منشآت رياضية متهالكة وملعب معلق وآخر غير صالح والرياضيون يعانونالأشجار والغابات وفيلات الغولف عند مدخل المدينة تذهب بعقلك إلى أي مدينة سياحية، لكنها ابن سليمان... مدينة تخلصت من أحياء الصفيح منذ عقود ، لكنها لم تتخلص من أحزمة الفقر، التي تحيط بها، وما يرافقها من مظاهر البؤس والعطالة والمخدرات والحرمان. مدينة الرياضات المهملة”حرام ألا تكون هذه المدينة رياضية، ففيها الطبيعة والغابات والشباب”، يقول بدر (26 سنة)، وأحد المولوعين بتأطير الشباب في جمعية رياضية بالمدينة. هذا الرأي يتقاسمه كثيرون من سكان المدينة، بمن فيهم عامل الإقليم، الذي قال مرة إن ابن سليمان يجب أن تكون مدينة رياضية، لكنها لا تبدو كذلك، على الأقل بالنسبة إلى كل من زار الملعب البلدي وفضاء الحي الحسني.يشتغل بدر رفقة شابين آخرين، هما عثمان ويوسف، في تأطير فريق للأطفال الصغار لكرة القدم ضمن جمعية رياضية محلية، لكنهم يصطدمون بمشاكل عديدة، ورغم ذلك فعزيمتهم لا تفتر، مهما صعبت الظروف.يتحدث بدر بحسرة واضحة عن واقع الرياضة بالمدينة، ”لا يوجد أي ملعب صالح. نادرا جدا ما نحصل على ترخيص باستعمال الملعب البلدي، وهو الوحيد بالمدينة، كما لا نتوفر على حافلة لنقل الأطفال، وهذا مشكل تتخبط فيه كل الفرق والجمعيات الرياضية”.تلجأ الجمعيات والفرق الرياضية بابن سليمان إلى بعض الفضاءات المتربة بالمدينة كفضاء القدس، الذي تغطيه الأحجار، ويستعمل للفروسية في المناسبات الوطنية ومصلى في المناسبات الدينية، كما أنه مُشرع على طريق رئيسية وغير مسيج، ما يجعله مصدر خطر بالنسبة إلى الممارسين. فضاء الحي الحسني... اللغزيمتد الفضاء على مساحة شاسعة ممتدة على نحو خمسة هكتارات تفصل بين الغابة والحي الحسني، أحد أبرز الأحياء الشعبية بالمدينة... أرضيته صلبة، لكنها خير من لاشيء، وسياجه لا يتجاوز مترا، ما يجعله مفتوحا في وجه الجميع، بما في ذلك الدواب والمواشي والكلاب الضالة التي تجوب المكان، بفعل قربه من الغابة.”لا نعرف متى سيتم إصلاح هذا الملعب؟ أبلغنا السلطات بضرورة إيجاد حل، وعقدنا لقاء مع العامل، لكن لا شيء تغير، يقول أحمد، المهووس، هو الآخر، بتكوين اللاعبين.يحاول أحمد بهدوئه المعتاد أن يخفي تذمره من واقع الرياضة المريض بالمدينة، لكن المرارة بادية عليه، فيقول”هناك طاقات ومواهب هائلة تحتاج فقط إلى العناية والتكوين. حشومة يضيعوا هاذ الوليدات”.أحمد وبدر وعثمان ويوسف ومراد النملي، نموذج لشباب لم يكتب لهم مواصلة مسارهم الكروي، فسخروا أنفسهم لتأطير اللاعبين الصغار دون الحاجة إلى أندية أو ملاعب كبيرة، لكن الجميع أصبح يفكر أكثر من مرة قبل القيام بأي نشاط كروي بعد فاجعة وادي الشراط.يوجد ”الملعب اللغز” في ملكية جمعية الزيايدة في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، لكن تدبيره موكول للطبيعة. عندما تهطل الأمطار يغرقه الماء، وعندما تجف يتحول المكان إلى أرض قاحلة. الأحجار والأزبال منتشرة في جوانبه، وبنايتان مقفرتان تحولتا إلى ملاذ للمنحرفين والجانحين.يحتاج الملعب، الذي لا تربطه أي صلة بشبكة الماء والإنارة وشبكة الصرف الصحي، إلى حارس ومدير يسهر على البرمجة، لكن ذلك يتعذر بسبب الغموض حول الجهة التي لها صلاحية ذلك، ما يجعل النداءات ترتفع من وقت إلى آخر لإيجاد صيغة يصبح فيها للملعب ميزانية وجهة تتولى تدبيره. الملعب البلدي... وصمة عاروسط أشجار البلوط، يقع الملعب البلدي بابن سليمان. الشيء الوحيد الصالح في هذا الملعب هو سوره وبابه الرئيسي، حتى أعمدة المرمى الحديدية علاها الصدأ، وأصبحت مهددة بالانهيار في أي لحظة.تحت أعمدة المرمى حفرتان كبيرتان تكادان تغطيان منطقة العمليات بأكملها. العشب نما هذه الأيام، لأن الملعب مغلق بسبب العطلة، لكنه عشب خادع لأنه يخفي خطورة الحفر، كما أنه عبارة عن أعشاب طفيلية ستندثر بعد أول حصة تدريبية أو مباراة.الجميع هجر الملعب هذه الأيام، بقي فقط حارسه المخلص محمد، الذي يحول رشاشات الماء من مكان إلى آخر، لكي ينقرض العشب نهائيا. يعتبر محمد الملعب بيته وفريق الحسنية أمه الثانية، كما يقول، لذلك يصمد وأبناؤه في وجه غارات الثعابين عليه كل مساء.يقوم محمد بأدوار الحراسة وصيانة الملعب وتنظيف مستودعات الملابس، دون أن يتقاضى أي سنتيم، غير بعض التعويضات البسيطة التي يصرفها له فريق الحسنية.يحظى محمد بحب وتعاطف كل رياضيي المدينة، الذين يعتبرونه جزءا من تاريخ الفريق والملعب، الذي ارتبط به منذ 25 سنة، لكنه مازال يأمل أن يتلقى التفاتة تؤمن له مستقبل أبنائه، وتليق بما أسداه من تضحيات للملعب والفريق الذي ارتبط اسمه به.يحتضن الملعب الوحيد في المدينة الذي يتوفر على المواصفات القانونية، تداريب ومباريات أربعة فرق تعمق أزمة الملعب معاناتها، هي حسنية ابن سليمان وشباب الحي الحسني وجمعية الخضراء ونادي الترجي الرياضي، ما يعرض أرضيته للتلف باستمرار، في غياب أي برنامج للصيانة، عدا بعض الإصلاحات التي يقوم بها فريق الحسنية بعد نهاية كل موسم.مندوبية وزارة الشباب والرياضة، التي تشرف على الملعب، لا تتوفر على ميزانية لإصلاحه، كما أن علاقتها بالمجلس البلدي ليست على ما يرام بشكل يكفل إيجاد صيغة لإصلاح الملعب، الذي أصبح وصمة عار على جبين المدينة.شعر عامل الإقليم بحرج كبير في آخر زيارة إلى الملعب في أبريل الماضي، فطلب من نائب وزارة الشباب والرياضة إنجاز دراسة حول إصلاحات استعجالية في الملعب، لكنها لم تنطلق بعد، فيما يعتبر كثيرون أن لا جدوى من إصلاح الملعب، دون إعداد ملاعب للتداريب لتخفيف الضغط عليه، ومازال ينتظر انطلاق الشطر الثاني من تعشيب ملاعب أندية الهواة، من طرف الجامعة، لكن لا أحد يعرف متى سينطلق. القاعة ومراكز القرب... حل ولكن؟يوجد بابن سليمان مركزان سوسيو رياضيان للقرب. الأول بحي لا مريم، والثاني في منطقة الحدائق، في انتظار بناء مركز ثالث. المركزان يفتحان أبوابهما لأنشطة الفرق والجمعيات الرياضية مقابل 150 درهما للساعة الواحدة.ويشتكي مرتادو هذين المركزين من تردي أرضية ملعبي كرة القدم، خصوصا مركز للا مريم، بموازاة ارتفاع تكلفة الولوج المحددة على الصعيد الوطني، ما يجعل هذين المنشأتين في متناول الموظفين وأبناء الطبقات الميسورة، عوض الأطفال والشباب، الذين يعانوا جراء غياب ملاعب ومرافق رياضية في الأحياء السكنية.بدورها، شكلت القاعة المغطاة، التي تم افتتاحها أخيرا من طرف جلالة الملك محمد السادس، متنفسا كبيرا لشباب المدينة، لكن استعمالها هي الأخرى، يفرض أداء 400 درهم عن كل ساعة... القاعة مزينة بلوحة إلكترونية تستعمل لضبط برمجة حصص الفرق التي تلجها أكثر من توقيت المباريات.يقول طارق (19 سنة) الذي استدعاه أصدقاؤه لخوض مباراة في كرة القدم المصغرة بالقاعة، ”لا يمكننا دفع 400 درهم مقابل ساعة في القاعة، لكن ليس هناك حل آخر. يضطر كل واحد منا إلى دفع 30 درهما، لجمع المبلغ الإجمالي”.نظام تسيير القاعات المعمول به بالنسبة إلى كل المنشآت الرياضية التابعة لوزارة الشباب والرياضة، يدفع ثمنه أيضا فريق كرة اليد الوحيد بالمدينة، وفريق كرة القدم المصغرة، اللذان يعجزان عن تدبير مصاريف تنظيم مباراة في القاعة المغطاة.يقول حفيظ منار، رئيس فريق الكرة المصغرة، إن مباراة واحدة تكلف الفريق 1500 درهم، وهو مبلغ تعجيزي، لذلك فمن الأفضل له اللعب خارج المدينة. التنس والمسبح... مصير مجهوللا يختلف واقع مركب التنس بالمدينة كثيرا عن فضاء الحي الحسني. يتوفر المركب على ملعب لكرة المضرب، لكنه لم يحتضن أي مباراة منذ سنوات، كما أنه لا يستقر على حال، فمرة يغلق أبوابه، ومرة يتحول إلى مقهى أو قاعة للحفلات.في السنوات الماضية، تناوبت على ملعب التنس مجموعة من الجمعيات والجهات، لكنها عجزت عن إعادة الحياة إليه، كما أن السلطات بدورها عجزت عن إيجاد صيغة لمرفق إستراتيجي في موقع إستراتيجي.بجوار مركب التنس مساحة شاسعة مقفرة، تفصلها أشجار وبضعة أمتار عن مرفق رياضي آخر لقي مصيرا أكثر سوءا، إنه المسبح البلدي الذي لم يتبق منه سوى أطلال تنتشر فيها الأزبال والأعشاب الطفيلية وركام الأنقاض كأنه تعرض لقصف. مركز ألعاب القوى... غريب في مدينتهأبوابه مغلقة، وحراس الأمن الخاص يراقبون الحركة أمامه مثل ثكنة عسكرية، وأمامه سيارتان لنقل العدائين القادمين من مناطق أخرى، فالمركز لا يفتح أبوابه في وجه العدائين المحليين، بل فقط لأصحاب بعض الأرقام المطلوبة.يقال إن ألعاب القوى ماتت عندما تم بناء المركز والمضامير المطاطية، هذا ما ينطبق كثيرا على ابن سليمان، فبعد بناء المركز ماتت ألعاب القوى بالمدينة، رغم بعض الجهود المبذولة من طرف نادي المستقبل المحلي، الذي يصارع من أجل البقاء على قيد الحياة، أكثر من تحقيق الانجازات وإنجاب الأبطال.فرغم موقع المدينة وسط الغابة، ورغم الإشادة الدائمة بمناخها وطبيعتها، فإن ذلك لا ينعكس على رياضة ألعاب القوى بالمدينة، ما يفسره المتتبعون بضعف التأطير والإمكانات لدى الأندية المحلية، وضعف الإقبال على هذه الرياضة من قبل شباب المدينة. سياسة غير رياضية لمدينة رياضيةنجح المجلس البلدي لابن سليمان في تدبير مجموعة من القطاعات الحوية، خاصة النظافة والإنارة والحدائق والنقل، بشكل جعل المدينة نموذجية في هذا الإطار، لكنه فشل في تدبير القطاع الرياضي.وتشتكي الجمعيات والفرق الرياضية من غياب أي إستراتيجية للمجلس في المجال الرياضي والشبابي، فبعد أن رفع المجلس يده كليا عن الملعب البلدي والقاعة المغطاة، أغفل البنيات التحتية الرياضية بالأحياء السكنية، ورخص للتجزئات السكنية دون إلزامها بترك مساحات للمنشآت الرياضية، إضافة إلى ضعف نسبة دعم ومواكبة الجمعيات والفرق الرياضية، وعدم إصلاح الحافلة التي كانت تخفف معاناة الفرق الرياضية في ما يخص التنقل.أما الأحزاب السياسية فشرعت في تسخيناتها للانتخابات المقبلة، لكن برامجها خاليا من شيء اسمه الرياضة في مدينة رياضية. على الورق فقط. مدينة سياحية بدون أي فندقالتناقض التي تعيشه ابن سليمان لم يأت من فراغ، بل من تناقض السياسة العمومية التي أريدت للمدينة في سنوات مضت، كان فيها شبح البصري وزوجته ورجاله في كل شبر وزاوية، رغم أن ضيعتهم الشاسعة وبابها الأسود كان ومازال مغلقا بإحكام إلى يومنا هذا.منذ تلك السنوات، لم تتغير أشياء كثيرة في المدينة، فأبواب الاستثمار الصناعي مازالت موصدة إلى اليوم، بحجة أنها مدينة سياحية، فربما اعتقد أهلها أن ذلك يعني الاستثمار في المقاهي فقط، ما جعل فرص الشغل قليلة في وجه الشباب، الذي وجد نفسه مخيرا بين النزوح نحو مدن أخرى، أو مواجهة الفراغ في مدينة لا تعرف ماذا تريد.الفندق الوحيد في المدينة مغلق منذ أكثر من 20 سنة بسبب نزاع عائلي، ما يفرض على زائري المدينة ارتياد فنادق المدن المجاورة، قبل أن تظهر في السنوات الأخيرة بعض المنتجعات الغابوية لبعض المستثمرين المحليين، فخففت من الأزمة، لكنها لم تحلها.إعداد عبد الإله المتقي