جمع بين السياسة والمهنة وعشق الجبة السوداء والدفاع عن المظلومين بين 1953 و2024، رحلة عمر رسمت تاريخ النقيب عبد العزيز بله، المحامي والنقيب السابق لهيأة المحامين بتازة، ونائب الكاتب العام لجمعية هيآت المحامين بالمغرب. حقبة اجتمع فيها ما تفرق في غيرها من حب لمهنة المحاماة وعشق لا متناه للجبة السوداء والدفاع عنها في جميع المحافل، بأسلوب سلس وبابتسامة مرسومة دائما على محياه، إذ لم تلهه السياسة التي مارسها لسنوات، وترأس خلالها المجلس الإقليمي لتازة، عن هدفه الأسمى في الدفاع عن مهنة المحاماة. كان النقيب بلة شغوفا بحب المعرفة والانفتاح على التجارب العالمية في مجال العدالة بصفة عامة، ومهنة المحاماة بصفة خاصة. ذلك الحب الذي حاول ترجمته في القضايا التي يرافع فيها، والتي كان يعتبر كل واحدة منها أهم قضية في حياته المهنية، هو شعور ظل يلازمه منذ أول مرافعة في حياته المهنية، إلى أن وافته المنية في 18 نونبر الماضي، وتشاء الأقدار أن يدفن قرب والدته، بعد 25 سنة من الفراق. لم تكن البداية المهنية لعبد العزيز بلة النقيب السابق لهيأة المحامين بتازة، عادية، فالنقيب التحق بمهنة المحاماة متمرنا في 9 ماي 1983، ثم بنقابة المحامين بفاس، على اعتبار أنه لم تكن حينها نقابة للمحامين في تازة، وهو تاريخ يعتبره النقيب في جل أحاديثه له رمزية في ذاكرته فهو اليوم الذي رافقته فيه والدته رحمة الله عليها إلى حفل أداء اليمين وكانت تتنبأ له بمستقبل في المهنة التي يعشقها حتى النخاع، لم تكن المدة الفاصلة بين أداء اليمين، وأول مرافعة سوى 24 ساعة، إذ في اليوم الموالي طلب منه المحامي الذي كان يتمرن بمكتبه عمر التوزاني، أن يرافع في ملف جنحي. ذهب إلى المحكمة وهو واثق من قدراته في إقناع القاضي بمنح السائق السراح المؤقت، لكن سرعان ما تبدد الحماس بعد أن اقترب وقت مناقشة الملف، وتحول إلى خوف وارتباك لم يستطع السيطرة عليهما، ولم يستطع كذلك مواجهة الهيأة والحضور والمحامين بالقاعة، وانتابه شعور بخيبة الأمل، و لم يجد أمامه سوى فتيحة الزرواي، التي ستصبح في ما بعد زوجته وزميلته في المهنة، ليخبرها بما حدث له خلال المرافعة، فجاء جوابها مثل البلسم الشافي، إذ حاولت بذكائها أن تستوعب غضبه بالقول، إن الأمر عاد جدا في البداية المهنية لأي محام، والأمر ليس نشازا يخصه، وأخبرته أن الماهاتما غاندي في أول مرافعة له أغمي عليها في المحكمة. بصم المرحوم بلة إلى جانب زوجته مساره المهني، واستطاع أن يزرع حب المهنة في ابنته، التي ورثت عنه ذلك الشغف الكبير للدفاع، تحكي الأستاذة صفاء بلة أن والدها، كان يجمع بين الصرامة والحنان في التعامل معها رفقة شقيقيها، فهو الأب حينما يفرض الأمر ذلك، والصديق الذي يمكن أن تأمنه على أسرارك، والرفيق الذي يعبد لك الطريق، كان أبا ومحاميا بما تحمله الكلمتان من معنى. كل من يعرف النقيب بلة يشهد له بروح نقاء القلب والحب والتسامح وحب الخير والإحسان، الذي أوصى باستمراره حتى بعد مماته، لإيمانه الكبير بالتكافل والتضامن الإنساني، دون الحاجة إلى إشهاره. استطاع عبد العزيز بلة أن يتقلد مرتين مهمة نقيب هيأة المحامين بتازة، كانت الأولى في الفترة الممتدة ما بين 2006 و2008، والثانية ما بين 2015 و2017، وهي الفترة التي ناضل فيها من أجل أن يكون لهيأة المحامين بتازة مقر ودار للمحامي باستئنافية المدينة واستطاع تحقيق ذلك، لينضاف إلى العديد من القرارات التي استطاع أن يحدثها، والتي كانت مرفقة بدايته المهنية له، إذ بعد الترسيم فتح مكتبا خاصا به، وكانت فتيحة الزرواي قد التحقت هي الأخرى بالمهنة، ولم يسمح لها بإجراء التدريب في مكتب زوجها، بالنظر إلى أن القانون الداخلي لنقابة المحامين بتازة التي أحدثت ساعتها، يفرض مدة معينة لممارسة مهنة المحامي، قبل أن يستقبل في مكتبه المتمرنين، ليدخل النقيب في صراع حقيقي مع الهيأة، لأجل أن يسمح لها بالتمرين في مكتبه ردا للجميل، وعرفانا لها بالمساندة والدعم الذي قدمته له في بداياته المهنية، انتهى بتغيير النظام الداخلي للهيأة والسماح لها بالتدريب بمكتب زوجها وزميلها، في مهنة الدفاع عن الحقوق. كريمة مصلي