قليلا ما تخرج الكلمات التي تلقى في افتتاح السنة القضائية بجل محاكم الاستئناف، عن نطاق الإنجازات التي حققتها المحكمة على مدار السنة، بشأن البت في الملفات والقضاء على المخلف، وغيرها من الأمور التقنية البحتة، وبعض الإكراهات التي تواجه العمل والتي تنحصر في الغالب الأعم في نقص في الموارد البشرية، ولا تنصب على الحديث عن بعض المشاكل التي تعتري عمل المحكمة، وبالأحرى التشريح الحقيقي للوضع. هذا الطابع التقني لتلك الكلمات التي يلقيها المسؤولون القضائيون، كان حاضرا في كلمة الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بالبيضاء، غير أنه، بالمقابل، تضمن شقا يمكن وصفه بالجرأة التي قل نظيرها في مثل هذه المناسبات، وهي الإعلان عن بعض الإخلالات في العمل المنسوبة إلى قضاة في المحكمة، وهي إخلالات رصدت من خلال المتابعة اليومية لعملهم من قبل المسؤول القضائي، والتي ربما كانت مثار تنبيهات عدة من قبله، وبما أن الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة يؤطران عمله فقد ارتأى أن يجعل ذلك التنبيه بشكل علني، وليس في الأمر أي ممارسة للسلطوية أو التجريح في زملائه من القضاة أو حتى الموظفين، وإنما هي الشفافية التي يحتم أن تكون "التيرمومتر" الذي يقاس به عمل المسؤول القضائي، والذي ربما بمثل هذه التنبيهات يؤكد أن الهاجس الوحيد والأوحد هو تحقيق العدالة وخدمة المتقاضي. الشفافية في التعامل، ووضع الأصبع على مكامن الخلل، ليسا عيبا، ولكن العيب والخطير هو التطبيع مع تلك الاختلالات، فمحمد عبد النباوي، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ما فتئ يؤكد ضرورة تذكير كافة قضاة المملكة بمسؤولياتهم، وإذكاء الحماس فيهم لمواصلة الجهود للتمسك بالأخلاق القضائية وجعل ضميرهم هو الرقيب الأول على احترامها، والإخلاص والتفاني في أداء الواجب المهني، والالتزام بالجدية، لأنها وحدها كفيلة بإظهار القضاء بصورة مشرفة، ترفع من المكانة الاعتبارية للقضاة في المجتمع وتزيد منسوب ثقة المجتمع في أحكامهم. وما قام به الرئيس الأول لاستئنافية البيضاء يسير في الاتجاه نفسه ويؤكد صورة المسؤول القضائي، الذي يؤسس لأسرة قضائية تنصهر فيها كل المشاكل بالحوار والتواصل والثقة والنية الحسنة والاحترام المتبادل، ويسير في النهج الذي رسمه خطاب العرش لـ 2023، حول "الجدية يجب أن تظل مذهبنا في الحياة والعمل، وأن تشمل جميع المجالات، الجدية في الحياة السياسية والإدارية والقضائية من خلال خدمة المواطن واختيار الكفاءات المؤهلة، وتغليب المصالح العليا للوطن والمواطنين، والترفع عن المزايدات والحسابات الضيقة"، وأضاف جلالة الملك أن "الجدية كمنهج متكامل تقتضي ربط ممارسة المسؤولية بالمحاسبة، وإشاعة قيم الحكامة والعمل والاستحقاق وتكافؤ الفرص". للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma