اللامواطنون… جمع بصيغة المفرد

"ناقشون" على الحيطان وكارهون للنظافة ومراوغون ومكسرو طوابير انتظار لم يكن مقطع الفيديو القصير، الذي تداوله نشطاء المواقع الاجتماعية، قبل أيام، ويظهر "حتروفا" يتغوط تحت واقية شباك أوتوماتيكي، آخر "الهم" في مسلسل القرف الذي تُصور مشاهده، يوميا، في أحياء ومدن تحولت إلى "مارستانات" مفتوحة لمجوعات من المخبولين وحمقى يأتون سلوكاتهم وغرائزهم المتخلفة جهارا دون إحساس بالعار، أو بوجود إشارات وضوابط وعلامات تشوير وقوانين ينبغي احترامها.في المغرب، مازالت واجهات المباني والعمارات وأسوار الحدائق والفضاءات العمومية تطلى بتلك الكتابات الرديئة التي تطلب من أصحاب المتانات المنتفخة جعة رخيصة الكف عن التبول. وفي كل مرة، يتطوع السكان، الذين قهرت "أجداد آبائهم" الروائح الكريهة، لطلاء الجدران بالجير وإزالة آثار العدوان، يأتي من ينغص عليهم هذه الفرحة التي لا تدوم إلا ساعات، ويخرج "شيأه"، ويشرع في نشر قذارته من جديد، متمايلا ومنتشيا على إيقاع آخر مقطع غنائي ودع به حانته. في بعض الأحيان، يقرر بعض القاطنين رفع سقف الغضب، ويرفقون عبارة ممنوع البول بكلمتي "أيها الحمار" أو "ولد الق..."، حتى إذا انتبه إليها المتربص لحيطانهم، وضع رأسه بين كفيه وانسحب بهدوء بحثا عن مكان "ألطف"، قبل أن يفاجأ السكان بتزايد عدد الملوثين مباشرة بعد تعليق الإعلانات الجديدة، ومبررهم في ذلك أن النداء موجه إلى "الحمير وأولاد القـ..."، وهم غير معنيين به، لأنهم ليسوا كذلك.من فرط التبول في الأماكن العمومية وأسفل أسوار المعالم الأثرية وخلف الحدائق والعمارات السكنية وأوراش البناء المهجورة، ارتفعت أعداد المباني الآيلة للسقوط من فرط الملوحة والعطانة التي تنخر أساساتها، ويتسبب فيها "مواطنون" يعشقون قضاء حاجاتهم في الهواء الطلق، لأمر غير مفهوم.في سياق العطانة نفسه، توجد فئة من "المواطنين" لهم علاقة متوترة مع الأزبال والنفايات ولا يرتاحون "نفسيا" إلا في وجود ركام من القاذورات يؤثت أحياءهم وشوارعهم وأزقتهم. مثل هؤلاء يؤمنون بمقولة "شطب باب دارك وألق الأزبال أمام باب جارك"، وهي عادة مترسخة في عقول عدد من المغاربة، بمختلف مواقعهم وفئاتهم الاجتماعية، لا يكفون، طوال، النهار، عن إلقاء النفايات من سياراتهم ورمي أكياس القمامة في الشارع، ونفض السجادات فوق رؤوس المارة من الشرف العالية، وصب مياء الغسيل والصابون في الزقاق، رغم وجود مجار للواد الحار.مراوغو الجباة ومراقبي التذاكر يعتبرون أنفسهم أذكياء فوق العادة، ويستطيعون أن يقطعوا مسافات في طريق "الفهلوة" دون أداء سنتيم واحد، بينما في الواقع هم مجرد "أغبياء" يمتهنون كرامتهم يوميا ويسقطون في عيون مسافرين آخرين لن يقبلوا أن يكونوا في المستوى نفسه، دون الحديث عن شوهة "التبهديل"، كلما وقعوا في مصيدة "الكونطرولور".والأفظع منهم، الذين يعتبرون طوابير الانتظار في محطات القطار والحافلات وسيارات الأجرة، مجرد أصنام وتماثيل، وهم "الفاتحون" المكلفون بهدمها وتدميرها. مثل هذه النماذج أكثر من أن تحصى، ويندر ألا تعثر على واحد منهم، بعينين غادرتين، يتربص، مثل جارح، بطابور انتظار، مستغلا أي فجوة لــ"الاندماج" فيه، قبل أن يركز في نقطة واحدة في السقف، كأنه يتأمل شيئا ما، والحال أنها طريقته في عدم لفت الانتباه إليه من قبل المنتظرين.وحين يطمئن إلى فعلته، يشرع في الصراخ بصوت عال، مطالبا بتسريع وتيرة العمل في أكشاك التذاكر، ليتحول في لحظة إلى "بطل قومي"، يفسح له آخرون الطابور ليتقدم خطوات إلى الأمام. هناك فئة ثانية، لا تهمها هذه الشكليات، حين يعتبر أحدهم الطابور خلق للأشخاص الذين لا شغل لهم، وهو ليس منهم، وعليه أن يفرد جبهته الصلدة للدوس على قيم التربية والأخلاق والاحترام للوصول إلى غايته في أقرب زمن ممكن، ولا تهمه التفاصيل، لأنه إنسان متخلف بكل بساطة. حاوية القمامة... العدو اللدود في استطلاع ميداني، قامت به "الصباح"، قبل ثلاث أشهر في مختلف مقاطعات البيضاء، وقفت على حقيقة مرة، حين اكتشفت أن أكبر مشكل تعانيه المدينة، ليس رداءة الخدمات التي تقدمها شركات النظافة، وضعف التجهيزات والآليات وغياب خطة عمل، بل عقلية متخلفة يعتبر أصحابها حاوية القمامة عدوهم اللدود الذي ينبغي القضاء عليه، وسلاحهم الفتاك في ذلك رمي أكياس ودلاء الأزبال خارجها أو بجانبها، والنتيجة في محيط كل "بركاصة" تمة مطرح صغير يزكم الأنوف."الناقشون" على الحيطان، والمتخاصمون مع حاويات القمامة، تجدهم في كل مكان، يتسابقون على اقتراف البشاعة وإنتاج صور التخلف، بدءا من "السليت" في الحافلات والقطارات، والتحايل على طوابير الانتظار في الإدارات العمومية ومحطات الوقوف، وليس انتهاء بالوقوف أمام قضاة المحاكم لتمثيل دور "شاهد ما شفشي حاجة". يوسف الساكت

اللامواطنون… جمع بصيغة المفرد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

التهرب الضريبي "شطارة وفهلوة"

المواطنة المغربية... صيحة في واد!

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات