مطالب بالتدخل لضمان حرمة الموتى في ظل غياب الأمن تتعرض مقابر مراكش لانتهاكات صارخة، إذ تحول العديد منها إلى أوكار للانحراف والشعوذة. واشتكى مجموعة من المراكشيين من الوضع الذي آلت إليه مقبرة سيدي بنور جوار حي الحارة بمقاطعة كليز، مطالبين بتدخل الساهرين على الشأن الديني والعمومي بالمدينة، بضمان حرمة الموتى، إذ أصبح هذا المرفق المقبرة مرتعا لمدمني الكحول، وممارسة الدعارة والشذوذ الجنسي، وفضاء للمتسكعين والمشردين. مدمنون...لا تستغرب حين تجد مدمني كحول، يعرضون اليقطين (القرع الأحمر)، للبيع بباب دكالة بمراكش، لأن هؤلاء أضحوا من مزارعي المقابر، الذين يستغلون هذه المرافق للزراعة وللمبيت وممارسة الدعارة وشرب الخمور مستلقين على قبور الموتى. هذا حال مقبرة سيدي بنور، التي عاث فيها المشردون والمنحرفون فسادا، وتحولت إلى مدينتهم الليلية، في غياب تام للأمن. ولا تختلف وضعية مقبرة سيدي بنور عما تعرفه باقي مقابر مراكش، التي تحولت إلى مرتع للمنحرفين والشواذ.وإن كانت هذه المرافق تتحول ليلا إلى مركز جذب لمدمني الكحول والمشردين وممارسي الدعارة، والمشعوذين الذين يستغلون بعض القبور لممارسة طقوسهم الخرافية، كما يتسلل إليها لصوص الرخام، الذين يحرمون عائلات الموتى من العناية بقبور ذويهم، فحالها نهارا لا يختلف عن ذلك إلا في نوعية الزوار. «تتحول إلى قبلة للمستولين، الذين يستغلون أحزان آهالي الموتى، ويعترضون طريقهم، كما يبدون سلوكات غريبة» يقول أحد زوار المقبرة.مضيفا أن حتى المشعوذين يحاولون استغلال حزن زوار المقبرة، الذين أبدعوا ما يسمى ب»صباح القبر» للاحتيال على أقارب الموتى، ليعرضوا خدمات خرافية يدعون من خلالها العلاج من الصدمة والترويح عن النفس، ببيع بعض المخطوطات «حروز « تدخل الفرح على كل من اقتناها منهم.وتعج المقابر بمشردين غالبا ما يعرقلون عمليات الدفن، ويجبرون كل من وطأت رجله أرض المقبرة على التصدق عليهم.جثث في البئر...أحالت، عناصر الشرطة القضائية بالمدينة نفسها، في وقت سابق، حارس مقبرة بباب الخميس على أنظار العدالة بتهمة انتهاك حرمة المقابر، وإعادة بيعها، وجاء اكتشاف جريمة المتهم إثر زيارة أسرتين لقبر واحد، حيث ادعت كل واحدة علاقتها بالميت المدفون بالقبر، ليصل الخبر إلى عناصر الشرطة القضائية التي وضعت الحارس المذكور رهن تدابير الحراسة النظرية، طبقا لتعليمات النيابة العامة، لاستكمال البحث والتحقيق. وبعد التحقيق اتضح أن المتهم يعمد إلى التخلص من الجثث بأحد الآبار الجافة، قبل أن يقوم ببيع القبر من جديد، إذ تمت إدانته بالسجن النافذ.كما يحول بعض «الفقها» المكان إلى سوق يتناحرون فيه على الزبناء، إذ يتسابقون لتنظيف القبر وطلائه، وقراءة آيات من القرآن، للظفر بدريهمات، وغالبا ما يتحول قبر إلى ساحة لشجاراتهم.وأكت شهادات بعض الزوار أن المقابر تتحول، في فصل الربيع، إلى قبلة للنساء، يحولنها إلى مكان للترفيه والنزهة، إذ يستغللن خضرتها، لفرض أفرشة وتناول وجبات خفيفة، والدردشة لساعات قبل أن يغادرن المكان. كما تحدث آخرون عن ظاهرة تحويل المقبرة إلى فضاء للتجارة، غالبا ما تكون نهايتها مأساوية، خصوصا بين الشباب الذين يبيعون نباتات أزهار لتزيين المقابر، والتي يتم ترويجها بأثمان مرتفعة تحت الضغط، في الوقت الذي يعرض بعض الشيوخ خدمات تلاوة القرآن وبعض الأذكار للترحم على الموتى، وهناك من يعرض أطراف بعض الحيوانات والقوارض يدعون أنها تعالج الأمراض النفسية أو ما يصطلح عليه «لرياح»، وأحيانا يتم بيع تراب القبور بأثمنة خيالية.المقبرة هي فضاء للسرقة، إذ لا تمر ساعة دون أن يكتشف أحد الزوار، خاصة من النساء أنهم وقعوا ضحية جريمة سرقة، خاصة أيام الجمعة من كل أسبوع، وهي الفترة التي تسجل ارتفاعا في عدد الزوار. محمد السريدي (مراكش) فوارق طبقية أغرب ما يمكن أن تلاحظه وتسمعه من زوار المقابر، هو ما يتعلق بالتمييز في هذا الفضاء، إذ تأخذ الفوارق الطبقية جميع أشكالها في هذه الأمكنة، إذ هناك قبور مزينة بالرخام، تلقى عناية خاصة من قبل حراس المقابر، مقابل مبالغ يتلقونها من أقارب الموتى، وقد يمتد الأمر إلى حد تزيينها بالأحجار الطبيعية، خاصة أن التباهي بمظهر القبر بات من العادات اللصيقة بالأثرياء، في حين تتداعى بمحاذاتها قبور فقراء، شواهد بعضها آلت للسقوط. وامتدت الوساطة إلى بعض المقابر، إذ لم يعد بإمكان الفقراء الحصول على مساحة لدفن ذويهم، في الوقت الذي قام البعض بحجز قبور داخل بعض الأضرحة، كابن سليمان الجزولي وأبو العباس السبتي وغيرهما من أضرحة مراكش. ومما لاشك فيه أن حرمة المقابر من صميم اهتمامات السلطات المحلية، إلا أن هذا الاهتمام بعيد عن مسؤولي المدينة الحمراء، حيث تعد مسرحا لجميع أنواع التصرفات الانحرافية واللاأخلاقية، رغم وجود الحراس التابعين للمجلس الجماعي، الذين يقضون ساعات ثم ينصرفون، وحتى أثناء ساعات مداومتهم، يلوذون بأماكن قصية، نتيجة عدم توفرهم على وسائل مواجهة جحافل المتسولين والمنحرفين والمجرمين الذين يتوافدون على المقبرة بشكل شبه يومي.