تقف فاس أمام المرآة طيلة 9 أيام، لترى وجهها فيها، لا لوضع مساحيق تجميلها أو تقييم درجة نموها وطريقة تدبير شؤونها وما ابتليت به من ظواهر، بل لاستحضار صورتها الإفريقية الناصعة، ونشر إشعاعها الروحي على قارة سمراء تغتني بالعلاقات الكثيرة التي تربطها بها باعتبارها أرض جذور على امتداد التاريخ، مراهنة على آفاق مستقبلية طيبة لامتدادها الإفريقي الطويل الأمد. إعداد: حميد الأبيض (فاس) - تصوير: (أحمد العلوي المراني) 40 ألفا حضروا حفل الشاب بلال ضاقت ساحة أبي الجنود بما رحبت ليلة أول أمس(الثلاثاء)، بمتفرجين حجوا بأعداد هائلة من غالبية أحياء فاس والمدن والمناطق المجاورة لها، للاستمتاع بأجمل أغاني الفنان الجزائري الشاب بلال، الذي أحيى هذا الحفل بعد ساعات قليلة من حلوله بمطار سايس، بعدما أحيى حفلا بالجزائر، دون أن يمنعه التعب من إمتاع جمهوره والتجاوب معه في تماه منقطع النظير بين عاشق ومعشوق. أكثر من 40 ألف شخص من الجنسين ومختلف الأعمار، ملؤوا الساحة من بابها الجانبية القريبة من حديقة جنان السبيل إلى "سويقة الخوردة"، بشكل يستحيل معه إيجاد موقع لوضع إبرة، بل إن بعض الشباب خاطر بنفسه وصعد أشجار التوت المجاورة لثانوية مولاي إدريس المحتفلة بمرور قرن على إنشائها، أو أعلى سورها وذاك من جهة المحطة الطرقية باب محروق. شباب مهووس بحب "الشاب بلال"، رقص على إيقاع أغانيه الحماسية، فوق الأشجار بين الأرض والسماء، وبين الحواجز الفاصلة بينه وبين المنصة خوفا من تدفق جماهيري أو تصرف طائش. الكل رقص وغنى وهتف باسم هذا الفنان الذي وضع نظارات سوداء وقبعة وارتدى قميصا أشبه بأقمصة الجيش، وطالبه بأغان بعناوين محددة يحفظها، فيما وثقت الهواتف الذكية لهذه اللحظة التاريخية.ونجحت قوات الأمن في السيطرة على وضع كان مرشحا لكل الاحتمالات بالنظر إلى العدد الهائل للجماهير وضيق المكان، إذ حضرت تعزيزات أمنية مهمة اندست بين الجمهور وخلف الحواجز وأمام المنصة وفي الأبواب المفضية إليها، إذ لوحظ إيقاف شباب عراة واقتيادهم خارج الساحة، فيما حضر والي الأمن ورئيس الفرقة الولائية للشرطة القضائية ومسؤولون أمنيون للإشراف المباشر.وعكس ذلك، كاد بعض حراس الأمن الخاص أن يفسدوا الحفل، بسبب تصرفاتهم غير محسوبة العواقب، خاصة أحدهم بالباب الجانبية الذي أصر لثاني مرة على منع مصورين من الدخول إلى موقع قريب من المنصة، دون سبب معقول، بل أرغى وأزبد، شأنه شأن زميل له ضايقهم أثناء التقاط صور للفنان، خاصة لما رفع العلم المغربي ولفه حوله مزكيا دعوته السابقة لحمل الجنسية المغربية. كوكتيل غنائي اختار الشاب بلال ابن وهران القاطن بمرسيليا الفرنسية، المتعدد المواهب في الغناء واللحن والعزف، كوكتيلا من أغانيه المشهورة أهداها إلى الجمهور الذي انضبط لحبه وعشقه لفنان جزائري رفع علم المغرب عاليا، خاصة تلك المتميزة بإيقاعها الشعبي البسيط الأقرب إلى المتلقي، ومنها "يلا خطاك جيبك كاري"و"الغربة واعرة"و"توحشت البلاد"و"أنتي عمري"وغيرها. ملحمة غنائية مغاربية أندلسية صونيا مبارك: أسبح ضد التيار لكني مقتنعة ومعتزة بما أنتجه لم تستبعد المغنية التونسية الشهيرة صونيا مبارك، أداء ملحمة غنائية مغاربية أندلسية تجمع فنانات وفنانين مغاربيين، مؤكدة أنها نادت بذلك في كل زيارة لبلدان المغرب العربي، وبالتقاء الفنانين في ملاحم تقليدية بتعاط خلاق يذيب اختلاف الإيقاعات والفنون التراثية، خاصة في ظل تراجع الأغنية التقليدية، لكن ذلك بنظرها رهين بإرادة الفنانين ووجود راع لهذا المشروع الهام. وأبرزت هذه المغنية والأستاذة الجامعية، أن المسألة مرتبطة بإرادة أهل الفن والسياسة، و"في تلاقي الإرادات والفنانين وشركات إنتاج وإعلام، إمكانية لبلورة المقترح وتفعيله"، مؤكدة أن العمل قبل أن يجسد على الركح أمام الجمهور، يجب أن يجمع بين الفن السامي والآليات والتكنولوجيا والحضور الإعلامي، في مزج ضروري في مثل هذه الأعمال التي تحتاج إلى دراسة متأنية. وأوضحت أن عملا كبيرا من هذا الحجم، يجب أن يتوفر على راع إعلامي وداعم مادي، مجددة طلبها بإحداث قطب ثقافي فني في المغرب العربي الكبير، الذي طالما نادت به طيلة 33 سنة من عمرها الفني، مستدركة "لكن إمكانية الالتقاء ضعيفة"، داعية إلى البدء بإبرام اتفاقيات توأمة وشراكات بين المهرجانات المغاربية الكبرى خاصة بين مهرجان فاس ونظيره لقرطاج الذي ترأسه. ثقافة الابتكار أبرزت الفنانة التونسية أنها منذ تولت إدارة مهرجان قرطاج قبل سنتين، حاولت إقامة شبكات فنية لأنه "لا يعقل أن يشتغل كل فنان بمفرده. ومن له مشروع يجب أن يوصله إلى الجمهور"، متمنية خلق تشكيلة متكاملة تجمع بين المهرجانات في المغرب العربي والبحر المتوسط، لأن فيها إمكانيات مفتوحة للإبداع وخلق ثقافة الابتكار، مبرزة أن تلك قناعة راسخة تدافع عنها وتتمنى تحقيقها على أرض الواقع. واستغربت عدم إيلاء الفنون التقليدية الاهتمام اللازم من قبل الإعلام المرئي، مشيرة إلى غياب أي قناة متخصصة من بين 400 قناة يحفل بها العالم العربي، وتقتصر على المنوعات عوض الغوص في نفائس التراث، داعية إلى تواصل بين الفنانين يذوب جليد الحدود الترابية، خاصة في ظل وجود "أناس يعتبرون الفن حرام"، داعية إلى مقاومة مثل هذه القناعات بتوظيف الالتزام وترسيخ ثقافته.