احتضنت طنجة، أخيرا، المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة، وحضر أشغالها وزراء وولاة الجهات ورؤساؤها، من أجل الترافع عن كيفية الإسراع بتنزيل ورش الجهوية المتقدمة، وعدم تركه معلقا بين الأرض والسماء، أو للتدقيق، بين المركز والجهات. وتعددت الاجتماعات المشابهة، والنتيجة واحدة، إذ ما زال وضع ورش الجهوية المتقدمة، لم يتململ، وما زال يشكو الضعف والوهن، ولم يثمر نتائج، لأن العقل "الباطني" المركزي في الرباط يرفض التخلي عن الاختصاصات وتفويتها من العاصمة إلى الجهات، ما جعل الانتظار يطول. وتعتبر الجهوية في المغرب، أي منظومة الحكامة المبنية على أقطاب جغرافية للحكامة المحلية، يلعب داخلها البعد الاقتصادي والإيكولوجي وحتى الاعتبارات السوسيو ثقافية دورا أساسا، ورشا مطروحا منذ عقود. وعرف المسلسل تطورا نوعيا حينما تم تنصيب لجنة استشارية من طرف جلالة الملك في 2010 لوضع تصور جديد مبني على معطيات موضوعية، وعلى تجانس حقيقي داخل الجهات، والهدف الأسمى من كل ذلك، هو إبراز أقطاب قائمة بذاتها، قادرة على استعمال مؤهلات المنطقة، وعلى خلق الثروة والنمو بطريقة مستديمة كفيلة بالتجاوب مع طموحات السكان المحليين. لكن الاستفهام، الذي يطرح نفسه اليوم هو: هل تحقق شيء من ذلك من قبل من أنيطت بهم مهام تحقيق هذه الأهداف، وتجاوز العقبات، وتحقيق التنمية المحلية، وجلب الاستثمار لفائدة سكان كل الجهات؟ نعم، هناك تقدم وعملية بناء بطيئة، لكن الحصيلة كانت دون انتظارات السكان والدولة والفرقاء الاقتصاديين لأسباب تختلف، منها ما هو موضوعي، وما هو سياسي وذاتي، خصوصا مع بعض العقليات في المركز، التي ترفض التفريط في "مكتسباتها" لحسابات لا يعلمها إلا الله. صحيح أن الانتخابات، لم تبرز عموما على مستوى المجالس الجهوية، نخبا محلية قادرة على تدبير الشأن المحلي بطريقة استراتيجية، مبنية على رؤى بعيدة ومتوسطة المدى، ومبنية على أهداف مرقمة وقابلة للتحقيق وتعبئة الفرقاء ومن يهمهم الأمر والموارد الذاتية والشراكات لخلق شروط التنمية المستدامة المنشودة، لكن هذا لا يجب أن يشكل عائقا أمام تسليم الاختصاصات إلى المسؤولين الجهويين، كل حسب اختصاصاته، ولا ينبغي أن يتمركز من جديد كل شيء بيد الوالي. ويأمل المهتمون بهذا الورش الكبير، بعد مناظرة طنجة، أن يتم تدشين القطيعة مع مركزة القرار، والمرور إلى ممارسات جديدة، مبنية على التخطيط والتتبع والإنجاز وتعبئة الموارد والمشاركة بقيادة المسؤولين الجهويين، وذلك من أجل تحقيق حلم جهات خالقة للثروة والتنمية المستدامة. للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma