شعباني: قيم التمدن دفعت المغاربة إلى التباهي

< لماذا أصبحنا نلاحظ يوما بعد آخر لجوء الأسر إلى الاقتراض لتغطية مصاريف استثنائية تهم بعض المناسبات والأعياد ورمضان والعطلة الصيفية والدخول المدرسي؟< كانت الأسر المغربية إلى غاية الخمسينات من القرن الماضي، تعيش على الكفاف والعفاف والحياة المستورة، لأن القيم الأخلاقية والدينية والعادات السائدة آنذاك كانت تدعو إلى التعلق بتلك القيم النبيلة. هذا مع العلم أن الفوارق الطبقية في هذا المجتمع، تكاد تكون منعدمة نظرا للتقارب في ما بين الطبقات، بالإضافة إلى سيادة قيم التكافل الاجتماعي والتعاون بين الأسر، سيما أنها كانت تعيش في مجالات متقاربة في القرية أو القبيلة، التي كانت في الغالب تؤوي سكانا ينتمون وينتسبون إلى الإثنية نفسها، والقرابة الدموية كانت حاضرة. وهذا ما كان يقلل من حدة التنافس والتباهي بين الناس، باعتبار أن الكل كان يعرف أصل وفصل الآخر.لكن عندما دخل المغرب مجال التحولات العميقة في بنياته الاقتصادية والثقافية، وأصبح يروم قيم التحضر والتمدن، بدأ يقتحم منظومات قيمية أخرى تبعده يوما عن يوم، عن القيم التي كانت سائدة، فتغيرت العلاقات، وانتشرت أنشطة اقتصادية مختلفة عما كانت سائدة في المغرب القروي، وتغير بالتالي نمط عيش المواطن الذي دفعته ظروف هذا النمط من العيش إلى الانتقال من البادية إلى المدينة التي تسود فيها قيم معيشية واقتصادية وعلاقات مختلفة، أبعدته عن أهله والسكان الذي ألف العيش بينهم، ليوجد مع عناصر لا تربطه بهم أي علاقة.< ما الذي ساعد على اننشار الاقتراض بالشكل الحالي؟< عندما يغيب الدعم العائلي والقرابي، يبدأ التفكير في الآليات الجديدة ليواجه بها هذا المواطن حاجياته الضرورية والاستثنائية، وقد كانت القروض البنكية للاستهلاك أو لمواجهة باقي حاجياته الاستثنائية أو لمقتنيات كمالية هو الحل المناسب له في مثل هذه الظروف. وقد استغلت المؤسسات المقترضة على تنامي هذه الحاجة عند هذا المواطن، فوسعت من مجالات سلفاتها لتشمل الكثير من المناسبات الاجتماعية والأعياد والعطلة الصيفية ومصاريف الدراسة وحتى لمواجهة المصاريف الإضافية لرمضان. وعن طريق الأساليب النافذة والقوية التي تنهجها وسائل الدعاية والإشهار، استطاعت أن تخلق عند الإنسان الحاجة للاستهلاك واقتناء مجموعة من الأشياء قد لا تكون دائما من الضروريات، ولا حل لمواجهة هذه الحاجات وإشباع هذه المغريات غير اللجوء إلى القروض التي أضحت الآن من السهل الحصول عليها وفي أقرب الآجال.< هذا السلوك الجديد، ألا يخفي نوعا من التباهي والتنافس بدأ يتغلغل داخل المجتمع المغربي، وجعل الأسر تصرف كثيرا في نفقاتها على كماليات هي في الأصل دخيلة على عادات المغاربة؟< قد نلاحظ مثل هذا بين سكان المدن، وهذا السلوك الذي يطغى عليه التباهي والتفاخر والتظاهر بين سكان الحي الواحد قد يبدو طبيعيا، لأن الهجرة القروية نحو المدن ساهمت في تجميع سكان مختلفين في الجهات التي جاؤوا منها، ومختلفة في عاداتها وثقافتها وطريقة تدبير أمور عيشها. وهذا البعد الرمزي ما بين السكان غير المتجانسين تولد هذا الإحساس بالتباهي والتفاخر بين سكان مختلف أحياء المدينة الواحدة. إضافة إلى ذلك ساهمت التهيئة الحضرية بتقسيمها لأحياء مختلفة في بنياتها التحتية وخدماته ونوعية سكانها في تنامي هذا السلوك التفاخري والتظاهري فقسمت المدينة إلى احياء راقية، وأحياء متوسطة، وأحياء تفتقر إلى ما تحتاجه الحياة الكريمة وتصون كرامة المواطن بها. وهو ما ينعكس على السلوكيات الأخرى لسكان هذه الأحياء. كما أن الاختلاف في نسبة المداخيل بين مختلف الفئات الاجتماعية قد يدفع بالبعض إلى محاولة اللحاق بالفئات الميسورة. * أستاذ باحث في علم الاجتماعأجرت الحوار: هجر المغلي

شعباني: قيم التمدن دفعت المغاربة إلى التباهي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

كل أسرة مدينة بـ37 ألف درهم

مراكز التسوق فضاءات للتباهي

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات