المؤامرات ضد الارتقاء بمهنة التوثيق العدلي

المنطق القانوني يقتضي تمتيع العدل بقسط من السلطة والصلاحيات القانونية لا ينكر أحد أن العقد العدلي احتل سموا اجتماعيا، ودورا تاريخيا ومنذ عقود من الزمن خلت، والى الآن ما زال يوجه تلك الرسائل السامية الخاصة والخالدة، في الحفاظ على الحقوق والأعراض والأنساب، وتوفير الأمن التعاقدي بين الناس، ما جعله يلج الذاكرة التاريخية من بابها الواسع . ولذلك جاءت التوصية 169 من ميثاق إصلاح منظومة العدالة للتنصيص على الارتقاء بهذه المهنة . نظرا للمستجدات التي عرفتها بلادنا خلال العقد الأخير، والمتمثلة أساسا في الإصلاحات الدستورية العميقة التي توجت بإصدار دستور يوليوز 2011، الذي أعطى دفعة فورية لدينامية الإصلاح العميق الذي يشمل مختلف الميادين، خاصة التشريعية منها، حيث أصل المؤسسات الدستورية والقانونية على مبدأ الحكامة، التي تم التنصيص عليها في ديباجة الدستور كما يلي :يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط وتوازنها وتعاونها والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبدأ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة .وتأسيسا عليه، فإن مؤسسة التوثيق العدلي عرفت بدورها طفرات هائلة، وتطورات كبيرة على مستوى الشكل والمضمون، حيث ظلت وفية لمشروعيتها التاريخية والحضارية كما ذكر، تتمتع بتاريخ عريق لا يضاهيه تاريخ أي منظومة أخرى .وحيث آن الأوان لإعادة النظر في النصوص القانونية والمقتضيات المسطرية التي تفرض نوعا من الوصاية التي تضمر استصغارا لعظامة وشموخ هذه المهنة، ذلك أن أطر وأعضاء الهيأة الوطنية للعدول كلهم أصبحوا خريجي الجامعات ومن حملات الشهادات العليا ، إضافة إلى تشبعهم الكبير بثقافة وعلم المنظومة القانونية ، والشريعة الإسلامية في شقيهما المعاملاتي والتشريعي، ولذا فإن المنطق القانوني يفرض إعادة النظر في بعض المقتضيات القانونية الحالية، ومن ضمنها أساسا خطاب القاضي .وقبل الحديث عن هذا الموضوع ، فقد تفاجأنا أخيرا، ونحن بصدد الحوار مع وزارة العدل والحريات في إطار مناقشة تعديل قانون المهنة ، بارتفاع بعض الأصوات علانية في تجاوز سافر للأخلاق، وآداب التعامل التي من المفروض أن تسود في العلاقات بين المهنيين والمؤسسات، وذلك عبر بعض الصحف الوطنية حاشرة نفسها ودون استئذان في التدخل في شؤون مهنتنا وفي ما لا يعنيها ، في محاولة لاستفزاز السادة عدول المملكة ولأجل التشويش، ووضع الحواجز والمؤامرات ضد الارتقاء بهذه المهنة. ولأجل إيقاف عجلة انخراطها الصريح في ورش إصلاح منظومة العدالة ، وهو سلوك غريب ومقيت، متجاهلين التوجهات السامية الرامية إلى المساواة في الحقوق والواجبات ، وفي تعارض تام مع التوجهات التي جاء بها الدستور التي تنص على إرساء دعائم مجتمع متضامن يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية.وحتى لا نعطي لهذا الموضوع أكثر مما يستحق من الاهتمام بالكلام ونحن مازلنا في حوار مع الدولة بهذا الخصوص، نعلن أن العدول الموثقين للمملكة يتمتعون بكامل الوعي واليقظة، وروح المسؤولية والتضامن الكبير فيما بينهم أكثر من أي وقت مضى، والهيأة الوطنية للعدول بدورها لن تتأخر في الرد على كل من سولت له نفسه النيل من كرامة المهنة وتقدمها، ومستعدة للدفاع عن حقوقها ومكتسباتها المشروعة بالغالي والنفيس إن تطلب الأمر ذلك .ولن نعبأ بهذا الضجيج المقصود، ولن ينال من إصرارنا وعزيمتنا في المضي قدما لتحقيق عز المهنة واستعادة مجدها الضائع في ظل الورش الهام لإصلاح منظومة العدالة، وفي ظل حامي المهنة الأول وحامي كل الحقوق، وراعي الإصلاح صاحب الجلالة حفظه الله .ولن نخرج في تعاملنا مع أي مؤسسة عن إطار الأدبيات وحسن التعامل إلا إذا أكرهنا على نهج سلوك أسلوب وتعامل آخر .وبالرجوع إلى فلسفة ومقاصد خطاب القاضي على العقود التي تنجز من طرف العدول الموثقين، فإننا، نطالب بإزالة هذا الخطاب بكل أشكاله ويمكن أن يتم ذلك بتكليفه استثناء بالمصادقة بدل الخطاب على العقود، ويقصد بها التعريف بتوقيع العدل الموثق، ويستثنى من ذلك طبعا عقود العقار المحفظ أو الذي في طور التحفيظ، وذلك في إطار تسريع وتيرة الخدمات التوثيقية استجابة للخطاب الملكي السامي بتاريخ 9 مارس 2009 الذي يؤكد على تسريع الخدمات القضائية.واستثناء العقود المتعلقة بالعقار المحفظ أو الذي في طور التحفيظ من الخطاب، لأن هذه العقود تخضع للمراقبة الإلزامية من طرف المحافظ شكلا ومضمونا وتحت مسؤوليته طبقا للمادة 72 من قانون التحفيظ العقاري : 14-07 الذي نجده أدرى وأفقه بقانون التحفيظ من غيره .ولأن خطاب القاضي ومراقبته لهذه العقود يتنافى مع المقتضيات الدستورية التي تنص على مبدأ الاستقلالية والنجاعة، وربط المسؤولية بالمحاسبة .ونظرا لأن هذا التكليف –تكليف القضاة بالخطاب على الرسوم - جاء به منشور وزير العدل بعد الاستقلال بتاريخ : 22/05/1957 يوصي فيه رؤساء محاكم السدد بإسناد مهمة الخطاب على الرسوم ومراقبة العدول .والمرسوم 415-82-2 القاضي بتكليف وزير العدل بمقتضى مقرر قاضيا أو أكثر في كل محكمة ابتدائية بشؤون التوثيق، يوضع حدا لهذا التكليف بالطريقة نفسها كلما استوجب الأمر ذلك، وهو الحاصل الآن وقبل الآن، حيث إن العدول الموثقين أصبح تعيينهم يتم من طرف وزير العدل، إضافة إلى المستوى العلمي الثقافي الهام الذي أصبحوا عليه، كما سبقت الإشارة إليه.ونتساءل ألا يعتبر وجود قاضي التوثيق في مهنة التوثيق العدلي مسا بمبدأ فصل السلط؟ ألا يتنافى ذلك مع مبدأ الحكامة الجيدة التي تتأسس بربط المسؤولية بالمحاسبة؟.أمام هذه المعطيات والواقع العملي، فإن المنطق القانوني يقتضي أن يتمتع العدل بقسط من السلطة والصلاحيات القانونية في المهام المسندة إليه بمقتضى القانون، ومحاسبته عند اقترافه لأي شطط أو انحراف، شأنه في ذلك شأن باقي مساعدي القضاء وغيرهم.ونتساءل كذلك هل خطاب قاضي التوثيق على العقد، وسلطته القضائية في مراقبته، والتأكد من سلامته شكلا ومضمونا طبقا لمقتضيات المادتين : 34 و 35 من القانون : 16.03 المنظم للمهنة، يغني عن مراقبة هذا العقد ثانية أمام قضاء الموضوع ؟ وهل تتم مساءلة قاضي التوثيق إلى جانب العدلين أمام القضاء بصفته طرفا وشريكا رسميا في هذا العقد ؟ الجواب بكل تأكيد بالنفي . وعلاوة على ما سبق، فإن وجود خطاب القاضي يمس في كثير من الأحيان بمبدأ النجاعة القضائية المنصوص عليها دستوريا، حيث مما ينتج عنه توقف المساطر وبطء حيازة المستندات، وتأخر إيصال الحقوق لذويها مما ينجم عنه ما يسمى العدل الموثق الظالم ، وتنتج عنه نتائج أخرى متعددة يصعب حصرها .لكل هذه الاعتبارات ندعو المسؤولين إلى إعادة النظر في هذا المبدأ، والذي لا ينسجم مع منطق التطور الدستوري الذي يعرفه المغرب، فضلا عن عرقلته للتطورات الجوهرية والعميقة التي عرفها التوثيق العدلي .*رئيـــــس الهيأة الوطنية للعدول

المؤامرات ضد الارتقاء بمهنة التوثيق العدلي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

عين اللوح رقصت على إيقاعات أحيدوس

دليل حقوقك

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات