أصيبت نقابات وجمعيات وأحزاب سياسية بحمى "الذكاء الاصطناعي"، فالهوس بالموضوع جعلها تهرول لتنظيم ندوات ولقاءات وإقحام الذكاء الاصطناعي بها، فأصبح الجميع خبراء في هذا المجال المعقد، رغم أن معظمهم ربما لا يميز بين تطبيق الذكاء الاصطناعي وبرنامج تحرير الصور على هواتفهم! في الأشهر الأخيرة، أصبحت الجهات نفسها تتسابق لتنظيم ندوات ولقاءات تحت عنوان "الذكاء الاصطناعي"، وتخصيص عناوين براقة وشعارات رنانة، تتكرر في كل مناسبة، لكنها تثير تساؤلات مشروعة: هل نعيش لحظة وعي جماعي بضرورة الانخراط في هذا التحول التكنولوجي؟ أم أننا أمام موضة جديدة، حيث يطرح الموضوع بلا عمق، لمجرد مسايرة التيار العالمي؟ القاعة تمتلئ بالمدعوين، ويتحدث محترفون في الخطابة الفارغة، ويلتقط الجميع صورا جماعية ليضعوها على مواقع التواصل تحت هاشتاغ "مواكبة التطور"، ثم ينفض الجمع دون أي خطة. تشبه هذه اللقاءات حفلات الزفاف، إذ ترتدي كل جهة أفضل شعاراتها، وتدعو بعض "الخبراء" لإلقاء كلمات طويلة، معظمها لا يختلف عن قراءة منشور من "ويكيبيديا"، وتبدأ الجلسة بجملة مبهرة مثل "الذكاء الاصطناعي هو المستقبل"، وتنتهي بسؤال عميق: "هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحل مشاكلنا الاجتماعية؟"، ليأتي الجواب: "بالتأكيد... لكننا نحتاج إلى مزيد من الندوات"!. والطريف أن معظم هذه الجهات لا تهتم فعلا بتطبيقات الذكاء الاصطناعي ومجالات اشتغاله، فلا النقابات تعرف كيف ستستخدمه لتحسين ظروف العمل، والجمعيات لا تفهم كيف يمكنه حل مشاكل المجتمع. أما الأحزاب، فهي ترى في الموضوع فرصة لإطلاق شعارات انتخابية جديدة، مثل "نعدكم بمستقبل ذكي"، بينما يعاني أعضاء الحزب صعوبة تشغيل جهاز العرض في قاعة الندوة. لا يحتاج الذكاء الاصطناعي إلى هذه الضجة، بل يحتاج إلى خطط واضحة، واستثمار حقيقي في التعليم والبحث العلمي، وقليل من "الذكاء" في التعامل معه، أما إذا استمرت الأمور بهذا الشكل، فقد يصبح "الذكاء الاصطناعي" "غباء"، وشعارا آخر ينضم إلى قائمة طويلة من العناوين التي أدمن عليها المنظمون، مثل "الاستدامة" و"التنمية البشرية"، وقبلهما "اللامركزية والتمركز" "والتحول الديمقراطي"... التي نظمت لها ندوات كثيرة، قبل أن تختفي من الوجود، دون أثر على الواقع. ما غفل عنه المهووسون بالموضوع أن الذكاء الاصطناعي، ليس مثل باقي الشعارات التي استهلكت وتم التخلص منها برميها في سلة المهملات، إذ ربما سنجد مستقبلا "روبوتات" تتهكم على المنظمين في ندواتهم قائلة: "كيف سمحتم بتنظيم كل هذه اللقاءات، دون استشارتنا". حتى ذلك الحين، يبدو أن الذكاء الاصطناعي في المغرب، ليس سوى ديكور أنيق لصور وسائل التواصل الاجتماعي، وخطابات مزينة بالمصطلحات الأجنبية، وربما نحن في حاجة إلى "ذكاء بشري"، قبل الحلم بـ "ذكاء اصطناعي". للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma