التبرع بالأعضاء … أرقام مخجلة

عوائق مادية وقانونية وثقافية تحول دون تحقيق المبتغى إنجاز: إيمان رضيف قبل أيام على تخليد اليوم العالمي للتبرع بالأعضاء، الذي يصادف 17 أكتوبر من كل سنة، أعلن مسؤولو المستشفى الجامعي محمد السادس بمراكش، عن مبادرة إنسانية لأفراد أسرة طفلة فارقت الحياة، أخيرا، مؤكدين أنهم تبرعوا بأعضاء ابنتهم، لتنقذ بذلك حياة خمسة أشخاص آخرين. أراد أفراد الأسرة أن تستمر أعضاء ابنتهم في أداء وظائفها حتى لو لم تكن داخل جسدها الصغير، وتكللت عملية زرع القلب بالنجاح، وتمكن المستشفى الجامعي محمد السادس من إنجازها في أحسن الظروف، فيما وهبت كليتا الطفلة لشابين أحدهما من مراكش وآخر من الدار البيضاء. كما كان لخطوة الأسرة، الفضل في استعادة رجل في الخمسينات من عمره الأمل في رؤية الحياة بشكل أفضل، بعدما تبرعت له بالقرنية، فيما تبرعت بالكبد لشابة في مقتبل العمر. نتائج ضعيفة رغم أن المغرب كان سباقا على المستوى المغاربي في مجال زرع الأعضاء والأنسجة، حسب تأكيد وزارة الصحة، مازالت الأرقام المسجلة في ما يتعلق بالتبرع بالأعضاء وزرعها ضعيفة ولا ترقى إلى التطلعات. وكشفت الوزارة أن المغرب شهد إجراء أول عملية زرع الكلي على المستوى المغاربي خلال 1985 بالبيضاء، وعملية زرع القلب في 1995 بالمركز الاستشفائي ابن سينا بالرباط، كما أجريت أول عملية لزرع النخاع العظمي بالمركز الاستشفائي ابن رشد سنة 2004. أما زراعة القرنية فلم يبدأ العمل بها إلا سنة 2009 رغم سهولتها التقنية، وذلك لعدم توفر المغرب آنذاك على بنك للأنسجة. ويعترف المهنيون بأنه رغم المجهودات المتخذة للإقلاع بمجال زرع الأعضاء والأنسجة، تبقى النتائج ضعيفة مقارنة مع الدول المجاورة والدول المتقدمة، فعلى سبيل المقارنة، سجلت 125 عملية لزرع الكلي و5 عمليات لزرع الكبد بين عامي 2012 و2014، في حين تقدر الأرقام المسجلة في فرنسا على التوالي بـ 9105 و3181 لزرع لكلي وزرع الكبد. وفي هذا الصدد وصلت نسبة المتبرعين من بين المانحين الأموات إلى 0.4 لكل مليون شخص في المغرب مقابل 24.8 في فرنسا. قوانين صارمة من أجل تفادي أي مشكل يمكن أن يحول دون التبرع بالأعضاء، ومن أجل تنظيم العمليات، وضعت ترسانة قانونية، وهي نتيجة عمل الفاعلين والعاملين بالمنظومة الصحية، والفقهاء وهيآت التشريع المغربي، تشمل علاوة على القانون رقم 16 98- المتعلق بالتبرع بالأعضاء والأنسجة البشرية الصادر 1999، مرسوما تنظيميا وستة قرارات تطبيقية. وكشفت وزارة الصحة أن أبرز ما يميز القانون المغربي المنظم لزراعة الأعضاء في المغرب، هو أنه أكثر صرامة من بين القوانين الأخرى، إذ حسم في كل ما من شأنه التلاعب بأعضاء البشر من خلال المسطرة المتبَعة التي يتحمل فيها المشرفون على العملية مسؤولية كبرى للحيلولة دون محاولة الاتجار في الأعضاء أو أي شيء من هذا القبيل. وأضافت أنه على المستوى التنظيمي، تم تفعيل مجموعة من الأجهزة من ضمنها المجلس الاستشاري لزراعة الأعضاء والأنسجة البشرية، ولجان زرع الأعضاء بكل من المستشفيات الجامعية الأربعة، والتنسيقيات الاستشفائية وشبكة المستشفيات التي تشتغل على زرع الأعضاء والتي تزايد أداؤها بشكل مطرد . ولملاءمة مضامين القانون المتعلق بالتبرع بالأعضاء والأنسجة البشرية، أدخلت عليه مجموعة من التعديلات، إذ صدر خلال 2013 القانون المنظم لنقل أنسجة القاصرين. من بين ما يميز قانون 19-98 المتعلق بالتبرع بالأعضاء والأنسجة البشرية وأخذها وزرعها، أنه يعتمد على المجانية، إذ أن التبرع، عمل مجاني ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يؤدى عنه أجر أو أن يكون محل معاملة تجارية. كما ينص على الموافقة المسبقة، إذ لا يجوز أخذ الأعضاء إلا بعد أن يوافق المتبرع مسبقا على ذلك، كما لا يجوز له و لا لأسرته التعرف على هوية المتبرع. صعوبة الإجراءات كانت زيارة الطبيب جزءا من حياته، فلا يمكن أن يمر شهر واحد دون الخضوع لكشف طبي، يحدد مدى تطور مرضه. يقول أحمد إنه عانى منذ الصغر مرض الكلي، الأمر الذي كانت تضطر معه عائلته إلى وضعه تحت المراقبة الطبية "أيام كثيرة كنت أتغيب فيها عن المدرسة، إذ عوض الجلوس بمقاعد حجرة الدرس، كانت أسرتي تأخذني إلى الطبيب"، يضيف أحمد شاب في العشرينات من عمره، أن حالته الصحية، حرمته من اللعب مع أقرانه، وعيش تفاصيل مرحلة الطفولة، مؤكدا أنه تخبط في معاناة كثيرة، ومازالت مستمرة إلى اليوم، سيما أنه صار مضطرا للخضوع إلى حصص تصفية الدم ثلاث مرات في الأسبوع الواحد. ألم كان يعصر قلبه، كلما شاهد شبابا في عمره يمارسون حياتهم، دون التقيد بتلك الحصص، لكن هذا الألم يتلاشى لمعرفته أن حالات كثيرة تعاني المرض ذاته، وتعيش تفاصيل العلاج المؤلمة، ليشكر الحظ لأنه استطاع بفضله الحصول على فرص للعلاج. منذ أربع سنوات، وهو يداوم على التوجه إلى مركز تصفية الدم، قبل أن يعود إلى منزله، لا يقوى حتى على الكلام. الأيام التي يخضع فيها لتلك الحصص، صارت متشابهة بالنسبة إليه، إذ تبدأ بعدما يغادر منزله، ويمر بلحظة تمدده على سرير المركز، وآلة التصفية مسمرة بقربه، مصدرة صوتا مزعجا، وينتهي عند عودته إلى المنزل شاحب الوجه. المعاناة التي يعشها أحمد ثلاث مرات أسبوعيا، كانت سببا للتفكير في عملية زرع الكلي، إلا أن تتبع الإجراءات الضرورية للحصول على متبرع، كان أكبر عذاب عاشه، سيما أن ثقافة التبرع، لا يعترف بها المغاربة، ولا تدخل في اهتماماتهم، فكيف له تحقيق الهدف، الذي صار حلما مستحيلا؟ "تخليت عن الفكرة، وحاولت التأقلم مع الوضع، وخططت لحياة جديدة، بعيدا عن التفكير في زراعة الكلي، وخوض مغامرة تحقيق ذلك"، على حد تعبيره. حياتي متوقفة على متبرع "زرع الكلي هو الحل الوحيد الذي توصلت إليه والذي سيمكنني من التخلص من المعاناة التي أتخبط فيها"، وقبل إنهاء خلاصة بحثها عن أمل يخفف آلامها، تساءلت حياة، التي تعاني الفشل الكلوي "لكن من سيرغب في التبرع بكليته؟". حياة شابة في الثلاثينات من عمرها، من بين آلاف المرضى الذين يتطلعون إلى زرع الكلي، مادام أن الأمر، صار ممكنا بالمغرب. يأملون في أن يخرجوا من عالم الألم والمرض، للعيش حياة بشكل طبيعي بعيدا عن آلات تصفية الدم، إلا أنهم يفاجؤون بواقع مرير، يحرمهم من الاستمرار في الحلم، ويؤكد أن وجود متبرع لن يكون بالأمر الهين. تحكي حياة عن معاناتها مع المرض، بكثير من الألم. تسرد كيف تضطر إلى التوجه إلى مركز تصفية الدم، مرتين في الأسبوع، وتظل فيه أزيد من 5 ساعات. وتتأسف لأنها، محرومة من إنجاب الأطفال، سيما أنها متزوجة حديثا، وأنها لا تقوى على العمل، أو حتى تحمل مرض بسيط، إذ يكلفها الأمر البقاء طريحة الفراش أياما متواصلة. تتذكر حياة اليوم الذي اكتشفت فيه المرض، وكيف خاضت حصص تصفية الدم، قبل أن تتوقف عن ذلك، "المرض تفاقم أكثر، وصار من الضروري أن أخضع لحصص تصفية الدم"، مشيرة إلى أن ذلك يرهقها، ويتعبها، علما أن مسؤوليات كثيرة على عاتقها. قالت إنها تحدثت مع الطبيبة التي تشرف على حالتها، وأخبرتها عن رغبتها في إجراء عملية زرع الكلي، إلا أنها فهمت من كلامها أن الأمر معقد ويحتاج إلى الكثير من الإجراءات "لن استسلم، سأبذل قصارى جهدي لزرع الكلي، سيما أن القوانين لا تمنعه "، مؤكدة أن حياتها تتوقف على حصص تصفية الدم، أو على متبرع يهبها كليته، من أجل زرعها.

التبرع بالأعضاء … أرقام مخجلة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

التبرع بالأعضاء: الضمانات القانونية غائبة

مختصرات

مقالات ذات صلة