لا خيار أمام المركزيات النقابية، المنفذة لإضراب وطني عام، اليوم (الأربعاء) في القطاعين العام والخاص، سوى تحقيق نسبة انخراط ومشاركة حقيقيين تفوق 80 في المائة على الأقل. بهذه النسبة فقط، يمكن للنقابات أن تعود إلى طاولة الحوار والتفاوض، من موقع قوة، وتفرض شروطها مع الحكومة على قاعدة المطالب المعلقة، ومنها أساسا مشروع القانون التنظيمي لتنظيم الحق في الإضراب، وإصلاح منظومة التقاعد، ومشروع قانون النقابات، وباقي التدابير المالية الأخرى المتعلقة بتحسين القدرة الشرائية، وَرفع الرواتب والأجور. فما يعطي معنى لقرار نقابي وسياسي بقيمة "الإضراب العام"، ليس الدعوة إليه، بل التوقع الجيد لنسبة المشاركة، التي يمكن الوصول إليها بسهولة بجرد إداري للموظفين والعمال والأجراء غير الملتحقين بمقرات عملهم يوم الإضراب. إنه التحدي المطروح على المركزيات النقابية التي تعرف بتجربتها وخبرتها الطويلة أن الإضراب العام، هو استفتاء مفتوح على الثقة، أكثر منه تعبير عن حالة غضب واحتجاج ضد الحكومة. كما تعي النقابات نفسها، بأن مياها كثيرة جرت تحت الجسور في السنوات الأخيرة، وتحديدا منذ الربيع العربي، وأنها لم تعد وحدها في "السوق النقابي" ، بعد دخول تجارب أخرى على الخط، أكثر تأثيرا وتغلغلا ونجاعة. لقد ولى، إلى غير رجعة، الصوت الواحد في الحقل النقابي، وأصبحنا أمام تعددية حقيقية، انبثقت في شكل جمعيات وتنسيقيات وإطارات فئوية في جميع القطاعات تقريبا، وهي جواب عملي، في الميدان، على انتهاء خرافة النقابة بمفهومها الكلاسيكي. لذلك بالضبط، تعتبر نسبة المشاركة في الإضراب العام امتحانا أمام المركزيات النقابية عليها ربحه، وهي نسبة لها أهميتها، أيضا، في التقييم العام للعلاقة بين الفرقاء الاجتماعيين، بوصفها ليست مجرد رقم فقط، بل تنقيط موضوعي لمرحلة وترتيب للنتائج والمآلات، إما في اتجاه التعاطي مع المركزيات النقابية قوة يجب احترامها وإعطاؤها المكانة الحقيقية التي تستحقها، أو في اتجاه اعتبارها ظاهرة صوتية وتحريرية (بلاغات، بيانات..) فقط، لا امتداد لها في الشارع. وتحسبا لهذا الامتحان، كان الزعماء النقابيون الكبار ترتعد فرائصهم لمجرد ذكر إضراب عام، لأنهم يعرفون أن سمعة إطاراتهم النقابية ورمزيتهم على المحك، كما يعرفون أن أي تهور في قرار من هذا الحجم، سيكلفهم الكثير من رصيدهم السياسي والتمثيلي. فلا أحد يختلف حول مشروعية المطالب، خصوصا في الشق المتعلق بلهيب الأسعار وإنهاك القدرة الشرائية للمواطنين، لكن لا أحد يرغب أن يكون مختطفا في سفينة إضراب عام دون ربان. وربما حتى دون بوصلة. للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma