنائها جعلت آخرين يوقفون أشغال البناء، ومنهم من منع بصفة نهائية وطلب منهم الانتظار، أو بمعنى آخر الصبر.بالنسبة إلى هذه الفئة، لن يكون الصبر فضيلة، لأن لا فضل في عيش حياة التشرد، وذل المبيت في براكة داخل المشروع، والتفكك الأسري والعمل ليل نهار لضمان سومة الكراء، "سنة ونصف في مقياس من يعيش حياتنا تعادل عشر سنوات، فعلى الأقل إذا دخلنا إلى بيوتنا سنوفر أجرة الشهر للقوت اليومي ولمستلزمات الأبناء من كسوة وتمدرس وغيرها، لكن في مثل هذه الوضعية، نتخبط في مشاكل اجتماعية كبيرة". تناقضات جماعة المجاطية أولاد طالب، وضعت نفسها في موقع الوسيط بين المستفيدين والعمالة، ونقلت مشاكلهم بأمانة في عدة إرساليات إلى العامل، توضح من خلالها، أن "عددا من أوراش البناء متوقفة تبعا لإرسالية العامل المدير العام للوكالة الحضرية التي تفيد أن البناء غير مطابق للتصميم وذلك ببناء قبو، علما أن الأمر يتعلق ب"vide sanitaire، موجود بتصاميم الخرسانة المسلحة التي أدلى بها عدد من المستفيدين منجزة من مكاتب الدراسات ومصادق عليها من مكاتب المراقبة»، وأضاف رئيس الجماعة أن هذه الوضعية دفعت مجموعة من المستفيدين إلى سحب التصاميم المرخصة، وأصبحوا يتوافدون باستمرار على مقر الجماعة مطالبين بتسوية الوضع، كما طالب المسؤول الجماعي العامل بدعوة جميع الأطراف المتدخلة في الملف خاصة الوكالة الحضرية وقسم التعمير بالعمالة والمهندس المعماري المكلف بالمشروع وشركة العمران وبعض المستفيدين، لحضور اجتماع من أجل إيجاد حل مناسب.موقف شركة العمران، جاء مختزلا على لسان المدير ...صادوق، إذ قال في اتصال هاتفي أجرته معه «الصباح»، إن «الشركة ليست مسؤولة عن منح التراخيص، كما أنه لا علاقة لنا بمنع أي مستفيد، وقد استقبلت شخصيا 60 مستفيدا من مشروع الحمد وشرحت لهم الأمر»، يقول المسؤول نفسه، ثم يضيف «القانون يسمح للمستفيدين بالحصول على تصاميم معدلة، وبعرضها على اللجنة المختصة، لكن هناك قرارا من والي البيضاء يحسم فيه في أمر بناء أقبية، إذ أنه قرر بعدم السماح ببناء أقبية في هذه المشاريع، لأن ورقة الأقبية حيلة يستغلها مقاولو البناء الذين يساعدون المستفيدين، ليستفيدوا من حصة أكثر، ويستغلوا هذه الأقبية، إذن فالمسألة هنا لا تتعلق بالمستفيدين بل بشركائهم وهم من يدفعهم إلى الاحتجاج».استمع المستفيدون إلى كل الآراء، قبل أن يطالبوا برأي المهندس المعماري المشرف على المشروع، فهو بالنسبة إليه رأي لا يعلى عليه، لأنه رأي مهني وعلمي وتقني ولا يمكن أن يكون رأي آخر أكثر دقة منه، «لجأنا إلى المهندس الكبير، وكان له رأي واضح وهو بناء أقبية لتجاوز مشكل الأتربة غير الصالحة».وهو الرأي نفسه الذي عبر عنه المهندس في اجتماع رسمي ساخن احتضنته عمالة مديونة، نقلت تفاصيله مصادر مطلعة، مؤكدة أن المهندس وجه أصابع الاتهام إلى مسؤولين بالعمالة، بعرقلة مشروع اجتماعي دشنه الملك، بعد أن أوضح رأيه المهني فيه وفي مشروعية مطالب بناء أقبية مادامت التربة غير صالحة للبناء إلا وفق شروط ستكلف المستفيدين أزيد من 120 ألف درهم، ما سينفي عن المشروع صفة «الاجتماعي». شكـاوى وهم يذرفون دموع «الحكرة» لم يتحدث المستفيدون عن ضياع السلع التي اقتنوها وبقيت عرضة للضياع في الشارع، إلى أن تلاشى بعضها، وضاع ما ضاع منها، ولا عن قضية منعهم من الحل الأنسب للجميع وهو بناء أقبية، كما في مشروع الفضل المجاور لهم، ولا عن التلاعب بهم وتقاذفهم ككرة من مكتب إلى آخر، بل تحدثوا عما أسموه خروقات أخرى، ضمنها إلزامهم بعملية التسجيل والتحفيظ في مكتب توثيق واحد. كما تحدثوا عن الأداء عن التصاميم إلى مكتب الدراسات، رغم أن هذا الأخير تقاضى أتعابه عن هذه المهام من شركة العمران، كما تحدثوا عن عمليات «ابتزاز» للحصول على تصاميم معينة، إذ تتراوح المبالغ المفروضة ما بين 1200 درهم و3000، عدا أداء 2500 درهم عن اتفاقية الشريك، وأداء 4000 درهم عن الترخيص رغم أن المبلغ محدد في 500 درهم، وغيرها من النفقات والمصاريف الإضافية التي تحملتها 4000 أسرة بالإضافة إلى المبلغ الأولي المحدد في أربعة ملايين سنتيم.ولم تتحمل هذه الأسر تكلفة اجتماعية واقتصادية ثقيلة فحسب، بل أيضا أدت ثمن خرق سياسي، بعد حرمانها من التسجيل للتصويت في الانتخابات الأخيرة، وبذلك حرم أزيد من 12 ألف مواطن من حق المشاركة في الانتخابات. ضحى زين الدين

الحمـد… مشروع يهدد بتشريد 4000 أسرة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الحبس لمسؤولة بالجمارك توسطت لتاجر مخدرات

تلاعبات في صفقة لـ"كازا طرامواي"

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات