المواطنة المغربية… صيحة في واد!

حقوق معطلة وواجبات معلقة نتيجة الهوة بين الخطاب والممارسة رغم أصولها التاريخية وتطورها في فضاءات الحرية في المجتمعات القديمة، فإن فكرة المواطنة ستتخذ تمثلاتها الكبرى مع حدث الثورة الفرنسية في 1789 وما حملته من قيم ومبادئ ستحدث تحولا في المجتمعات المعاصرة. لقد أفرز هذا المنعطف السياسي في فرنسا، تحولات كبرى كان لها الأثر على إعادة بناء مجموعة من الأفكار التي دونتها نصوص وتشريعات قانونية سوف تغزو العالم، وتتخذ شكل مواثيق تسمو فوق القوانين الداخلية للدول، أحيانا، بصفتها تعبر عن مشترك إنساني مرجعي يقود نحو إعادة بناء العلاقة بين الدولة والمجتمع على الحقوق والواجبات، بصفتيهما قواعد مؤسسة لقيم المواطنة. لم يقف الأمر عند التأصيل القانوني لفكرة المواطنة بل ربطت الثورة الفرنسية المواطنة بدفع الضرائب. وقد ميزت الثورة الفرنسية بين المواطن الفاعل والمواطن السلبي، وهكذا أخذت فكرة المواطنة بعدا ماديا أيضا.في المغرب، انتبهت الدولة إلى أهمية المزاوجة بين الحقوق والواجبات في مسألة تحقيق المواطنة. ففي القانون الأسمى للدولة ورد التنصيص على حقوق الأفراد تجاه الدولة سابقا للإشارة إلى واجباتهم حيالها. وقد ميز الدستور بين الحقوق السياسية مثل حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي، وتأسيس الجمعيات، والانتماء النقابي والسياسي، ومنها الحق في التصويت وفي الترشح للانتخابات وحق التمثيل داخل الهياكل المنتخبة. وبين الحقوق المدنية والاجتماعية، من قبيل تسيير استفادة المواطنين والمواطنات، على قدم المساواة، من الخدمات العمومية منها الحق في العلاج والحماية الاجتماعية والتعليم والتنشئة على التشبث بالهوية المغربية، والثوابت الوطنية الراسخة والسكن والشغل والدعم من طرف السلطات العمومية. وقد ركزت الحقوق الثقافية للمواطَنة المغربية على الحق في الانتماء إلى الهوية الوطنية بروافدها المتعددة. في الشق المتعلق بالواجبات، ربط المشرع الدستوري المغربي بين واجبات المواطنة واحترام الدستور والتقيد بالقانون والمساهمة في الدفاع عن الوطن ووحدته الترابية تجاه أي عدوان أو تهديد، والمساهمة في تحمل التكاليف العمومية (الضرائب) بصفة تضامنية.إن استعادة صك الحقوق والواجبات التي بنت عليها التشريعات المغربية تنظيم فكرة المواطنة، يثبت أن في المغرب انفصاما كبيرا بين الخطاب والممارسة، فعبارة المواطنة ترددت أكثر من عشر مرات في الدستور وتتكرر يوميا في الخطابات الرسمية الملكية والحكومية وفي النقاشات العمومية، وحتى الوصلات الإشهارية أخذت المواطنة مساحة خاصة فيها. بالمقابل، تكشف الممارسات اليومية أن "لا حياة لمن تنادي"، بسبب الهوة التي توجد بين النص والواقع بشكل يجعل الحديث عن مواطَنة مغربية مثل صيحة في واد. فإذا كانت المواطنة ترتب لحاملها حقوقا مدنية وسياسية وثقافية واقتصادية، فإنها تنشئ عليه واجبات من قبيل دفع الضرائب للدولة وتطبيق واحترام القوانين وواجب الدفاع عن الوطن. وعليه فإن المواطنة لا تعني فقط انتماء إلى الأرض/ الوطن، لأن هذا الانتماء لا يكتمل معناه إلا بتحقق شروطه.في الكثير من التقارير يتم الاحتكام إلى مؤشرات المواطنة لقياس مستويات التنمية والتحضر داخل البلد، وهي مؤشرات لا تخرج عناصرها عن قائمة الحقوق والواجبات التي ورد التنصيص عليها في القوانين المغربية، وهنا تكمن مفارقة استمرار وجود المغرب في ذيل الترتيب في كثير من هذه التقارير (خاصة تلك المتعلقة بمؤشرات التنمية والحقوق السياسية عموما)، فبين القوانين وتطبيقاتها على أرض الواقع يوجد خيط رفيع يحدث حالة من اللبس تزكيها النظرة الاختزالية لمثل هذه التقارير التي تحكمنا.إحسان الحافظي

المواطنة المغربية… صيحة في واد!

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

اللامواطنون... جمع بصيغة المفرد

ميكروتروتوار

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات