دم مغربي في الجولان11

اختفاء وسام حافظ الأسد مرت أزيد من 42 سنة على مشاركة القوات المغربية في حرب الجولان في أكتوبر/ رمضان عام 1973 إلى جانب القوات السورية. ما يعاب عن هذه المشاركة هو شح المعلومات وتضاربها حول الظروف والمعارك التي خاضتها القوات المغربية ضد الجيش الإسرائيلي، اللهم النزر القليل منها، التي عجز بعضها عن عد عدد قبور الشهداء المغاربة بسوريا. تسعى هذه السلسلة إلى محاولة إعادة كتابة تاريخ تلك المشاركة البطولية للمغاربة من وجهة نظر شاهد عيان، صحيح أنه كان جنديا بسيطا وقتها، لكن شهادته، أمام صمت الضباط، ورحيل العديد منهم إلى دار البقاء، تجعلها قيمة، فالجنود البسطاء هم حطب المعارك. غادرنا سوريا على متن سفينة في اتجاه ميناء طنجة، عانينا الأمرين في هذه الرحلة البحرية، إذ أصبنا بدوار وآلام في الرأس، فأغلبنا يسافر بحرا.بعد أيام وصلنا إلى ميناء طنجة، استقبلنا مواطنون وكبارة القادة العسكريين استقبال الأبطال، وبعد أن حظينا بقسط من الراحة، انتقلنا على متن القطار إلى الرباط، وبالضبط إلى ثكنة فرقة المظليين.قضينا فيها لحظات ليست طويلة، قبل أن يحل "خازن " الجيش، الذي شرع في صرف مستحقاتنا المالية، كانت تتراوح بين 5000 آلاف درهم و2500 درهم، وذلك حسب ما تبقى لكل جندي من المصاريف التي خصصت له بعد انتقاله إلى سوريا. كانت أجرة الجنود المغاربة تثير حسد العسكريين السوريين، كان الراتب الشهري للجندي المغربي الأفضل عربيا، فالجندي البسيط بسوريا كان يتقاضى راتبا مزدوجا (دوبل سالير) يصل إلى ألف درهم، في حين يتقاضى ضابط صف سوري برتبة "مساعد ثان" أجرة تعادل 350 درهما شهريا.بعد تسديد مستحقاتنا، منحت لنا إجازة لمدة شهر، غادرنا الثكنة في اتجاه عائلاتنا، يحركنا الشوق لعائلتنا الكبيرة والصغيرة.ما زلت أتذكر واقعة تعرض لها زميل لنا برتبة ضابط صف، والذي بمجرد حصوله على تعويضاته، اقتنى سيارة مستعملة من نوع "R4»، وفي طريقه إلى عائلته توقف أمام دكان لاقتناء السجائر، وترك سيارته مشغلة وبابها مفتوح، لينتهز لص الفرصة ويمتطي السيارة ويغادر بسرعة، بكل ما تحمله من الهدايا والتذكارات التي أحضرت من سوريا، تاركا الضابط يندب حظه ويتحسر على ضياع سيارته، وما يذكره بمشاركته العسكرية.وصلت إلى منزل عائلتي بمكناس، استقبلت بحفاوة من قبل عائلتي، عانقتني زوجتي كثيرا وهي تبكي، لم أستطع مقاومة هذا الإحساس واستلمت للبكاء أيضا، خصوصا عندما قدمت لي ابني الثاني، عبد العالي، الذي تركته جنينا.مرت العطلة بسرعة، وعدنا إلى العمل، وخلال عرض عسكري لمناسبة وطنية، استفسرني قائد فرقتي «الكومندو» الراحل الشريقي، عن سبب عدم إحضار وسام بطل الجمهورية السورية، والذي سلمه لي شخصيا، حسب قوله، الرئيس الراحل لسوريا حافظ الأسد.أجبته أن لا علم لي بحصولي على أي وسام، وقتها أدركنا أن جهات في الجيش احتفظت به لنفسها، لم تتقبل أن يحظى جندي بسيط بوسام يعد أعلى درجة بسوريا، ويمكن صاحبه من السفر إلى هذا البلد بأثمنة رمزية ويستقبل فيه استقبال الأبطال.سبب حصولي على الوسام، يعود لما حملت زميلي المصاب خلال عملية الانسحاب الأول من المعركة لمسافة طويلة، واعتبرتها القيادة العسكرية عملا بطوليا، خصوصا أن زملائي كادوا يجهزون علي عندما عدت متأخرا أحمل زميلي المصاب، إذ لم أكن أعرف كلمة السر التي تم تعديلها مباشرة بعد الانسحاب، وشرعت أصرخ في وجه المكلفين بالحراسة باسمي، ولحسن الحظ أن صديقا لي تعرف علي في الحين. إلى جانب الوسام، كان الملك الراحل الحسن الثاني، يرغب في مكافأتنا، عبر منحنا بقعا أرضية مجاورة لفندق فخم بحي السويسي بالرباط، لكن بعض الحاسدين، اعترضوا على القرار بحجة أن ذلك، سيؤدي إلى ظهور حي شعبي وسط آخر راق بالعاصمة، ليستفيد الضباط الكبار وحدهم من هذه العقارات.مع اندلاع حرب الصحراء، شكلت القيادة العسكرية المغربية فرقة عسكرية تضم الجنود الذين شاركوا في حرب الجولان، كانت تراهن على خبرتنا القتالية التي راكمناها في هذه الحرب، لدحر عناصر بوليساريو، وفعلا كنا موفقين في عدة معارك، لدرجة أن عناصر بوليساريو، والذين كانوا يلقبوننا بـ»السوريين»، أصبحوا يتفادون مواجهتنا، والاقتصار على مهاجمة فرق عسكرية غالبا ما تكون معزولة. قضيت أربع سنوات في الصحراء، شاركت في معارك عديدة ببئر الحلو، والزاك.بعد أربع سنوات قضيتها في الصحراء، انتقلت إلى الحامية العسكرية بقصبة تادلة سنة 1980، واشتغلت بها إلى بداية التسعينات، لأحال على التقاعد برتبة رقيب ثان، استقبلني قائد الحامية رفقة ضباط كبار بها، أثنوا بشكل كبير على الفترة التي قضيتها في خدمة وطني والتضحيات التي قدمتها بالجيش المغربي، ووشحت بوسام ملكي من الدرجة الثانية اعترافا بي.مصطفى لطفي

دم مغربي في الجولان11

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

ذكريات "حمودة10"

بنكيران يشرف بنفسه على ترشيحات البيضاء

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات