لا تكاد تمر قضية اجتماعية، أو نقاش عمومي حول الحريات الفردية أو قضايا المرأة بالمغرب، دون أن تقفز إلى الواجهة وجوه مألوفة ترتدي عباءة الوعظ، وتدعي امتلاك الحقيقة المطلقة باسم الدين. هم ليسوا علماء دين نزهاء، بل "تجار دين"، يحركهم المزاج السياسي أحيانا، وأهواء المصلحة الشخصية في أحيان كثيرة، ويتغذون على الإثارة، كما يقتاتون من الخوف الجماعي. في كل منعطف اجتماعي أو حدث مثير للجدل، نراهم يتسابقون على المنصات الرقمية، يوزعون فتاوى "الردع" ويصبون جام غضبهم على الناس، خاصة النساء، والشباب، والفنانين، والقاسم المشترك بينهم ليس الغيرة على الدين، بل استغلاله وسيلة للنفوذ، والتضليل وفق منظور يخدم أجندات سياسية أكثر مما يخدم الأخلاق أو القيم. وظهرت، خلال السنوات الأخيرة، أمثلة صارخة لهذا النوع من التوظيف الانتهازي للدين، حين طرحت مثلا قضية الحريات الفردية، أو النقاش حول المساواة في الإرث، أو حتى جرأة بعض الفنانات في التعبير عن ذواتهن، تحول خطاب "تجار الدين" من النصح إلى التخوين، ومن الدعوة إلى الله إلى التكفير والشيطنة. والأغرب أن مواقفهم لا تكون دائما "عفوية"، بل تأتي غالبا متناغمة مع موجات سياسية معينة، وكأن هناك من يدفع في تجاه تأجيج العواطف الدينية، من أجل كسب شرعية في الشارع، أو التغطية على قضايا أكثر إلحاحا، مثل البطالة وغلاء المعيشة والفساد. حقا، فإن الاستغلال السياسي للدين ليس جديدا على المشهد المغربي، إذ وظفته بعض الأحزاب لتسلق السلم الانتخابي، متخفية وراء شعارات الفضيلة ومحاربة "الفساد الأخلاقي"، بينما كانت تتواطأ في صمت مع الفساد الحقيقي، وبعض الوعاظ الذين كانوا يهاجمون العري والمهرجانات، أصبحوا فجأة يتحدثون بلغة "الاعتدال"، بعد وصول حلفائهم للسلطة... إنها ازدواجية الخطاب التي تفضح النية الحقيقية: السلطة لا الدعوة، والمصلحة لا العقيدة. ولم يعد مقبولا استغلال أشخاص بعينهم الدين لتكريس الوصاية على المغاربة، أو لتمرير رسائل سياسية تحت غطاء الإيمان، فقد نحتاج إلى عقل ديني جديد، لا يحتقر الفن ولا يشيطن الحرية، بل يعيد ربط الدين بقيمه الأصلية، مثل العدل والرحمة والاختلاف في الرأي. لقد آن الأوان لفتح نقاش وطني جدي حول حدود تدخل "تجار الدين"، ليس فقط من زاوية الحريات، بل أيضا من زاوية الوقاية من التلاعب بالعقول وتجييش المشاعر لأغراض انتخابية أو سلطوية، فالإيمان الصادق لا يحتاج إلى وسطاء متسلطين، بل إلى وعي ناضج يربط الدين بالحياة، لا بالمزايدة والشعبوية. للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma