سهيل: الإصلاحات السياسية تفرض نفسها راهنا

القيادي في حزب التقدم والاشتراكية قال إن تحالفات الحزب لا تخرج عن إطار الكتلة واليسار قال عبد الواحد سهيل، عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية إن المغرب مطالب بمباشرة الإصلاحات على مختلف الأصعدة، في مقدمتها الإصلاحات السياسية، وذلك في أفق إعادة الثقة في العمل السياسي وفي المؤسسات. وأضاف سهيل في حوار مع الصباح أن مجيء جلالة الملك محمد السادس إلى السلطة واكبته تحولات إيجابية، أعطت دفعة قوية للإصلاحات، إذ تمت إعادة النظر في طريقة اشتغال الدولة، من خلال التركيز على المفهوم الجديد للسلطة، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ومدونة الأسرة، وقانون الجنسية، ومراجعة قانون المسطرة الجنائية، وشكل ذلك عنوان المرحلة. وبخصوص الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، أكد سهيل أن طموح الحزب يتجلى في تحقيق نتائج أفضل، وتجاوز عدد المقاعد والأصوات التي حصل عليها في الانتخابات الماضية. وتحدث عن التحالفات والنقاش الذي انطلق حول نمط الاقتراع، وما عرفه المشهد السياسي من تجاذبات في الفترة الأخيرة. في ما يلي نص الحوار: ما هي قراءتكم للأحداث التي عرفتها أخيرا، بلدان مغاربية، تونس ومصر، تحديدا ؟فعلا، أرخت هذه الأحداث بظلالها على المنطقة برمتها، وأعتقد أنه من الواجب الوقوف عندها وتحليلها برزانة وموضوعية، وعدم التسرع في إصدار الأحكام، أو استخلاص النتائج. باختزال شديد، وبالنسبة إلى تونس، يجب أن نستحضر أن البلد عرف قيادتين بعد حصوله على الاستقلال، الأولى تتمثل في الحبيب بورقيبة، الذي أعلن نفسه منذ السبعينات من القرن الماضي، رئيسا مدى الحياة، وعرفت فترة حكمه تقلبات وأحداثا، ولم يكن وحيدا في الساحة، بل كان يواجه معارضة، وظف ضدها القوة، وأستحضر هنا المعارك داخل حزب الدستور مع بن صالح، وقيادة الاتحاد العام للشغالين. وجاء بنعلي إلى الحكم، في إطار ما سمي، آنذاك، بانقلاب "طبي"، وكان أول ما التزم به، أنه سيحترم الدستور، وسيترشح لولايتين، لكن تبين في ما بعد، أنه لم يحترم وعده، بل أحكم قبضته على تونس، بيد من حديد، وكان أقسى، مقارنة مع نظام بورقيبة، ولم يترك للشعب متنفسا، إلى درجة أن الإنسان كان دائما يشعر، أن هناك احتقانا في المجتمع. ولابد أن نستحضر دور هذا الاحتقان، بالنسبة إلى ما وقع، إضافة إلى الدور الذي لعبته الطبقة الوسطى، والطبقة المثقفة، إلى جانب ما وصل إليه النظام التونسي من ممارسات لا أخلاقية وصلت حد النهب والاستيلاء على كل شيء، ثم كان حادث حرق الشاب محمد البوعزيزي لنفسه، إذ أشغل شرارة الانتفاضة، جردت الشعب من الخوف الذي استولى عليه طيلة عقود من الزمن، وانطلقت الاحتجاجات. ما وقع في تونس لم يكن ليقع لولا مساهمة جزء من نظام بنعلي، أي الجيش على الأقل، وجزء من التقنوقراط، الذين عجلوا بذهاب بنعلي. الآن دخلت تونس مرحلة جديدة.أما بخصوص مصر، فالملاحظة الأولى الواجب إبداؤها، هي أن الوضع في البلد كان مختلفا مقارنة مع تونس، إذ كان للمعارضة وجود في البلد، رغم أنه بعد وفاة جمال عبد الناصر وقع انشقاق داخل الحزب الاشتراكي، آنذاك، واستطاع أنور السادات أن يقضي على أركان حزب عبد الناصر، وأقدم على تشجيع تيار الإخوان المسلمين، وخلق قوى سياسية جديدة، في إطار ما اصطلح على تسميته بعهد الانفتاح، لكن سرعان ما لقي معارضة عريضة بعد اتفاق كامب ديفيد مع إسرائيل. ولما اغتيل السادات، كانت مختلف الأطياف السياسية تقبع في السجون المصرية، من الشيوعيين إلى الإسلاميين. ثم جاء حسني مبارك الذي استعمل الأساليب نفسها ضد المعارضة، وسعى إلى ضمان استمرارية نظام الحكم كما في عهد السادات، وقلص هامش عمل المعارضة، وزور الانتخابات، ولكن، رغم ذلك، لم يؤد ذلك إلى إقصاء المعارضة نهائيا، بل كانت هناك معارضة على المستوى السياسي، والثقافي، والإعلامي، معارضة تتجلى في أحزاب، ونقابات، وحركة "كفاية"، مثلا، التي تظاهرت كثيرا في الشارع المصري، لكنها لم تصل إلى مستوى المظاهرات التي أججتها ثورة الياسمين في تونس، ثم خرج الشباب مستعملين وسائل الاتصال الحديثة وتحرروا من الخوف، وعبروا عن رفضهم لنظام وصل إلى حد التفكير في توريث الحكم. على ضوء ما حدث في تونس ومصر، هل يمكن أن نعتبر أن المغرب محصن؟المغرب له مشاكله، وخصوصياته، ولا يمكن الحديث عن العدوى، كمن يتحدث عن انتقال فيروس الحمى، بل كل مجتمع له خصوصياته، ومقوماته، وتاريخه، وتراكماته. المغرب عرف حركات احتجاجية وانتفاضات كثيرة خلال مساره. أذكر أنه حينما كنت طالبا عشت أحداث1965 ،إذ خرج الشباب إلى الشارع للتنديد بنظام التعليم الذي كان سائدا آنذاك، وخنق الحريات وغياب الديمقراطية، ولكن الأمور لم تتطور إلى ما هو أكثر من احتجاجات تم قمعها بقساوة بالغة، ومغرب الأمس ليس هو مغرب اليوم. منذ بداية التسعينات سعى الفرقاء السياسيون بالمغرب، نظام الحكم والمعارضة، إلى التوافق حول إصلاح سياسي سلس وعميق، أسهم في بناء الدولة على أسس انفتاح نحو الديمقراطية. صحيح أن الأمور حصل فيها مد وجزر، ولم تتم بشكل كامل وعميق، ولكن كانت هناك مكتسبات لا يمكن الاستهانة بها، وآفاق عمل مفتوحة من أجل دمقرطة الدولة والمجتمع، وتطور على كافة المستويات السياسية، والاقتصادية، والحقوقية. اليوم أصبحنا نتوفر على صحافة حرة، وهامش أوسع للحرية في الممارسة الإعلامية. عشنا تجربة الانتقال الديمقراطي، وأجريت انتخابات لم تخضع للتزوير والتدخلات بالشكل الذي كان عليه الأمر في سنوات السبعينات. صحيح أنه ما تزال هناك بعض الممارسات والظواهر المشينة للعمل السياسي، مثل استعمال المال والنفوذ، إضافة إلى وجود ظاهرة العزوف الانتخابي، لكن ذلك لا يمكن أن ينفي التقدم الذي حققناه على مستوى الدمقرطة وشفافية الانتخابات. المشهد السياسي الوطني فيه عوامل الضعف والقوة، ويجب أن نشتغل جديا على مواطن الضعف. وحتى أجيبكم عن السؤال الذي طرحتموه، فإنه بإمكان شرائح معينة من الناس أن تتظاهر في الشارع من أجل مطالب، كالتظاهر ضد الغلاء، وتدني القدرة الشرائية للمواطنين، وتحدث اعتصامات ومسيرات احتجاجية للعاطلين خريجي الجامعات والمعاهد العليا، أو العمال،أو النقابات. الاحتجاج أصبح يوميا في المغرب ومسموح به. الأحداث كما وقعت في تونس ومصر، تُبين، في مداها وعمق مطالبها، أن هناك قطيعة بين الدولة والشعب، وهذا غير وارد بتاتا بالنسبة إلى المغرب. الناس مقتنعون بأن التغيير الضروري يمكن أن يأتي عن طريق الإصلاح الديمقراطي،والعمل المسؤول.هل تعتبرون أن مطلب الإصلاحات السياسية مستعجل؟أكيد أن تجربة المغرب على مستوى الإصلاحات لم تنطلق ، مع مجيء جلالة الملك محمد السادس إلى الحكم ، بل إن الانطلاقة حدثت قبل ذلك، غداة الاستقلال، حين قدمت المعارضة مطلب الدستور، الذي حظي التصويت على مراجعته بإجماع كافة القوى السياسية تقريبا، وحدثت تحولات إيجابية ، إذ جرى الإفراج عن المعتقلين السياسيين، وعودة المنفيين، وقبل ذلك إنشاء المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، فبدأت تظهر أجواء انفتاح حقيقية.كانت تجربة أحزاب الكتلة في 1992، إيجابية جدا في هذا الاتجاه، ومع مجيء جلالة الملك محمد السادس، عرف المغرب تحولات إيجابية، إذ أعطى دفعة قوية للإصلاحات، وشحنة ديمقراطية بدون شك، إذ تمت إعادة النظر في طريقة اشتغال الدولة، من خلال التركيز على المفهوم الجديد للسلطة ، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ومدونة الأسرة، وقانون الجنسية، ومراجعة قانون المسطرة الجنائية، وشكل ذلك عنوان المرحلة، إضافة إلى الجهوية الموسعة التي ستعيد هندسة السلط داخل الدولة المغربية. المطروح الآن، في إطار التعديلات الدستورية والسياسية، ضرورة استخلاص التجربة من السنوات التي عشناها، وتقييم تلك المرحلة، إذ أن ما يلاحظ اليوم، مع الأسف، هو أن دور الحكومة غير واضح، والجدوى من الاقتراع العام، تبعا لذلك موضع سؤال، طالما أن تفكير الناس يسير في اتجاه أن المبادرات كلها تأتي من جلالة الملك، إلى درجة أن البعض يقول إنه لا داعي لوجود الأحزاب، أي يدعون إلى إلغاء مؤسسات تأطير المواطنين، والوساطات الاجتماعية، لكن في هذا الحالة من سيكون المخاطب للدولة، ومع من ستتحدث، هل مع الشارع؟ إن الأخير ليس مؤسسة. نحن، إذن، في حاجة إلى الإصلاحات السياسية، لإعادة الثقة في العمل السياسي وفي المؤسسات، وجعل عملية التصويت ذات معنى بالنسبة إلى المواطنين الذين يقترن التصويت لديهم، كما في سائر الديمقراطيات، بالمحاسبة. الملك فوق الجميع، بحكم الدستور، وسيبقى له دور أساسي في التوجيه والتنبيه، والإنصات، والتحكيم، وهذه أدوار مهمة جدا، تجعله خارج المحاسبة، ولكن من المفروض أن نترك المؤسسات تشتغل وتخضع للمحاسبة. ناديتم في الحزب، خاصة منذ مؤتمركم الوطني الأخير، بجيل جديد من الإصلاحات.الجيل الجديد من الإصلاحات في الواقع، فكرة نتقاسمهما مع العديد من الفرقاء السياسيين. بالنسبة إلى الإصلاحات الدستورية، تفرض دسترة الأمازيغية نفسها بشكل متزايد، والاعتراف بسمو القانون الدولي على القانون الوطني بدون تمييز، فيما يخص القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان، ثم إن هناك حاجة لمراجعة اختصاصات مؤسسة الوزير الأول لكي تُعطى لها صلاحيات أوسع، وكذا توسيع سلطات المؤسسة التشريعية، على مستوى وسائل المراقبة، ثم ترسيخ نظام الحكامة، على مستوى تعيين الشخصيات في المناصب المدنية. موضوع الجهوية الموسعة، يطرح نفسه،أيضا،على أساس تفويض سلطات واسعة إلى الجهات، ثم لابد من الإشارة إلى القوانين الانتخابية، وضرورة مراجعتها، وتحديد النظام الانتخابي المناسب، هناك من يدعو إلى رفع العتبة، ويرى أن النظام اللائحي ما يزال هو المناسب، وهناك من يدعو إلى اعتماد نمط الاقتراع الفردي، وهناك من يمزج بين النمطين، من خلال الدفاع عن نمط الاقتراع اللائحي على المستوى الوطني، والفردي على المستوى الجهوي، هذه أفكار مطروحة للتداول. أعتقد أن الأهم هو طرح السؤال حول ماذا نريد من نمط الاقتراع؟ ما هي الغايات المتوخاة منه؟ لابد من اختيار النظام الأنسب، من خلال تحديد عتبة معقولة، فإذا حددنا العتبة في 10 في المائة، فإن عددا هاما من الأحزاب ستجد نفسها خارج التغطية، لأنه يصعب عليها الو صول إلى هذه العتبة النظام الانتخابي يجب أن يكون الأقرب من الواقع، لأن حزبا لم يحصل على 10 في المائة، لا يعني وجوب إقصائه. هناك ضرورة محاربة البلقنة، لكن ذلك لن يتحقق عبر نمط الاقتراع فقط، بل بالممارسة وإنضاج الشروط، وتطور المجتمع والعقليات. ما هو نمط الاقتراع الذي ترونه الأنسب بالنسبة إلى المغرب؟نعتبر أن المجتمع المغربي لم يتغير جذريا، فما تزال البنية التقليدية والتنوع الاجتماعي هي الصيغة السائدة، والنزعة القبلية ما تزال متجذرة، والجانب القروي من مجتمعنا ما يزال مهما، والتمدن حديث العهد في بلادنا، وبالتالي نحن في حاجة إلى نمط اقتراع يراعي هذه الخصوصيات، كما يراعي كذلك مبدأ الإنصاف، ولذلك لا يمكن، في نظري، اعتماد نمط اللائحة بالنسبية المطلقة برغم مزاياه، فيمكن اعتماد نمط الاقتراع الفردي، من جهة، أخذا بعين الاعتبار استمرار ظاهرة الأعيان والولاءات القبلية، ثم اعتماد لائحة وطنية على المستوى الوطني، مناصفة بين الرجال والنساء ، واعتماد الاقتراع المباشر في دورة واحدة، لأنني لا أعتبر أن نظام الانتخابات في دورتين مناسبا لنا، بالنظر إلى غياب الانضباط الحزبي، والالتزام السياسي، وغياب أقطاب سياسية وفكرية حقيقية، التي تجعل الناخبين يصوتون على مرشح ينتمي إلى حزب آخر يتقاسم المبادئ نفسها، في إطار التعاضد الحزبي.ما هي رهانات حزب التقدم والاشتراكية بالنسبة إلى الانتخابات التشريعية المقبلة؟لدينا، بطبيعة الحال، طموح بلحقيق نتائج أفضل، وتجاوز عدد المقاعد والأصوات التي حصلنا عليها في الانتخابات الماضية. لقد وصلنا إلى عتبة 6 في المائة، وبإمكاننا أن نتعداها لنبلغ مافوق 8 في المائة، وهذا ممكن، خاصة في ظل تحالفات مع قوى سياسية قريبة منا...هل يعني هذا أن هناك إمكانية لتقديم مرشحين مشتركين مع أحزاب أخرى؟هذا وارد، ولكن الأمر يبقى مرهونا بالتعديلات الواجب إدخالها على قانون الأحزاب، والتي يجب أن تسير في اتجاه جعل شروط قيام اتحادات أحزاب أكثر مرونة، مما هي عليها الآن، إذ يشترط القانون تقديم 75 في المائة من المرشحين المشتركين، وهذا شيء صعب. إذا تحقق نوع من المرونة في القانون يمكن أن نتحالف مع أحزاب أخرى في إطار اتحادات، أحزاب مختلفة أكبر منا حجما، أو في حجمنا، أو أقل حجما منا، وسنشتغل على هذا الأساس. فكرة التحالفات أو اتحادات الأحزاب لا نرفضها من حيث المبدأ.ما هي دائرة تحالفاتكم؟ إن دائرة تحالفاتنا لا تخرج من إطار الكتلة الديمقراطية، وأحزاب اليسار، التي ما تزال تحتفظ بوزنها في الساحة، رغم محدودية وجودها الانتخابي، لكن لديها وجوا اجتماعيا مهما، ولكن، إذا رصصنا صفوف اليسار، بإمكاننا أن نعزز مكانته ونجعله أقوى تأثيرا في الساحة الوطنية.نظمت الكتلة، في شهر يناير الماضي، تجمعا جماهيريا بالرباط، ما هي الرسائل التي كانت تود إرسالها من خلال هذا الحدث؟ هذا الحدث الذي نُظم في إطار تخليد ذكرى11 يناير، يعطي الدلالة على أن الكتلة ما تزال حية ولا تعاني من الشلل أو القطيعة داخلها، ومن خلال النقاشات التي تجري داخل الأجهزة الحزبية لأحزاب الكتلة، نلاحظ وجود تشبث قوي بها، وهناك قناعة أنها لم تستنفد أغراضها، وكانت هذه اللحظة مناسبة للتعبير عن هذا التشبث، وأعتقد أنه لا يمكن أن نتصور قيام إصلاحات في مجال دمقرطة الدولة، والمجتمع، والتقدم الاقتصادي، والعدالة الاجتماعية، بدون تضافر أحزاب الكتلة من أجل ذلك. أجرى الحوار: جمال بورفيسي

سهيل: الإصلاحات السياسية تفرض نفسها راهنا

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

بنك الحيوانات المنوية... الادخار من أجل الإنجاب

أسر مغربية عالقة بضواحي طرابلس

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات