أكتب هذا العمود من علو شاهق، على سطح مقهى شديد البرودة، مطل على الصخرة البيضاء الضخمة التي يعلوها علمان، أبيض وأخضر، وقربها صومعة قصيرة بلون ترابي، ومسجد صغير وضريح مخصص للزوار المسلمين فقط. "شمهروش هو ملك ملوك جان المسلمين، وأكبر قضاة محاكمهم، نفاه سيدنا سليمان، فقرر العيش بالمغرب. ترفع إليه الدعاوى والنزاعات بين الجن والإنس، ويبت بشأنها في موعدها دون تأخير، بعد الاستشارة مع قضاة المحكمة، وعددهم ستة، ضمنهم امرأة اسمها ميرة، أو للا- ميرة". كان عبد الله، صاحب المقهى، يسرد الحكاية نفسها، التي أتوقع أنه كررها عشرات المرات على السياح المغاربة والأجانب بالطريقة نفسها التي تزج بك في عوالم غير مرئية يحكمها "الجنون". عبد الله (55 سنة)، من أبناء هذه المنطقة الوعرة، الواقعة في سفوح جبال الأطلس الكبير، وهي تتوسط جماعة إمليل القروية وقمة توبقال، بل تعتبر محطة استراحة والتقاط الأنفاس بالنسبة إلى هواة التسلق. لا شيء تغير بمخيم "شمهروش"، الذي يعتبر قبلة لآلاف الوافدين من هواة السياحة الجبلية من مدن المغرب وخارجه، أو الراغبين في تسلق أعلى قمة في شمال إفريقيا بعلو 4167 مترا، إذ يعتبر الوصول إلى سفح القمة إنجازا في حد ذاته، بسبب وعورة المسالك الصخرية. ورغم أن "شمهروش" المغربي دخل الصحافة الأجنبية من بابها الواسع، وأضحى جان العالم أشهر من نار على علم، بعد العثور على سائحتين مذبوحتين قبل سبع سنوات، فإن الوضع البئيس للمنطقة لم يثر انتباه أحد على الإطلاق، عدا القيادة العامة للدرك الملكي التي وضعت مركزا للتأكد من الهويات على بعد أمتار من مكان الجريمة. وتكفي العودة إلى سجلات الدرك الملكي، للتأكد من الرقم الصحيح لعدد الزوار والسائحين سنويا، وعددهم بالآلاف، وهم مستعدون لصرف ملايين الدراهم، إن وجد في المنطقة ما يستحق ذلك، غير الخراب والصخور الناتئة والمسالك الوعرة كما هو عليه الحال اليوم. لن "نزفت" المسالك الوعرة بطبيعة الحال، لكن قد نستطيع إقناع شركات وطنية، أو أجنبية، للاستثمار في مشروع للقاطرات المعلقة (تلفريك) من إمليل إلى شمهروش، حيث يمكن للمتسلقين قضاء ليلة في "أوبيرجات" محترمة، قبل استئناف الطريق إلى توبقال. مجرد فكرة. للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma