ضمن القوانين المستحدثة، ما جاءت به المسطرة الجنائية، تفعيلا للقانون 37.10، المتعلق بحماية الضحايا والشهود والخبراء والمبلغين. ولعل السياق الدولي لتنزيل القانون المتعلق بمحاربة جرائم الرشوة والاختلاس واستغلال النفوذ وغيرها، بما يكفل الحماية اللازمة لفضح هذه الجرائم، كان هاجس وفلسفة المشرع، الذي أفرد تدابير خاصة لهذه الحماية وأناطها بقواعد استثنائية، في ما يتعلق بالجهات المختصة باتخاذ هذه التدابير وآليات الحماية. فإذا كان التبليغ، وفق هذا القانون، صادرا من ضحية، فإن وكيل الملك أو الوكيل العام للملك، أو قاضي التحقيق أو المحكمة كل في ما يخصه، ملزمون بتفعيل تدابير الحماية، التي لا تتوقف عن حقه في الانتصاب طرفا مدنيا، بل تتعدى ذلك إلى وضع رقم هاتف خاص بالشرطة القضائية للاتصال به أي وقت يشعر فيه بالخطر، بل إن الحماية الجسدية من قبل القوة العمومية، تمتد إلى أفراد أسرة الضحية وأقاربه. أكثر من ذلك، فإن كان الضحية أجنبيا، ولو مقيما بطريقة غير شرعية، فإنه، في حال جريمة الاتجار بالبشر، يحصل على ترخيص بالبقاء في تراب المملكة إلى غاية انتهاء إجراءات المحاكمة. الحماية نفسها أناطها المشرع بالمبلغين كانوا شهودا على جرائم أو خبراء أو فقط مبلغين بصفة عامة، إذ أنه خول لهم الاستفادة من حقوق إضافية، من قبيل إخفاء الهوية الحقيقية والإدلاء بهوية مستعارة تدون في المحاضر والوثائق المقدمة أمام المحكمة، بشكل يحميهم من الانتقام المفترض الناتج عن فضحهم للمشتبه فيهم، ويمكنهم أيضا أن يدلوا بعنوان غير حقيقي، والاستماع إلى المبلغ عن بعد واستعمال الوسائل التقنية لتغيير صوته، أكثر من ذلك، فإنه في حالات يكون فيها المبلغ موظفا عموميا أو محلفا بحكم مهامه على عدم إفشاء السر، يستفيد من عدم جواز متابعته بإفشاء السر المهني. هذه التدابير المضمنة في قانون المسطرة الجنائية، سيما بالمادة 82 من الفقرة 4 إلى الفقرة 10، والفصل 347 الفقرة الأولى، تحمل مضامينها إرادة واضحة من الدولة لمحاربة جرائم الرشوة والاختلاس واستغلال النفوذ وغيرها، بل لا تقتصر حسب طبيعتها على التبليغ الصادر عمن يحملون صفة الموظفين العموميين فقط، بل تتعداهم إلى كل المواطنين ممن يملكون أدلة على ما يدعونه وما يثيرونه من جرائم، سيما أن المشرع أقحم الشهود ضمن المبلغين. باستقراء القانون سالف الذكر، نجد أن المشرع أحاط هذه العينة بحماية مطلقة، بهدف محاربة الفساد المالي والجرائم، لكن الواقع وحده كفيل بمراكمة تجربة يمكنها أن تحكم على التطبيق. للتفاعل مع هذه الزاوية:mayougal@assabah.press.ma