ماذا يعني تجديد أمريكا اعترافها بمغربية الصحراء على المستوى الجيوإستراتيجي لحل النزاع المفتعل؟ أكدت الولايات المتحدة، من خلال بيان خارجيتها، أن خيار الاعتراف بمغربية الصحراء ليس قرارا ظرفيا، ولا ورقة تفاوض خاضعة للابتزاز الطاقي، بل هو موقف سيادي نابع من قناعة إستراتيجية راسخة لدى واشنطن. وفي السنوات القليلة الماضية، راهنت الجزائر على مواردها من النفط والغاز وقدمتها في بورصة الابتزاز الجيوسياسي لفرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة، ودول أوربية وآسيوية وإفريقية، فوجدت نفسها أمام حائط صلب من المواقف المبدئية من أغلبية دول العالم، وجاء الرد الأمريكي صاعقا: لا تراجع عن الاعتراف بمغربية الصحراء. ومن المهم كذلك الإقرار بأن العلاقات المغربية الأمريكية ليست وليدة اللحظة، بل هي تاريخية متجذرة في أرضية صلبة من التفاهمات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وتتغذى من محددات إستراتيجية عميقة، عنوانها الأمن والاستقرار والتنمية المشتركة. وخريطة الطريق العسكرية التي تمتد لعشر سنوات (2020-2030) بين الرباط وواشنطن، تجسد هذا الالتزام المتبادل وتعكس تصورا إستراتيجيا بعيد المدى، لمستقبل الشراكة الدفاعية، والأمنية بين البلدين. إن الدوافع الجيوإستراتيجية، من مكافحة الإرهاب إلى ضمان الأمن البحري، ومواجهة التهديدات المتصاعدة في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء، تجعل من العلاقات المغربية الأمريكية محورا حيويا في بناء توازنات جديدة في المنطقة وداخل القارة، وفي المجال الأطلسي. وتدرك واشنطن أن المغرب، بقيادة جلالة الملك محمد السادس، يعتبر فاعلا إقليميا موثوقا يتمتع برؤية استباقية، وموقع جغرافي إستراتيجي، وشرعية تاريخية لا تسقط بالتقادم. ناور النظام العسكري الجزائري، ومارس الابتزاز، ومع ذلك، سقط في المستنقع بتوالي الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء. كيف سيكون الوضع الجيوإستراتيجي؟ في الوقت الذي تواصل فيه الجزائر حياكة مناوراتها الدبلوماسية الفاشلة، عبر تسويق أوهامها الانفصالية، وابتزاز القوى الكبرى، بورقة الطاقة، جاء الرد الأمريكي ليربك حساباتها ويسقط رهاناتها بشكل مسترسل. والرهان على النفط والغاز ورقة ضغط لم تعد تجدي نفعا، أمام منطق الاستقرار الإقليمي والمصالح الإستراتيجية العميقة. والجزائر التي ظنت أن خزائنها الطاقية ستشتري المواقف الدولية، فوجئت بجدار الصلابة المغربية المدعوم من شراكات تاريخية، وتحالفات لا تخترق بالمزايدات الظرفية. وتعد تصريحات مسعد بولس، مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون إفريقيا، محطة إستراتيجية بارزة في ترسيخ الموقف الأمريكي الداعم لسيادة المغرب على الصحراء المغربية، بعد موقف ماركو روبيو، وزير خارجية الولايات المتحدة، مؤكدا أن هذا الموقف يعكس التزاما راسخا من قبل الإدارة الأمريكية تجاه الشراكة الإستراتيجية مع المغرب. هذا التأكيد يعزز مكانة المغرب حليفا إستراتيجيا للولايات المتحدة في شمال إفريقيا، وفي المجال الجيوسياسي للأطلسي والمتوسط، ويفتح آفاقا جديدة للتعاون الثنائي في مجالات متعددة، بما في ذلك الأمن والاقتصاد والاستثمار في الأقاليم الجنوبية. ويسهم هذا القرار الأمريكي في تعزيز الاستقرار الإقليمي من خلال دعم مبادرة الحكم الذاتي المغربية حلا واقعيا وعمليا للنزاع. ما هو انعكاس تجديد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء على الصعيد الدولي؟ على الصعيد الدولي، يمكن أن تؤدي هذه المواقف إلى تقوية تشكيل المواقف تجاه قضية الصحراء المغربية، إذ قد تشجع دولا أخرى على تبني مواقف مماثلة، ما يعزز الدعم الدولي للمبادرة المغربية. وتبرز هذه التصريحات رغبة الولايات المتحدة في لعب دور نشيط في تسهيل الحوار بين الأطراف المعنية، بما في ذلك الجزائر، بهدف الوصول إلى حل سلمي ومستدام للنزاع. ولا بد من قراءة هذه المواقف الأمريكية، من زاوية أخرى، تكمن في الرغبة الأمريكية في إنهاء هذا الصراع المفتعل، وقد تكون هذه السنة سنة الحسم النهائي للملف. وبالتالي، تعد تصريحات مسعد بولس خطوة إستراتيجية تعكس التزام الولايات المتحدة بدعم المغرب وتعزيز الاستقرار في المنطقة، وهي رسالة واضحة إلى الجزائر، مفادها أن موقف الولايات المتحدة تجاه سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية غير قابل للمساومة، مع توالي الاعترافات من كل الدول، بمختلف القارات. أجرى الحوار: أحمد الأرقام الروداني الشرقاوي (خبير في الدراسات الجيوإستراتيجية والأمنية)