البكـارة المطاطيـة تقتـل

حكاية سارة ״عروس سطات״ أو موؤودة مجتمع ״اعطيونا سروالنا״ أشعل الخبر المواقع الإلكترونية للأخبار المحلية والجهوية لسطات، لكنه لم يشعل نار الأسئلة والاحتجاجات فيها، لتحرق التقاليد التي مازالت تضع "الشرف" في كفة وغشاء البكارة في كفة أخرى. فالمدينة أبانت مرة أخرى أنها تسير بالسرعة القصوى نحو البداوة، ليس فقط بتهميشها وتحويلها إلى شبه قرية، بل أيضا بإحيائها عادات قديمة، تجذب على إيقاع "اعطوينا سروالنا بغينا نمشيو فحالنا". مر حوالي أسبوع، على وفاة سارة أو الضحية التي أصبحت تعرف في مواقع التواصل الاجتماعي ب"عروس سطات"، ولم تخرج أي جمعية حقوقية أو نسوية ببيان، أو بكلمة تضامن، أو بسؤال "هل مازالت البكارة المطاطية تقتل في المغرب؟"، "في السابق، كانت النساء تفعلن كل ما بوسعهن للتستر على الأمر، سواء كانت الفتاة بكرا أم لا؟ أما ما نراه اليوم فهو تدشين لمرحلة خطيرة، مرحلة جرائم الشرف"، تردد فوزية عسولي، رئيسة فدرالية الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة، وهي على متن سيارة، متوجهة إلى سطات، للبحث في قضية سارة سلامة. "أشنو هذا؟ أشنو هذا؟" ظلت تردد طيلة الطريق، كما لو أنها تسترجع شريط المحن التي مرت منها العروس الصغيرة، قبل أن ترقد في غرفة الإنعاش لسبعة أيام، وتسلم الروح، كما أسلمت المقاومة وهي تدافع عن نفسها أمام الزوج وأقاربه والعائلة الكبيرة، وقبلهم المجتمع الذي لا يعترف إلا بقطرات الدم. "خاصنا نفضحو هاذ الشي. ما نسكتوش". تتوقف العسولي أمام القيادة الجهوية للدرك الملكي. تسرع الخطى. لم يتأخر موظف الإرشادات في نقل الرسالة، لتفتح كل الأبواب أمام مناضلات الفدرالية وموفدي "الصباح"، "تفضلوا تفضلوا...". يبحث مسؤولون في الدرك عن الكراسي هنا وهناك، وما هي إلا بضع دقائق عرفوا خلالها موضوع الزيارة، حتى تحركت الهواتف من مكتب خلية العنف، التي تضم دركيات أيضا، "غير ممكن، لم نسمع بهذه القضية"، يقول المسؤول الدركي، قبل أن يتوصل إلى أن القضية لا توجد في النفوذ الترابي للدرك الملكي، لتنتقل العسولي بالسرعة نفسها نحو محكمة الاستئناف، وتجر معها أسئلتها الثقيلة، غير أن عم الضحية سيقطع هذه الرحلة القصيرة، بحكاية طويلة لم يظهر منها إلا رأس جبل الجليد. جنون البقر... "الشرف ديالها ثلاثة أنواع"، بهذه العبارة افتتح عم العروس، التي توفيت، ليل الثلاثاء الماضي، بعد سبعة أيام قضتها في غيبوبة بغرفة الإنعاش بمستشفى الحسن الثاني بسطات، حديثه. "الشرف ديالها ثلاثة أنواع"، يكرر الرجل، ويقصد بذلك أن أنواع البكارة ثلاثة، "وشرف ابنتنا كان من النوع المطاطي"، تستفز العبارة فوزية العسولي، فتحاول جاهدة أن تعيد المفاهيم إلى مكانها الطبيعي، "واش الشرف دابا هو البكارة؟"، إلا أن الرجل، يتخذ وضعية الدفاع، ليشرح "لا دابا غير بغيت نشرح أشنو وقع لابنتي، حيت سارة كبرت وقرات في داري هنا في سطات ماشي في العروبية". تزوجت سارة سلامة، البالغة من العمر قيد حياتها 19 سنة، والتي حصلت على الباكلوريا السنة الماضية من ثانوية الرازي بسطات، يوم السبت 3 أكتوبر، "أقمنا لها عرسا كأي عائلة معروفة وكبيرة، خاصة أنها قبلت بالزوج، الذي أتاني به صهره المقيم في فرنسا، وتعرفنا عليه وعرضنا عليها الفكرة، وطبعا بعد لقاء بينهما قبلت به، وتوكلنا على الله". كأي عروس مغربية، اختالت سارة في لحظات الفرح، وفي حرير "التكاشط" و"القفاطن"، وبريق التيجان، وتألق ألوان "الماكياج"، وعبارات حب كان العريس، المهاجر المقيم بإيطاليا، يهمسها بين اللحظة والأخرى في أذنيها، غير أن نهاية اليوم لم يكتب لها السعادة، "أخبرني العريس أنه حجز غرفة في فندق بمراكش، وأنه سيغادر مع زوجته. طبعا باركت ذلك، ولم نسأل عن التفاصيل" يحكي العم، أحد ممثلي الجالية المغربية المقيمة بإيطاليا، قبل أن يضيف "اعتقدنا أنهما سافرا بالفعل، لكنه أخذها إلى البيت مباشرة في سطات، ولم نعلم بذلك". وهي مرتدية فستانها الأبيض، جلست سارة على حافة السرير، وهي تنتظر أن تسلم جسدها كما أسلمت رضاها ونبض قلبها لشريك الحياة، وفي رأسها تتلاطم كل النصائح التي تلقتها من الصديقات والقريبات، ومن الأمهات والجدات وكل اللواتي دفعهن فضول التقاليد إلى رسم خريطة أكثر اللحظات حميمية بين العروسين في أول لقاء جنسي لهما. لم تنفع كل النصائح في فك كرة الخيوط التي التفت حول عنق سارة لحظة عجز زوجها عن افتضاض بكارتها، ليرميها برصاصة حكم مطلق، ويصوب أخرى على رأس شرف العائلة. تركها باكية مستجدية في غرفة النوم، وهو يوجه إليها أقبح النعوت، هاتف صهره، "هذا الصهر هو الكارثة الكبيرة التي حلت بهذا الزواج، لولا تدخله لما كنا وصلنا إلى هذا الحد، لكنه ضغط على العروسين بشدة، حتى بث في زواجهما سم التفرقة من أول يوم". تلاشى حلم السفر لقضاء شهر العسل في مراكش الحمراء، وحلت مكانه كوابيس البكارة المطاطية، فحتى سارة نفسها تجهل أن للبكارة عدة أنواع. كمتهمة اقتادها الزوج، المهاجر المقيم بإيطاليا، وصهره المقيم بفرنسا، إلى مصحة الزيتون، وعاملاها معاملة المجرمين، "حتى الطبيبة شهدت أن سارة كانت بكرا، وأن نوع الشرف ديالها مطاطي، ولكنهما لم يصدقاها، بل إن الزوج ربما لو كان وحده لاقتنع، غير أن صهره كان يحرضه، ويذكي فيه نار الغضب". بعد إعادتها إلى البيت، عنف العريس عروسه، وحاول إرغامها على الاعتراف بما يعتبره ذنبا، وجريمة في حقه، غير أنها تمسكت بأنه أول شخص تسلمه جسدها، وأقسمت أنها بكر. توالت الساعات وتولدت من رحمها ساعات أخرى، فكرت فيها العروس الصغيرة في الانتحار، خاصة أن تهديدات الزوج لم تتوقف، "فكرت في سمعة العائلة وأقنعها أن والدها وأعمامها وأشقاءها سيصدقونه، وخافت لذلك لم تلجأ إلينا لحمايتها، فهي تعرف مكانة عائلة سلامة في سطات وفي أولاد حريز"، كما تعرف أن المجتمع المحيط بها يصاب بجنون البقر عندما يتعلق الأمر بالبكارة. في اليوم الثالث نقلت العروس إلى مقهى في منطقة نائية ببرشيد، حيث جلس الصهر والعريس قبالتها، وشرعا في استنطاقها بعنف، "كان الصهر يلعب دور المحقق العنيف، وهو يوجه إليها عبارات سب وشتم ويلعن الدين والعائلة. ضغط عليها حتى لم تعد تحتمل، كما أخبرتني قبل وفاتها". يضيف العم، فيما كان الوالد المكلوم يجوب ردهات المحاكم وممرات ولاية الأمن بحثا عن السبب الحقيقي لوفاة ابنته المفاجئة. "أخبرتني سارة أن زوجها يظهر أحيانا سلوكات عادية، وكأنه يقترب من الاقتناع بأن بكارتها مطاطية، غير أنه ما يتصل به الصهر أو يأتي حتى يتغير ويتحول إلى شخص آخر". هروب الموؤودة... في اليوم الثالث قررت العروس الهرب، معتقدة أن أسرتها لن تنصت إلى شكواها، وأن نوع بكارتها لن يشفع لها عندها، كما لم تشفع إنسانية الموؤودات في عصر الجاهلية، لهن عند مجتمع الذكور، فأدركت سارة أنها ستدفن حية. أحضر الزوج أنبوبا بلاستيكيا، أشهره في وجها مهددا، "غادي غير نخرج من الحمام وتشوفي، فكري مع راسك دابا وقولي شكون هذا اللي كنت معاه"، هذا ما ردده الزوج على مسامع سارة قبل أن يهم بالاستحمام، حسب ما روته لعمها، "خافت بزاااااف"، يقول عبد الحفيظ سلامة، ثم يضيف "من شدة خوفها اكترت سيارة أجرة كبيرة، ودفعت للسائق لأن ينقلها وحدها إلى برشيد، وهناك قصدت محلا لبيع العقاقير، وطلبت قرصا ساما، إلا أن التاجر أدرك أنها مقبلة على محاولة انتحار، لذلك حاول تهدئتها وتمكن من إقناعها بالعدول عن فكرة الانتحار". بعد أن تراجعت عن فكرة الانتحار، فكرت سارة في السفر إلى مراكش، لذلك هاتفت صديقتها، وطلبت منها الالتحاق بها، غير أنها أقنعتها بالعودة إلى سطات، قبل أن تجري اتصالا بعم الضحية، لمعرفتها بمكانتها عنده، "عادت واستقبلتها في بيتي، عانقتها، وبكت طويلا، قبل أن تحكي لي بالتفاصيل ما جرى، وحينها أدركت أنها مظلومة، وحينها كنا قد استدعينا إلى الدائرة الأمنية الثانية، لأن العريس قدم ضدنا شكاية، في الوقت الذي لم نكن نعلم فيه أصلا ما وقع، ولا سبب هرب سارة". عودة الوداع... انتحبت سارة وهي تحكي لعمها تفاصيل الجحيم الذي احترقت فيه ملايين المرات، وهي تدافع عن نفسها، إلى أن فقدت الأمل،"لم أخرج من البيت، لازمتها من الساعة الحادية عشرة صباحا إلى الحادية عشرة ليلا. حتى الصلاة أديتها في البيت. رفضت أن تأكل، وبقيت على هذا الحال إلى أن أكدت أنها ستنام، حينها قالت لي "تشهيت ناكل غير شي عسل"، وتذكرت أني أحتفظ بهدية من صديق، عبارة عن قنينة عسل حقيقي، منحتها لها، تناولت منها قليلا، ثم نامت". بعد ساعتين من النوم ألمت بالشابة نوبة غريبة، "كان صدرها يهتز، ولأني إمام وخبير بأمور الصرع، فقد حاولت قراءة القرآن عليها، لأكتشف أن الأمر أخطر من ذلك". نقل العم وباقي أفراد الأسرة سارة إلى مستعجلات مستشفى الحسن الثاني، حيث خضعت لإسعافات أولية، غير أنها لم تستجب لأي تدخل طبي، "أخبروني أن حالتها خطيرة، ليدخلوها إلى غرفة الإنعاش، حيث قضت حوالي سبعة أيام في حالة غيبوبة، إلى أن أعلن الأطباء وفاتها الثلاثاء الماضي". وفيما أكدت مصادر طبية أن جثة سارة لم تكن تحمل أي آثار عنف جسدي، وأشارت النتائج الأولية للتشريح إلى أن الضحية قضت نتيجة تسمم، يحتاج الأطباء إلى تحاليل مخبرية أخرى لتأكيد نوعه، وأسبابه، فإن مصادر أمنية أشارت إلى أنه تم حجز وثائق الزوج الرسمية، بما فيها جواز سفره، وأكدت أنه ممنوع من السفر إلى غاية استكمال البحث، الذي يشرف عليه الوكيل العام لاستئنافية سطات. أنصتت مناضلات الفدرالية إلى قصة سارة، وفي قصتها حضرت أطياف فتيات أخريات لقين المصير نفسه، بسبب بكارتهن المطاطية، وقفن على بداية طريق "جرائم الشرف"، "لا نعرف بعد إن كانت سارة ماتت نتيجة نزيف داخلي في الرأس، أو بسبب تسمم أو ...ولكننا نعرف أن السبب الحقيقي وراء وفاتها هو اختزال المجتمع للشرف في غشاء بكارة، أظهرت الدراسات العلمية أن حتى الرجال يتوفرون عليها". إنجاز: ضحى زين الدين

البكـارة المطاطيـة تقتـل

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"موسيقى بدون تأشيرة" في نونبر

"الكاطو أمريكان" يتفوق على القالب الكلاسيكي

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات